الأحد، 8 يناير 2023

تهمة كيدية بقلم ماهر اللطيف

تهمة كيدية
بقلم :ماهر اللطيف

ما إن رأته يغادر المسجد ظهرا - كالعادة - إثر خروج جميع المصلين و خلو المكان من كل بشر و هو يستعد لغلق المصلى، حتى اقتربت منه و رائحة عطرها تطوق الهواء و تحد من نقائه وصفائه و تنتشر في كافة الأرجاء وقد برزت معظم مفاتن الشابة و أجزاء من جسدها جراء ارتدائها لملابس شفافة وفاضحة، وهي ابنة الثلاثين من عمرها، صاحبة القوام الممشوق و الجسد الملتهب، ذات الجمال الفتان ،زرقاء العينين و سوداء الشعر، متوسطة الطول و صاحبة البشرة البيضاء (تعودت على هذا الصنيع منذ فترة بعد أن أعجبت به ما إن رأته مرة صدفة في منزل صديقتها - ابنته - ....

اقتربت منه وهي تحمحم لتجلب انتباهه و يعيرها اهتماما و هو يتقدم صوب منزله بكل ثقة في النفس و لا يعبأ بما يحدث وراءه إلى أن أسرعت خطاها و اقتفت أثره إلى أن أمست خلفه و قالت بصوت مسموع رقيق:

- لا يجوز لشيخ وقور أن يحتقر امرأة جميلة مثلي تتبعه حيثما ذهب وجاء ليلا و نهارا و لا يهتم بها

_ (وقد احمر وجهه واضطرب) استغفر الله العظيم و اتوب اليه، استغفر الله العظيم و اتوب اليه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

- (مقهقهة ومقاطعة) ويحك، هل تشبهني بالشيطان؟

- (وقد تردد و فقد السيطرة على نفسه في لحظة ضعف مفاجئ) حاشا لله بنيتي، أنا أطلب العون من الله لكي لا أضعف و استسلم لمشيئة الملعون و رغباته

- (ضاحكة وهي تخفي غضبها) لماذا ستضعف ، هل راودتك عن نفسك أو طلبت منك شيئا يغضب الله؟

- (بثقة في النفس) النفس أمارة بالسوء ابنتي و أنت ما شاء الله جميلة و فاتنة تعترضينني يوميا مرارا و تكرارا و تثيرين انتباه جميع من يراك

- (مقاطعة بصوت مرتفع) هل أثرت انتباهك أنت، لا يهمني في بقية البشر؟

- (وقد امتلكه الخجل) بكل تأكيد، فأنا بشر بنيتي

- (مقاطعة وهي تحاول الاقتراب منه و ضمه إلى صدرها و هو يمنعها و يفرض عليها البقاء حيث هي) الحمد لله

- (بعد أن استرجع قواه وتوازنه) ماذا تريدين مني، اوجزي؟

- (مبتسمة و مستعينة بيدها عند الحديث و الشرح والوصف) قلت أني جميلة وفاتنة، فهل تراني فعلا كذلك؟ هل ترغب في إنشاء علاقة معينة معي؟ (وهو يستعيذ من الشيطان و يستغفر الله باستمرار و عيناه مسمرتان أرضا) هل تريد استغلال اهتمامي بك لتفعل بي ما تشاء خاصة واني حديثة الطلاق و هجر فراش الزوجية

- (مقاطعا بشدة و بصوت مرتفع) اتقي الله بنيتي و كفي عن هذا الهراء. ما هذا الحديث و السيناريو الذي ألّفتيه؟ (وهي تحدق النظر إليه و تبتلع ريقها و تقوم بحركات غير أخلاقية بلسانها و الشيخ يبتعد شيئا فشيئا وهي تمسك بذراعه مانعته من المغادرة) أنت أصغر سنا من بناتي و لا يمكنني أن أراك في مرتبة غير مرتبتهن من جهة، وانا مخلص لزوجتي و علاقتي بها و إن ماتت من سنوات أتنفس ذكرياتها و حكاياتها من جهة ثانية، و أخاف الله و اسعى إلى تجنب الشرور و المساوئ قدر الإمكان من جهة ثالثة و هو الأهم...

و مازال يتحدث و يقنعها بعدم اكتراثه و اهتمامه بها كما تتصور و تعتقد أو تحاول ذلك، حتى أطلقت صوتها للصياح و مسكت الشيخ من قميصه، قبل أن تمزق جزءا من لباسها و تكشف عن جزء من ثديها وهي تبكي و تستنجد بالناس و توهمهم أن هذا الشيخ أراد التحرش بها قصد اغتصابها بعد تحويل وجهتها و ها انه قد شرع في ذلك عمليا إثر محاولة تجريدها من ثيابها غصبا...

فتكاثر الناس و تجمهروا وهم يلعنون الشيخ و يشتمونه و يسمونه بشتى السمات و احقرها ولم يستمعوا إليه أو يعطوه الفرصة للدفاع عن نفسه إلى أن قدم الأمن و حمله مكبلا بالسلاسل مثل المجرمين وقد حاول بعض أعوان الأمن تهدئة روع المرأة و احاطتها على جميع الأصعدة و جلبها معهم إلى مركز الشرطة معززة و مكرمة - بما انها ضحية وحشية و تصابي هذا الشيخ كما يعتقدون-.

فيما كان الشيخ مشدوها و مصدوما لا يصدق ما يتعرض إليه من ضيم و ظلم جراء رفضه معصية الله و طاعة الشيطان و هذه الشابة المتمردة على كل خلق و أخلاق ودين و عادات وتقاليد....

و ما هي إلّا دقائق حتى وجد نفسه في مكتب التحقيق و وابل من الاتهامات و الأسئلة تتهاطل عليه و تحاصره من كل جانب إلى أن فقد توازنه وثقته في نفسه ولم يعد يعلم ما يقول و يصرح به، و شرد ذهنه و بات جسدا بلا روح و هو يتذكر قصة سيدنا يوسف عليه السلام و ما عاناه من ظلم و سجن و اتهامات لازمته فترة من الزمن إلى أن تلاشى الباطل و اضمحل كما قال الله تعالى (الاسراء 81): "وقل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا"....

فجأة أحس بإصبع عون يخزه و هو يأمره بأن يمضي على أقواله قبل أن يقتادوه إلى السجن في انتظار محاكمته على ما "اقترفه من ذنب"...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ملكة الياسمين بقلم فاطمة حرفوش

" ملكة الياسمين" دمشقُ يادرةَ الشرقِ وعطرَ الزمانِ  ياإسطورةَ الحبِ ورمزَ العنفوانِ لا عتباً عليك حبيبتي إن غدرَ بك الطغاةُ وأوصدو...