الثلاثاء، 29 نوفمبر 2022

الجروح و الكدمات النفسية بقلم أمل شيخموس

 " الجروح و الكدمات النفسيّة "

بقلم الكاتبة الروائية 

أمل شيخموس // سوريا  

المقالُ تأمُّلِيٌّ نفسيٌّ 

               ▪︎▪︎▪︎▪︎   

من الأولى عدم جرح القلوب بدلاً عن مداواتها في ما بعد ، لأن بعض القروح يصعب استشفاؤها بل تخلف أثراً عميقاً في الروح قبل الجسد المحسوس ، الجسد الّذي عبارة عن عصب ، و دم ، و أنسجة مكونة من خلايا ، و أمّا الرّوحُ فنفحةٌ رحمانيّةٌ نورانيّةٌ من الخالق البارئ ، فالإنسانُ عبارةٌ عن روح و نفس و جسد ، فالناس يسهل جرحهم من خلال النفس بيسر أبلغ من الجسد ، بل أؤكّد أنّ جروح الجسد تلتئم ، و تتماثل للشّفاء و المعافاة ، لأنّ الجسدَ يستجيبُ للعلاج بشكل أسرع ، بيد أن النفس تحتاج إلى رقة في التعامل و الشعور ، غالباً ما تكون الجروح النفسية بالغة تؤثر في العمق الذي ينعكس على الإنسان بوصفِهِ وحدةً متكاملةً من روحٍ و جسدٍ ، و نفسٍ و عقلٍ فمن هنا نقول من الأجدى و المثمر تفادي جرح الآخرين أفضل من مداواتهم ، لا الكلمات و لا الفعال غالباً ما تشفع أمام تلك التصرفات لأن النفس شديدة التأثر و الحساسية تدرك من يحبها بصدق و من يكرهها دون تزييف تصلها الحقائق .

 النفس عارية من المناعة فما يأتيها من شعور نفاق أو صدق يزهر فيها كلٌ بما سقى لذا يقاسي بعض النّاسِ من التّصحّر العاطفيّ و ذلك لأن أنفسهم تجرعت كميات سميِّة تفوق طاقتها و تشربت المزيد من القهر ، و الذل ، و الإهانة بشكلٍ لا يمكن التغافل عنه أو مداراته ، أعتقد أن الأمراض النفسية تأتي عن طريق تلك الهجمات و الدفقات السميّة من مُتَلَبِّدِي الأحاسيس و قساة القلوب ، و تتأتى تلك القسوة لديهم أيضاً من سحق معالمهم النفسية و الوجودية عن طريق مرضى آخرين حولوهم إلى ماهم عليه ، و هكذا ندور في حلقة متتالية من الآفات النفسية المعدية التي يقذفها كلٌ من نفسه ، لتتلقى ما حوله من نفوس تلك الكدمات الأزلية بلا نهاية تتم هذه العملية الضحايا الأولون السابقون يحولون حياة من حولهم إلى جحيم فيتحول هؤلاء أيضاً بدورهم إلى ضحايا مثل غيرهم و تتكرر الكلوم و تُستنسخ حتى تغدو غديراً متدفقاً من الآلام النفسية ، و التي تصيب الجسد بعلل تتفجر فيه مثال ذلك السُكري المرض الخبيث الشائع ، الَّذي لا دواء له سوى الراحة النفسية و الامتناع عما لذّ و طاب من فاكهة و ثمار حلوة 

تؤكّد هذه له أنَّهُ تعرّضَ للكثيرِ ، فكم من مريضٍ يقاسي من علل متنوعة و متعددة كالقلب و الإصابة باضطراب الغدة الدرقية حتى الاختناق و هبوط الضغط و ارتفاعه تؤكد هذه الأمراض له إنَّه تعرض للكثير من الظلم و الكدمات النفسية التي تجرعها على مر الوقت ، و انفجرت من قساوتها ، و أثر الصدمات غير محتملة ، و التي تفوق طاقته بتلك العلل النفسية المستدامة التي طافت على سطح الجسد تعبيراً عن الرفض العميق عما يتعرض له ذلك الإنسان من غدرٍ و قهرٍ للمشاعر و المعاناة تكون أقسى بالطبع عندما يصاب . . التي نتحدث عنها الآن أمراض مستشرية تسري في المجتمع سريانَ النّارِ في الهشيمِ ، و بسرعةٍ فائقة شدَّ ما نسمع بشكل متكرر يكاد أن يكون يومياً عن أعداد من البشر نعرفهم قد انفجرت فيهم هذه الأسقام و أصيبوا بهذه العلل المستدامة التي لا يسعهم التملص منها بل و تهيمن عليهم عن طريق القلق ، فقد غدو مكرهين على اتّباعِ حماياتٍ غذائيّة درءاً لكميّاتٍ مضاعفة من الألم تكلفهم المزيد من العافية ، و دعوني أقل لكم دون خجل و كثير من الشجاعة لتعرية النفس و نحن من هؤلاء في ترقب صحيٍّ مستمر متأملين حدوث معجزة من السّماء تشفينا . .

إذاً يتبين لنا مما سبق و التمني لا يشفع لنا . . الإنسان لو أنه ابتعد عن بؤر الفساد تلك و حافظ على ذاته كما هي نقية من العلل و الآفات التي فجرها هؤلاء في جسده ، دربهم شوك ، و مرآهم يسبب الخمول ، و اليأس ، و لا مفر منهم سوى الرفض الصريح إن كان مستطاعاً ، أما إن كانوا من الدائرة المقربة ، و هذه الأشدُّ التصاقاً و سميِّة نظراً لعامل القرب هنا يجب تفاديهم قدر الإمكان ، لذا ذهب المجتمع إلى هذه المقولة الّتي يجدها بعضُهم ربما تعدي على صلة الرحم أو ما شابه بيد أن الأمر مختلف تماماً ، فكل مثل شعبي هو نتيجة تجربة فعلية مر بها الكثير من الناس عن طريق التجارب " الأقارب عقارب " هذا لم يأتِ مصادفةً بل نتيجة تجارب مجتمعية و إنسانية بليغة الأثر . 

  حالة التلوث تلك باتت تؤثّرُ في العلاقاتِ ، فغدا الإنسان بدافع من الحرص ودرءاً للاصابة بالمزيد من العلل الذي تسبب له الضرر النفسي و الجسدي أحيانا العقلي أيضاً كنوعٍ من الدفاع عن الذات يقوم بقطع الصلة مع هؤلاء و لو كانوا أقرب المقربين ، فيغدو الأمر عبارة عن مجاملة لا أكثر و عدم إرتياح في التعامل بدل الراحة

هكذا تبقى الحياة تستمر و في خضمها جميع المتناقضات تسير . . 

فمثلاً عند الحكم على فلان إنه عاق بئس هذا الحكم النّاس لها الغلاف و ما خفي في البواطن أعمق ، لا أحد يدري كيف تربى هذا الإبن العاق و بما مرَّ  به من قروح نفسية عميقة أوصلتهُ حدَّ عدم تمكنه حتى من المجاملة أحياناً ، بل الرفض و غالباً ما يكون الرفض باطنياً سببه نفسي عميق قد نتفاجأ على سبيل المثال رفض أحدهم الانصياع للمنظومة الأسرية و المجتمعية مع العلم أن الصورة العامة الظاهرة أمام الآخرين عنه أنه في أحسن حال إلا أن الواقع ربما يكون العكس ، فربما لم يتلقَّ الحَنَانَ و الأمان في الصغر ، إنما إثر اشتداد عوده و بعد طول هذا الزمن أصبحوا يغدقون عليه العطف . . هذا ما يتراءى ظاهرياً و  الحقيقة أن ذاك الشخص قد قاسى من الرفض في الصغر و التعرض للمعاناة و الترهيب النفسي أعتقد أنه لن يكون سعيداً بعد خوضه شوطاً عظيماً من الآلام النفسية بهذا الكرم الهابط و كأنَّه من جوانح السماء ستبقى نفسه شاهداً أكيداً على ما مرَّ به من متاعب في رحلته الوجودية حول اكتشاف ذاته و نفض التراب عنه ، هنا و بهذا المثال عن العلاقات الأسرية الأبوية تحديداً لا نشجع على عقوق الوالدين و بتر صلة الرحم بل ندعو إلى التسامح و الرحمة و إفشاء المحبة والسلام في المجتمع لأنه في النهاية الكمال لله سبحانه و تعالى أما  البشر في نقصٍ يتخبطون بين هواجسهم و السعي للتشافي خلال هذا العمر الرحلة القصيرة على متن الأرض و التي تتطلب منا الرحمة و الحكمة في التعامل مع الآخرين سعة الصدر ، و الصبر ، و التطور من خلال الآلام التي نتعرض لها هي جوهر الإبداع للنفوس الحكيمة و بوابة نحو السعي للإنطلاق بالذات ، فمن خلال الألم نخلق الجمال و نبتهلُ إلى اللهِ ، و منه نتقرّبُ أكثر من خلال الدعاء و التأمل و الصبر و آداء الصدقات و الواجبات و هذه من صفات القلوب الرحيمة كما يقول الحديث الشريف الذي رواه التّرمذيّ 

" ارحموا من في الأرض يرحمكم من في  السّماء "


الحياة عبارة عن آيات لأولي الألباب لعلهم يعقلون


🌻

بقلم الكاتبة الروائية

 أمل شيخموس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

عشق وركوع بقلم صالح العبيدي

(( عشق وركوع )) لما أتيتك راجيا لم تسمعي ولذا ندمت حقيقة لتضرعي  قد كنتي معنى للقصائد كلها  يامن بأسمك كان بدأ المطلع لكنك لم ترعوي بمشاعري ...