الأربعاء، 22 يونيو 2022

تنمية مستدامة وكوكب أخضر بقلم رماز الأعرج

تنمية مستدامة وكوكب اخضر 
رماز الأعرج ,  في (الصحراء , شعوب ورمال) المحاضرة 4 )
أ : الاقتصاد والبادية حول العالم
حين يعيش البشر كجماعات ظروف متشابهة يشكل ذلك قاسم مشترك بينها ويعطيها الكثير من الصفات المشتركة رغم أنها قد لا تتقابل أبدا , وكما هو مثبت في العلوم الاجتماعية التاريخية والفلسفية أن الوعي الاجتماعي يحدده  الوجود الاجتماعي , والواقع الاجتماعي هو من يحدد الوعي الاجتماعي , بدليل أن الطفل يتعلم لغة القوم الذي يعيش بينهم ويكتسب سلوكهم وثقافتهم , حتى ولو كان ليس منهم إطلاقا من حيث الجنات والدم والميلاد , وكل إنسان يكتسب اللغة والثقافة التي يولد بها .
بناء على فهم القوانين الاجتماعية العامة للمجتمع البشري يمكننا تحديد وفهم نوعية و طبيعة الثقافة الإنسانية المرصودة للبحث , والواقع المشترك بين حياة سكان البادية يعطيهم الكثير من الصفات المشتركة والمتشابهة , يبدأ هذا التشابه من أساس قاعدي هام وهو العوامل الاقتصادية و المناخية والجغرافية , بحيث يشكل هذا الواقع المادي الكثير من العادات والسلوك المشترك حتما.
شكل اقتصاد البادية ما يقارب 50 % من الاقتصاد الغذائي السكاني تقريبا , نهيك عن الجلود والصوف وغيرها من منتجات القطعان , عدى عن الحوم والحليب كمادة غذائية هامة وأساسية , ولذلك لم يقل المجتمع الرعوي البدوي أهمية عن المجتمعات الزراعية والحرفية الأخرى , وعرف نظام البادية المجتمعي الرعوي منذ القديم كما اشرنا سابق بحيث كان أول تقسم طبيعي للعمل هو التقسيم بين المرأة الرجل .
الرجال تذهب إلى الصيد والنساء تهتم برعاية الأطفال وبجمع الثمار و الجذور الصالحة للأكل , وتبع ذلك اكتشاف الزراعة بحيث كانت النساء هي الأكثر اعتناء بالزراعة الأولية بحكم هذا التقسيم الطبيعي للعمل , وتوفير الغذاء , بحيث المرأة مضطرة لمراعاة ظروف الحمل ورعاية الصغار , بينما الرجل أكثر حرية و أكثر قابلة للقيام بعملية الصيد , ولو غاب كل اليوم او أكثر بشكل دائم لن يؤثر ذلك على مسار المجتمع المحلي الصغير الذي كان يعتمد في إدارته و الحفاظ على وجوده على المرأة بشكل أساسي .
وهذا الحال والنموذج المذكور  ما زال لدينا منه أمثلة حية شاهدة على ذلك  في بعض مناطق العالم بحيث هناك قبائل ما زالت تعيش على الصيد وما تجمعه النساء من ثمر , وهي قبائل يرجع تاريخ البعض منها إلى ما يزيد عن أربعين ألف عام , وبقي شيء منها في بعض الجيوب في أفريقيا والأمازون وفي بعض الأصقاع النائية الأخرى من العالم .
ولكن في الاقتصاد البدوي ظهر شيء آخر مختلف عن التقسيم الطبيعي للعمل , بحيث ظهر لدينا أول تقسيم اجتماعي للعمل بين قبائل مستقرة ومحترفة الزراعة كوسيلة للعيش , وقبائل ترعا المواشي , بدل أن تصيد الحيوانات لتحصل على البروتين كمادة أساسية غذائية للمجتمع البشري بشكل عام , و ما يمكن استخدامه من الجلود الفراء , أدت هذه الأهمية الاقتصادية إلى أهمية اجتماعية وسياسية للاقتصاد البدوي . 
  شكلت حيات البادية جسد الإنسان البدوي و شخصية ومجتمعه وثقافته , وتشكلت معها قدرته وصبره على احتمال ظروف البوادي القاسية الخفاف الحر , كما حافظت تلك المجتمعات على نظامها وسلالتها وثقافتها , وكانت بشكل عام أكثر أصالة وحفاظ على نفسها وأصالتها من ما هو حاصل مع المدن التي تغيرت حياة أهلها وحالهم وصبحوا في نوع من الحياة رغدة الحياة أمام حياة البادية القاسية .
لم تعرف تلك المجتمعات الكثير من الحرف وبقي اعتمادها الأساسي في إنتاج الكثير من حاجاتها الأساسية المحلية الضرورية لمعيشتها , مثل غزل الصوف ونسج بيوت الشعر من وبر الجمال وشعر الماعز وغيرها ونشج الحبال , وصناعة بعض الأدوات الضرورية لاستعمال البادية .
لم تنتج البادية تلك المنتجات للتسويق كما في حال الخراف واللبن والصوف والجلود وغيره من إنتاج القطعان , بل كان غالبية إنتاجها هذا في الأصل هو لاستعمالها وحاجتها هي الاستهلاكية المباشرة , وذلك بحكم ظروف حياتها الغير مستقرة المرتحلة التي لا تحتمل كثرة المواد والعتاد في السفر الشبه المستدام تقريبا .
وكانت المرأة البدوية هي الأساس في الحفاظ على هذه الحرف والمنتجات الحرفية الحساسة , مثل غزل الصوف ونسج بيت الشعر , وفي  إيران وبعض المناطق في وسط وشرق آسيا تنسجن النساء البدويات السجاد أيضا ويصنعن البسط و لفرش للأرض , وكذلك أعمال التطريز والزخرفة , وتزيين المنزل وترميم وتصليح ما يتلف من نسيجه بحكم عوامل الطبيعة التعرض للريح والشد الدائم  وغيره .
لم تعمل المرأة البدوية في الأرض والزراعة كما في حال القبائل الزراعية , ولكنها عملت في الكثير من الأعمال منها الرعي ومنها الاعتناء الحيوانات التي تصاب او تبقى في المضارب , وكذلك الأمر في حلب القطعان وتصنيع لبنها والطهي وجلب الحطب والماء وغسل الثياب وغيرها من الأعمال المنزلية , بالإضافة إلى كل ما سلف ذكره من أعمال يدوية وحرفية ومهارات وتربية أطفال وغيره. 
رماز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

تَبْكي العقيدةُ بقلم محمد الدبلي الفاطمي

تَبْكي العقيدةُ أمْستْ مُدَوّنةُ الإلْحادِ إصْلاحا  والجَهْل عَسْعَسَ بالظّلْماءِ طَوّاحا  والدّينُ حَرّفَهُ الأوْغادُ عنْ عَمَدٍ فأصْبَحَ ا...