بقلم: ماهر اللطيف
أخبرنا صديق ذات يوم وكنا نخوض في مواضيع مختلفة تهم الشأن العام بالبلاد تارة والشأن الخاص طورا في مجلس معين، وكان جمع من الزملاء يشاركوننا الحوار وتبادل الآراء والتصورات، فقال وقد انصت الجميع بانتباه شديد:
"تعرفت على ثري من أثرياء الوطن مصادفة وتوطدت علاقتنا بمرور الأيام إلى أن صرنا لا نفترق تقريبا إلا حين يحين موعد النوم بعد أن ينال منا التعب والوهن.
فكنت أقضي اليوم كاملا برفقته حتى وهو يتفقد شركاته وأعماله وعقاراته وغيرها، وعند السفر والتحول من مكان لآخر…
وكان يغرقني بعطاياه وهداياه وأمواله وعينني مستشاره الخاص بعد أن فقدت عملي الأصلي من جرّاءِ هذه الصداقة التي أبعدتني عن عالمي المعتاد ومن فيه وأعمت بصيرتي إلى أن بات هذا الصديق عالمي ومصدر وجودي واستمراري في الحياة بعد الله طبعا - رغم تقاعسي أحيانا عن أداء واجباتي الدينية في وقتها كما كنت منذ نعومة أطافري أو تركها ونسيانها أحيانا أخرى -...
وبعد مدة، بينما كنا في جلسة خاصة ليلا في حانة من حانات الغرب وقد اتممنا صفقة تجارية هناك وأخذ النبيذ مأخذه فينا، سألني ضاحكا:
- أعلم أنك غير متزوج ولا ترغب في ذلك إلى حد الآن حسب ما أعلمتني مرارا وتكرارا، لكن ألم تحب؟ لم تعقد علاقات غرامية او جنسية مع الجنس الآخر؟
- (مقاطعا وقد شعرت بالنخوة والافتخار بنفسي وبتاريخي المجيد في هذا المجال - ومعظمه من وحي الخيال طبعا إذ لم أكن احظي بالترحاب والقبول لدى الجنس الآخر لعدة أسباب لعل اهمها قلة تجربتي وعدم تمكني من فن التواصل والتعامل مع الآخر وغيرها-) أحببت عشرات المرات سيدي، بل اني خطبت بعضهن وكنت على أبواب الزواج قبل أن استعيد توازني واستفيق من غفوتي واصلح نفسي بهجرهن. كما إني خالطت العديد من النساء وعاشرتهن من مختلف الأعمار والوضعيات الاجتماعية
- (مقاطعا وقد أعجبه حديثي) هل لك صديقة في هذا الوقت؟
- (مختلقا قصة خيالية) بطبيعة الحال، هي جميلة من جميلات المجتمع على جميع الأصعدة :جمال وأناقة وجسد وجاه وحرفية في الفراش...
- (مقاطعا بشدة) آت بها لأتعرف عليها حال عودتنا إلى الوطن واحتفالنا بنجاح هذه الصفقة التي أنجزناها هنا...
وفعلا، أصر على طلبه ما إن قفلنا إلى ديارنا، فجهز سهرة خاصة للغرض وطلب مني إحضار صاحبتي - ولم تكن لي صاحبة عندها، لكني تذكرت أني تعرفت على آنسة منذ مدة قريبة وتقاسمنا تناول وجبة عشاء تولت خلاص معاليمها وتكاليفها، وقد تبادلنا أرقام الهاتف على أمل اللقاء مجددا متى قدر الله ذلك، فهاتفتها وطلبت منها مرافقتي في هذه السهرة الخاصة، ولم تمانع في ذلك، بل رحبت بالفكرة واستحسنتها وسطرت برنامجا آخر يلي هذه الجلسة الموسعة في مرحلة أولى -.
وما إن جلست وصديقي في المكان والموعد المحددين وشرعنا في مقارعة معتق النبيذ حتى رن جرس هاتفي وأعلمتني "صاحبتي" بمقدمها الذي انتظرناه منذ بداية الجلسة، فهرعت مسرعا إلى الخارج لاصطحابها بكل ثقة في النفس وافتخار وحلم في قضاء ليلة لا تنسى معها - حسبما أخبرتني قبلا-، فقبلتها من خديها بحرقة، ومسكتها من يدها بقوة تخفي شهوة ورغبة في النيل منها ومن جسدها الممتلئ الممشوق لاحقا، ثم تقدمنا نحو طاولتنا حيث يجلس نديمي ومرافقي ورئيسي في العمل، واعين الحضور ترمقنا وتحسدني على ما أنا عليه الان من رفقة حسنة تروى الأعين والأنفس العطشى للجمال والقوام الرشيق وهدا الدلال والأناقة وطيب العطر والحضور....
وما إن اقتربنا حتى أحسست بها تتسمر في مكانها إلى درجة التجمد فجأة، وتجذب يدها من يدي بسرعة وهي تصيح وتتصبب عرقا "أبي؟ ماذا تفعل هنا؟"، ورأيت مشغلي مصفر الوجه، كاظما لاسنانه وفاركا يديه وقد احمر وجهه قبل أن يمسك قدحه ويضغط عليه إلى أن كسره بما فيه في كفه حتى اختلط النبيذ بالدم وهو يقول" ابنتي؟ ابنتي في هذا المكان ومع هذا الرجل؟ أنت من شوقني لمعرفتك بعدما قصه في شانك من مغامرات ومواقف وحرفية في الانحراف والرذيلة و..."
ومازال كذلك يهذي ويحكي وقد نالت منه الصدمة حتى أطلقت رجلي للريح وغبت عن الأنظار في لمح البصر وقلبي يخفق خفقانا مجنونا لم اعتد عليه قبلا وكان جسدي يرتعد و غبت عن الواقع ولم أع ما يدور حولي غير الجري والهروب...
وبقيت اشهرا واشهرا أتفادى ملاقاة هذا الشخص والرد على مكالماته الهاتفية عشرات المرات يوميا كلما وجدته المتصل خوفا وريبة وربما ندما على ما حصل...
لكنه هاتفني ذات مرة من رقم جديد لم اعرفه فرفعت السماعة ليقول لي بلهفة" أرجوك لا تقطع المكالمة وانصت لي، أريد أن أشكرك على الدرس الذي أهديتنيه تلك الليلة والله، لا احمل غلا ولا ضغينة تجاهك صدقا بما أنك لقنتني ما لم تلقنني إياه المدارس والحياة والناس من مختلف مشاربها، فقد علمتني أن الدنيا ليست فقط أموالا وعقارات وصفقات وغيرها بل هي أيضا اعتناء بالعائلة واهتمام وقيام بالواجبات تجاه كل الأفراد وتوجيه وتذليل للصعوبات والمشاكل ومد الجميع بالحب والحنان والمشاعر والأحاسيس التي يحتاجون إليها وغيرها، علمتني أن النجاح الحقيقي هو الموازنة بين الحالتين بعد التمسك بالله والتوكل عليه والحرص على إرضائه من خلال إرضاء كل التعاملين معي في كل وقت ومكان وفق الدين والقانون والمتعارف عليه..."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق