الأحد، 20 نوفمبر 2022

أحتاجك فردي بقلم سكينة الشريف

 أحتاجك.. فَرٌدِي 

سكينة الشريف

مصر


ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت فتاة صغيرة، بجدائل تتعانق وشرائط وردية، ووجه صبوح ، لم  يتلون يوما بألوان الحياة الزائفة، لم تحلم بأكثر من أن يبقي الله لها أمها بعد موت أبيها رحمه الله وهى رضيعة فكم كانت تبحث عن قسماته بين كل الرجال الذين تعرفهم حتى تخاله فلم تجد له شبيه. 

 وكانت أمها صديقتها الوحيدة، بل أختها، وحبيبتها التي لم تمل يوما من  ثرثرتها وحكاياتها الطفولية المضحكة التي كانت تنتهي بنومها العميق، متغلغلة في أوردة حضنها المخملي. 

كبرت الفتاة، وتعمقت الصداقة بينهما، وتعددت الحكايات، وذادت الثرثرة وما زالت أمها تسمعها مبتسمة راضية سعيدة، لم تشعرها بأنها ملت أو حفظت حكاياتها، بل كانت تتركها تسترسل في قصصها وتخلل هي بأصابعها بين خصلات شعرها. ولم تشعر الفتاة بها إلّا وهى توقظها لصلاة  الفجر... 

كبرت الفتاة وأصبحت عروس غضة، تزوجت وفارقت أمها الحياة، لكنها أخذت معها روحها لتجالسها، وأبقت لها جسدها المتعب الهزيل الموجوع،

شاخت فجأة، ماتت الطفلة المخبأة داخل جسدها

تحول العالم بأكمله بين اللقاء والفراق إلى عالم بارد كالثلج..

جلست الإبنة المكلومة تتذكر صوت ضحكات أمها الهادئة الرزينة.وإبتسامتها الخجولة ومن ثم تستعيد إرتشاف حنانها فمازال أريجة في أرجاء المكان

جلست تتذكر كيف كانت توصيها وتشدد في وصيتها لها منذ طفولتها، وأكثر ما شددت بلائات عدة، لا تهجري الصلاة، لا تبخلي بالصدقة، لا تصاحبي السيئات من القرينات ، أكرمي ضيفك، لا تفشي سرا، لا تغتابي أحدا، ولا تدعين على أولادك، وإن ظٌلِمت، فحسبي الله ونعم الوكيل هى برد القلب ودوائه.

ثم أردفت قائلة لها: سرك أسيرك إن بحت به أصبحت أسيرته.. فدون قصد جعلتها لا تطمئن لصديقة غيرها، حتى أولادها هم قرة أعينها كانت تحجب عنهم ما يؤلمها، حتى لا يتألموا.

كانت كل فترة، تكتب لأمها رسالة على أوراق خريفها المتساقطة محملة بأوجاع الماضي ، وشوق يضج مضجع جفنيها

 فما زالت تسمعها بابتسامة ملائكية منسابة كالحرير وهى تخلل يديها بشعرها، وتلملم أوجاعها وتحضن صرخات أنفاسها، 

فقد كان الجميع مشغولا عنها، إلّا أمها وكأنها خٌلقت في الحياة لأجلها فقط،

 فكلما أوجعتها مصائب الدنيا تكتب لأمها، وتخالها ترد عليها بقولها: قولي حسبنا الله ونعم الوكيل، و رددي اللهم دبر لي فإني لا أحسن التدبير.

رسائل شبه يومية منذ ثلاثين عاما، ولم تمل أمها سماعها رحمها الله تعالى، حتى وصلت الفتاة الصغيرة إلى سن الخمسون عاما حتى ارتسمت قسمات وجه أمها على ملامحها،. 

 جلست الفتاة تناجي ربها وتزرف الدمع ولملمت قصاصات من الأوراق المتناثرة لتكتب لأمها

 ليتني أستطيع ياأما أن أستعيدك فأقبض على قلبك بقلبي، وأمكث خادمة تحت قدميك  وأسكن بين أضلعك وأظل أشتّم رائحة عبيرك، وأنحت قسماتك في قلبي، وأروي جفاف حياتي من رضابك

بعدك يا أماه لايروي جفاف الحلق إلا الدمع 

مابالك ياأماه هذه الأيام أكتب لك ولاتردين على رسائلي؟! 

مابالك ياأماه! أيرضيك طي  صفحاتي ،وكسر خاطري؟! بعدك ياسبب وجودي لم يلتئم له جرحا،  والأيام المحزنات دائما تنكأ  قلبي الموجوع فيزرف الدماء حتى مات إكلينيكيا.. فأي وثاق ياأمي أعظم من قلبك ، وأي مرارة أشد من نزعي من بين أضلعك

وأي بِحار هى التي تطفئ لهيب الإحتياج. 

ومن أين لي بأم أخرى تمسح الدمعات ،

 غاب عني صوتك ولم أعد أسمع إلا نشيج روحي تضرب بثقلها على صدري حتى تكسرت  أضلعي 

أحاول إنتزاع من بين أوقاتي حبلا سريا يربط روحي بروحك لا يمكن لسني الدهر أن يقطعه ثم أضع على طرف كل حبل قطرات من الأمل عساي أن أسكن بجوارك قريبا 

أمي أحتاجك.. فَرٌدِي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

عندما تذوب السنين بقلم قاسم الخالدي

عندما تذوب السنين ذهب العمر مابين اه وحسرة كما تسقط من رأسك جرة تعيش الناس حسب اهوائها والروح النقية تعيش حرة ذهبت سنين فلاعودة لها سوى الم ...