الثلاثاء، 10 يناير 2023

الثلج الحار بقلم عبده داود

الثلج الحار
قصة قصيرة
 كانت كريستينا تراقب هطول الثلج الساقط بهدوء، سكون ثقيل يخيم على الحي... الدنيا تلونت باللون الأبيض، أحيانا يشق الغيوم شعاع شمس اشتاق للأرض، لكن الغيوم تتسارع وتسد منافذ الشمس، ولا تلبث أن تستأنف هطولاتها الثلجية... بات كل شيء في حلة جديدة، حتى أشجار الصنوبر دائمة الخضرة، ارتدت ثياب زفافها الأبيض، أسطحة المنازل القرميدية، غطتها طبقة سميكة من الثلج، ومن أطراف السطوح، تدلت نوازل إلى الطريق، تشبه حبات الماس الثلجية المتشابكة مع بعضها...
تلك الفترة كثيرا ما كان بدرو زوجها يعتذر عن الحضور للبيت بسبب رداءة الأحوال الجوية... واعذار مختلفة أخرى...هي كانت تتمنى أن ترى أي انسان في الشارع لتشعر بان الحياة لا تزال بخير في ذلك الجو الصقيعي.
تذكرت أهلها وسعادتها في حضن العائلة، بينما اليوم، الضجر يسئمها ويحطم كل ما هو جميل في حياتها.
تذكرت عندما جاء بدرو يطلب يدها بعد سنوات الحب الجميلة
كانت هي طالبة في كلية هندسة الديكور، وتعرفت على بدرو الذي أخبرها بأنه ذو منصب مسؤول في أحد الفنادق... 
رفض أبو كريستينا استقبال بدرو بعدما استعلم عنه وعرف بأن عمله في الفندق وضيع جدا، لا يتناسب مع صبية جميلة، ومن عائلة مرموقة، متعلمة مهندسة ديكور...
عارضت كريستينا أبويها بشدة عندما رفضا العريس المتقدم لها... وأصرت الارتباط معه، وأخيراً تركت المنزل وهربت مع بدرو وساكنته بدون زواج كنسي أو حتى مدني، لأن بدرو اقنع كريستينا أنهما لا يحتاجان إلى عقود من أي نوع كان، الحب الذي يربطهما أقوى من أي وثيقة كنسية أو قانونية يكتبانها...حبهما هو الوثيقة الأقوى غير القابلة للطعن...
مرت سنتان على زواجهما، وهما سعداء مع بعضهما البعض...
بدرو لم يكن يسمح لزوجته أن تعمل في أي مكان، كان يقول لها أريدك دائما في المنزل، أنا أوقاتي في الفندق تتغير من يوم إلى آخر، مرة في الليل، ومرة في النهار واحياناً في الليل والنهار... وضعي المالي جيد، تعويضات الفندق سخية وكافية، وكان يخجل القول إنها إكراميات الزبائن، لذلك لا حاجة لأن تعملي البتة...
هذه الأيام طال غياب الزوج عن البيت، والأسباب غالبا واهية، مرت خمسة أيام لم يحضر بدرو للمنزل.ولم يخابرها.
طفح الكيل من غياب زوجها...ذهبت كريستينا، لتزور زوجها بالفندق ,وحملت معها باقة زهور حتى تفرح قلبه، لكنها فوجئت بأمر لم تكن تتوقعه اطلاقاً، عرفت بأن زوجها على علاقة بامرأة ثانية يساكنها، وهذا سبب تغيبه عن بيته، أصابتها نوبة من التشنج والبكاء المر... 
أقسمت بألا تعود إلى البيت. لكن أين ستذهب؟ هي على علاقة سيئة مع أهلها بعدما تركتهم من أجل رجل رفضوه بشدة، والآن كيف تقابلهم؟
في الطريق كانت تجهش بالبكاء وهي تسير بلا هدى 
شاهدت كنيسة مفتوحة، دخلت إلى تلك الكنيسة، جثت امام تمثال العذراء تتوسل إليها أن تساعدها
راهبة كانت في الكنيسة سألت كريستينا سبب بكائها.
روت للراهبة قصتها مع زوجها. أحست الراهبة بعذابات كريستينا... فطلبت من رئيسة الدير استقبال كريستينا وخاصة هم بحاجة إلى مهندسة ديكور لتعيد تجديد ديكورات مدرستهم...
كريستينا رفضت أن تعلم بدرو مكان وجودها، ومكثت في دير الراهبات معززة مكرمة وعادت الحياة تسري في حياتها، تتسلل لتسكن قلبها من جديد...
أعمال الديكور الرائعة في مدرسة الراهبات، لفتت نظر الأهالي، سمحت رئيسة الدير لكريستينا تنفيذ اعمال ديكورات في بيوت الطالبات، كريستينا كانت تتبرع بكل الاموال التي تكسبها إلى صندوق الدير...
 بعد سنة، تقاعد طبيب تلك المدرسة، تعاقدت رئيسة الدير مع طبيب شاب، ابن عائلة مرموقة، سرعان ما ربط الحب بين قلبه، وقلب كريستينا...
الطبيب الجديد طلب يد المهندسة للزواج. قام الراهبات بمصالحة كريستينا مع أهلها وطلبوا من الشاب أن يطلب يد الصبية من أهلها... 
أقاموا حفلة زواج كنسي لم تعرف المدينة بجماله، حضر الكليل، ناس كبار من أهالي البلد...
ذهب العروسان شهر عسل إلى فندق في مدينة جبلية ساحرة، فوجئت كريستينا بأن بدرو هو المكلف بحمل حقائب الزبائن إلى غرفهم، بدرو لم يتجاسر حتى النظر إلى من كانت زوجته يوماً، هي سالت دموعها وقالت لزوجها هذا هو بدرو المسئول الكبير، وأعطت الحمال إكرامية سخية، أخذها وخرج مسرعاً...
سألها زوجها كيف تعطيه إكرامية بعدما جرحك عميقا...
قالت الزوجة: يكفيه عقابا حمل حقائبنا، ويكفينا قدرتنا على العفو عند مقدرتها فهي فضيلة... 
فتحت كريستينا مكتبا لهندسة الديكور ضخما في المدينة وخصصت جزءا من أرباحها مدى الحياة إلى دير الراهبات.
أولاد الدكتور والمهندسة يتعلمان في مدرسة الراهبات. وهما بالفعل رائعون...
بقلمي: عبده داود
كانون ثاني 2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ملكة الياسمين بقلم فاطمة حرفوش

" ملكة الياسمين" دمشقُ يادرةَ الشرقِ وعطرَ الزمانِ  ياإسطورةَ الحبِ ورمزَ العنفوانِ لا عتباً عليك حبيبتي إن غدرَ بك الطغاةُ وأوصدو...