الثلاثاء، 25 أكتوبر 2022

من أنا بقلم جهاد صباهي

من أنا
الشاعر الدكتور جهاد صباهي

أنا مثلُ نهرٍ يسيرُ في مجراهْ
أنتم والأرضُ مبتغاهْ
أنا مثلُ عصفورٍ فرَّ من سكناهْ 
يُطاردُ جناحيهِ في المرآةْ
مثلُ القلبِ ما أغناهْ
ينامُ قريرَ العينِ بما جناهْ
أنا مثلُ طفلٍ
يرسمُ رغيفَ الخبزِ على الجدارْ
يرسمُ ضوء الشمسِ على سقفِ النهارْ
مثلُ امرأةٍ
حوّلَها القهرُ إلى زهرةِ صبّارْ
انا مثلُ شروقٍ أصابَهُ الفتورْ
أنا شاعرٌ يطاردُ الحروفَ على السطورْ
أنا ضحكةٌ سقطتْ من فمِ الوجعْ
تقمصتْ شكلَ القصيدةِ
تبحثُ عن طريقٍ للعبورِ
دون أن تتعثرَ بانفجارٍ
أو يصدمُها جدارْ

أيتها القصيدة
كوني مهيأةً لانبثاقِكِ فجراً بين حشدٍ من النسورْ
انتبهي لمخاطرَ الطريقِ إليهم 
وأنتِ هشّةٌ تعبرينَ حقلاً من الألغامِ
هناك عرباتٌ غريبةٌ طائشةْ
يمكنُ أن تأخذَ الكَلِمَةَ بِعَجَلَاتِها من غيرِ ندمٍ
بينما تُحاولينَ 
العودةَ بعقاربِ الساعةِ إلى الوراءِ
تُعيدينَ إلى الأشجارِ ذاكرتَها
المكسوةِ بوفاءِ الكلابِ والأصدقاءِ
تُعيدينَ نضارةَ الصباحِ
إلى الوجوهِ
وروعةَ القمرِ في السماءِ
أيتها القصيدة
ليس سهلاً أن نكونَ ذلكَ الذي كنّاهُ
وكلُّ شيءٍ مصابٌ بالخَواءِ
هناك ليلٌ وحطبٌ ونارٌ يُعدُّونَ في الخفاءِ
هناك نسيانٌ قابلٌ للاشتعالِ
هناك محوٌ قلّما يُعلن عن نفسهِ
هناك نِفاقٌ يُحاصرُ العقولَ
يُبددُ الذاكرةَ المترعةَ بالأحداثِ
لاشيءَ يبقى
لاشيء يبقى وكلُّ شيءٍ يمضي إلى المجهولِ
لم تعد الحياةُ معنا
لم نعد منها ولا هي منَّا

أهربُ من قسوتِها إليكمْ
أقفُ أمامكمْ
أقولُ لِمَنْ يهتم 
وكلماتي تحملُ كلَّ الهمْ
ليس سهلا أن أقولْ
وأقوالي جرفتها أمطارٌ وسيولْ
إلى أرضٍ غيرَ ذي زرعٍ
أصابتها بنوبةِ هذيانْ
الصمتُ والصرخةُ سيَّانْ
ماذا أقولْ
وأرضنَا تدوسُها سنابكُ الخيولْ
جعلتها روحاً تنحني أمامَ أكاذيبِ الفصولْ
تنتظرُ ضربةَ فأسٍ
تُحولُها إلى حطبٍ في مدفأةِ العجولْ

لاتتعجبوا ... بيضةٌ أخرى 
ويؤثث الطائرُعشّه من حجارةِ الغزاةِ 
على جناحيهِ يتخثرُ دمُ القصيدةِ
لو تحصّنا جيداً
لما تسربَ البحرُ من قربتِنا
وتحولَ الثديُ إلى وحشٍ كاسرٍ
يقضمُ لسانَ الرضيعِ
يملأُ فمَهُ بسيلٍ من الأفاعيْ
ينتشي بالدمِ المتخثرِ على شفتيهِ
يُسقِطُ بكاءَ الرضيعِ على الأرضِ صريعاً
كأنه جرسٌ ضخمٌ تتكفلُ بقرعِهِ
مجموعةٌ من الموتى
كأنه مِخْرَزٌ يحفرُ في قلبيْ
وصوتُ نايٍ ينبثقُ من تابوتِهِ
الملقى على قارعةِ الطريقِ
يحثُّ الجيادَ النائمةَ في أقلامِ الشعراءِ
على الصهيلِ
قبل أن تشرخَ السيولُ جدارَ البيتِ
ويتشظى صوتُ الحجرْ
وتصبحُ دماءُ الشهداءِ المبعثرةِ في الأنحاءِ
ضحايا مؤامرةٍ .. وبُعْدِ نظرْ

سأوقفُ القصيدةَ .. 
سأوقفُ القصيدةَ في منتصفِ الطريقِ وأقفزُ منها
أُلاحقُ قدميَ الراكضتينِ في الفضاءِ
تسوقني إلى حجارةِ البيت
أحطُّ عليها
يُغرينيْ عِناقُها
أشعرُ بزفيرِها يملأُ صدريْ
وجِراحُ قلبِها تعصفُ بقلبيْ
أقولُ لها : 
هل هذا دمُكِ الماثلُ فوق قميصيْ ؟ 
تنظرُ إلي بعيونٍ منطفئةٍ وجسدٍ باردٍ
ومن شفتيها تتساقطُ الثلوجُ 
تشيرُ بيدِها الذابلةِ أن أُكملَ القصيدةَ
تفرُّ الرؤى من رأسيْ
ماعدتُ أقوى على الكتابةِ 
كلما توغلتُ فيها
تبدو صورةُ الهلعِ أكثرُ وضوحاً
أريدُ أن أتوقفْ
صارَ الكونُ قفصاً
يضربهُ الطائرُ بِجَناحيه ولاينفتحُ
سأقفزُ من القصيدةِ
صورةُ الهلعِ أكثرُ وضوحاً 
صورةُ الهلعِ أكثرُ وضوحاً

د جهاد صباهي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

مَنْ زعلك مَنْ بقلم العلاء الرشاحي عدنان عبد الغني أحمد

.........مَنْ زعلك مَنْ....!؟                       ...................  ـ من زعلك ياحبيبي   وأنت لحياتي عمود .. ـ من زعلك ياحياتي   هم ...