نهضت صديقتنا ذات الثمان اعوام باكرا من فراشها كعادتها كل يوم، رتبت فراشها بعد أن قبلت صورة والديها المتوفيين؛ فهي يتيمة الاب والام!
نزلت لغرفة المعيشه لتستقبلها جدتها بقبلةً على جبينها طبعتها بحنان امها المتوفاة!
ساعدت جدتها في اعداد فطور ذاك اليوم السعيد.
لم تجد جدتها ما تعده لحفيدتها سوى بقايا خبز من طعام الأمس مع بيضةُ قد وضعتها دجاجتها باكرا، ولم تنس تسخين إبريق الشاي وتحميص الخبز!
جلست الجده بجنب حفيدتها، وضعت حبتان من السكرِ المتبقي لديها، سكبت الشاي ، واكتفت الجده باحتساء الشاي رشفةُ مره ورشفةً تتبعها بحبات تمرُ لتحلي بها مرارة الحياة، وهي تَتمّتم بشفتيها عسى أن استلم مرتب هذا الشهر لاشتري حاجياتنا!
جدتي جدتي: هل تتحدثين مع نفسك؟
لا لا حبيبتي : فقط اقول ما اجمل تناول الفطور معكِ
جدتي جدتي: اليوم هو الاول من اذار
نعم حبيبتي انه اول أيام الشهر
ياللهول ! هل سمعت كلماتي؟ هل عرفت فقر حاجتنا؟
جدتي انه يوم عيد المعلم
اه يا حبيبتي كيف نسيته
جدتي جدتي: والدمعه تتلألأ بعينها ولكن جدتي لم نشتر هدية لمعلمي
حبيبتي لا تحزني ساعطيك اجمل هديه!
رجعت الفرحه تورد خديها وركضت لترتدي زيها المدرسي
قطفت لها وردات من زهرة الياسمين
ولكن جدتي أريد شراء قارورة عطر
حبيبتي شميها، شذا عطرها فواحة !
حزمت كتبها و شدتهم برباطٍ إلى ظهرها، مبقيةُ على حقيبتها فارغة لتسع شدة الوردِ؛ كي لا تتلف الكتبِ رونق الوردِ!
مَشَت صوب مدرستها والسعاده تغمرها!
غادر مدرس الرياضيات بيته على عجلة من أمره، راكبًا دراجته الهوائية وهو يسير في الدروب الموحلة، والشوارع الزلقة؛ زخات أواخر الشتاء مازالت أثارها باقية... فهنا بركة ماءً وهناك وحل طين…..يسير ببطء شديد لكي لا ينزلق ببركة ماءً، واضعًا ملابسه الرسمية خلفه؛ ليحميها من الطين المتطاير بدربهِ!
وصل كعادته مبكرا ، دخل الى غرفة التدريسيين، استبدل ثياب الطريق ببدلتهِ الرسمية رمادية اللون، يجملها خيوط داكنة اللون لتضفي جمالها،ولم ينس ربطة عنقه ليظهر ما بها من رونق؛ كي لا تهتز صورته بنظر تلاميذه!
جلس على كرسيه داخل قاعة الصفِ، منتظرًا طلة أبنائه على الصفِ!
دخل الطالب تلو الاخر، والزميل مع زميله
صباح الخير أستاذنا قال التلاميذ
صباح الخير ابنائي
جلسوا إلى مقاعدهم
كتب على لوحة الصف، الأول من أذار عيد المعلم
يحل علينا اليوم عيد المعلمِ، أحييكم تحية أب لأبنائه في هذا اليوم السعيد!
فتعالت الاصوات
عيد مبارك استاذنا
كل عام وانت بخير
اخرج كل تلميذ هدية من حقيبة اشتراها له اهله!
فهذا يقدم ربطة عنق وذاك يهديه قارورة عطر وهذا يعطيه علبة الملبس والحلوى وذاك يقدم له قلم الحبر!
خجلت من هديتها؛ فترددت باخراجها، وضعتها على لوحها الذي تجلس عليه؛ مخفيه بيديها على باقة الورد!
لاحظ سكونها، ولم يجعلها تلاحظه!
قال: الله الله…ما اجمل هذا العطر !
من منكم جلب عطر الياسمين؟
فقالت أنا….. أنا…… أنا أستاذ!
وهل قرأتي أفكاري ؟
وهي تبتسم فرحا. لا جدتي تحبها
أجلسها بقربه، ماسحًا رأسها؛ يشعرها بحنان الام وعطف الاب!
وقال لها ضعي واحدة في شق البدله الصغير، والثانية في فتحة المنديل!
انظروا ما أجمل نصاعتها، بياض الياسمين أضفى بريقا علي.
وضع قلم الخبر داخل بدلته، وزع الملبس والحلوى على الطلاب؛ فرح كل من في الصفِ!
قبيل انتهاء الدرسِ، أهداها قارورة العطر لتعطيها لجدتها
رجعت والسعادة تملأ قلبها؛ فوجدت جدتها قد أعدت وجبت الغذاء بما لذ وطاب من الاطباق
رشت اريج عطرها على عنق جدتها، غمرتها جدتها بحنانها.
علاء العتابي
الولايات المتحدة الاميركية
——————————————-
كل عام والمعلم بالف خير
علمتنا كيف نكتب وكيف نتهجى
كيف نتكلم وكيف نعبر
فبفضلك أصبحنا بناة المستقبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق