السبت، 8 أبريل 2023

سلسلة تأملات في كرم الخالق بقلم د.عبدالواحد الجاسم

سلسلة تأملات في كرم الخالق 

د.عبدالواحد الجاسم

سلسلة تأملات في كرم الخالق (1)

إلهي..
 يا منعم علينا بكل النعم
 ورازق عبادك كل خير..

يا من خاطبت عقولنا وأرواحنا بكلماتك المقدسة، تسألها قائلا: { آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59]؟

أجل.. يا ربنا، فأنت الخير الأعظم
وأنت صاحب كل فضل ونعمة..

 ولولا نعمتك لم نعرف الابتسامة
 ولم نمتلئ بمشاعر الفرح
ولم تغمرنا لحظات السعادة
 ولم نعرف في حياتنا إلا الشقاء.

لولا فضلك لضاقت بنا الأكوان وضاقت بنا الحياة..
 وكيف لا تضيق ولا أمل إلا معك، ولا سعادة إلا برضاك

فذلك الحنان الذي قابلناه أول ما خرجنا إلى هذه الدنيا لم يكن إلا منك..
 فلولا تلك الرحمة التي أودعتها قلوب آبائنا وأمهاتنا، لما أجهدوا أنفسهم في تحمل عنت الحياة من أجلنا..

هكذا كل ما رأيناه من مشاعر الود واللطف والحنان..

 كلها منك، وبفضلك ، فقد كنت الودود، اللطيف الذي سخر كل الوسائل لإسعادنا، وأنت الحنّان الذي يملأ قلوبنا بالفرح والأمل والسعادة

**

سلسلة تأملات في كرم الخالق (2)

ربي 

 ما حصل لنا من الآلام
 فهي درس لنشعر بفضلك العظيم
 وهي محدودة بزمن محدود، سرعان ما يزول، لتحل بعده نعمك الخالصة التي لا تعد، والصافية التي لا تُكدر.

أنا أعلم يا رب أنك ما خلطت هذه النعم بتلك الكدرات إلا لتنبهنا وتربينا وتهذب أخلاقنا..

 تعلم ان بعضهم يغتر بصحته
 ويفخر على من حوله بكونه لم يمرض في حياته أبدا
 وبدل أن يشكرك، ويتواضع لعظمتك، يستعلي عليك، وعلى خلق الله، ويذيقهم بأس عضلاته المفتولة، وعقله الفارغ.

وهكذا رأيت من الأغنياء ممن عاش في أحضان الثروة، يسخر من الفقراء، ويستكبر عليهم، بل يدعو إلى إبادتهم لكونهم لا يختلفون عن البعوض والذباب.

ولو أنه ابتلي بما ابتلوا به.. وذاق من ضنك الحياة وضيقها بعض ما ذاقوه لخفف من كبريائه، ولعاد إليه وعيه..
 لكنك يا رب تبتلي من تشاء بما تشاء.

***
سلسلة تأملات في كرم الخالق (3)

 من رحمتك وحكمتك أن تضع في الحياة كل الألوان حتى تتميز جميع الصور، ويتميز معها الخبيث من الطيب..

لقد ذكر ذلك في الايات المقدسة، فقلت: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} (الزخرف:33)

وذكرت أيضا ذلك الصلف والكبرياء التي تعتري أولئك الجاحدين الذين غمرتهم ببعض فضلك، وبدل أن يشكروك، ويطلبوا المزيد، راحوا ينشغلون بما أعطيتهم، ويتصورون أنه حقهم، ولا يعلمون أنهم مستدرجون، وأنك لم تعطهم إلا لتختبر مواقفهم..

لقد قلت في اياتك المقدسة : {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ} (المؤمنون:55 ـ 56)
وقلت: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}(آل عمران:178)
وهكذا أعلمتنا بأن رضاك ليس في تنزل النعم، وسخطك ليس في تنزل البلاء، وإنما علامة رضاك هي ذلك الرضا الذي نبديه لك، سواء أنعمت علينا، أو ابتليتنا.. لأنك لم تفعل ذلك بنا إلا لتربينا، وتعلمنا، فالدنيا دار تربية واختبار، وليست دار جزاء واستقرار.

لقد قلت تذكر ذلك، وتفنده: { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } [الفجر: 15، 16]
وذكرت أن غايتك من كل ما يوجد في الدنيا من أنواع البلاء هو تمييز الصالحين الصادقين من المنافقين الكاذبين..

 لقد قلت تذكر ذلك: { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (آل عمران )179

****
سلسلة تأملات في كرم الخالق (4)

لقد لاحظت بعض الناس.. 
  بعد أن أظهرت لهم بعض إحساني تقربوا مني، وأظهروا مودتي، لكني بمجرد أن أصابني من بلاء ما منعني من الإحسان إليهم، نفروا مني..
 ولم يبق إلا الصادقون المخلصون، الذين لم يكتفوا بالزهد فيما عندي، وإنما راحوا يطلبون مني أن أتقبل إحسانهم وفضلهم.

لقد عرفت من ذلك سر البلاء.. وأنه لولاه لعشت حياتي كلها مخدوعا بأولئك المنافقين الذين لم تكن مودتهم لشخصي، وإنما لذلك الكرم الذي كنت أبديه لهم.

لقد تعلمت من ذلك يا رب سر البلاء.. وحمدتك عليه، لأنك به نبهتني، ولولاه لم أكن لأكتشف الحقيقة، وأميز بين الصحيح والمزيف.

إلهي.. 
لقد رأيت بعض المستكبرين الجاحدين يرتدي نظارة سوداء قاتمة، ثم يطل من خرم إبرة على بعض مظاهر الشقاء الموجودة في الدنيا.

فلو أنه اكتفى بالثقة بالخالق العظيم الذي أبدع هذا الكون بمنتهى الدقة والحكمة واللطف، لعرف أنه يستحيل عليه أن يفعل شيئا من دون أن تكون خلفه حكمة.. وعرف أن الجهل بالحكمة لا يعني عدم وجودها.
هو يفعل ذلك مع من يعظمهم من العلماء والفلاسفة والمفكرين.. فيكتفي فقط بعرض أفكارهم ونظرياتهم، ويعتبر مجرد نسبتها إليهم كافية في إثباتها..

وهكذا لو أنه اكتفى بذلك منك، وراح يثق فيك، كما يثق فيهم لوجد عشرات الحلول التي تحل له هذه التي سماها معضلة.

*****
سلسلة تأملات في كرم الخالق (5)

 النظر في الآثار العظيمة التي يحدثها البلاء في النفوس والمجتمعات، فلولاه لم يكن هناك شيء اسمه صبر، ولا رحمة، ولا حزن، ولا ألم.. وكلها وإن كانت قاسية إلا أن لها آثارها في التهذيب والتربية والإصلاح.

لو عرف ما أنزلته في اياتك المقدسة على جميع أنبيائك 
 أن هذه الدار، ليست دار قرار، وإنما هي دار اختبار، ولفترة محدودة، وأن ضيافتك الحقيقية معدة هناك، ولكنها معدة للطيبين فقط، أولئك الذين ينجحون في الاختبار.. لعرف أن الشر الذي يراه ليس سوى امتحان مثل تلك الامتحانات التي نجريها في الدنيا

فهل رأى العالم أجمع أحدا يرقى لأي منصب، أو ينال أي شهادة، أو يطمع في أي مكسب من دون أن يبذل أي جهد، أو يعاني أي عناء، أو يضحي أي تضحية

فإن كان هذا في مكاسب الدنيا التي تفنى، فكيف في مكاسب الآخرة التي لا تنتهي أبدا

لقد ذكرت لنبيك هذا بعد كل ذلك البلاء الذي عاناه: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 4، 5]
وذكرت له آثار ما نزل به في حياته من آلام، فقلت: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} [الضحى:6-11]
وهكذا كان يمكن لذلك الجاحد أن يجد عشرات الحلول لتلك التي سماها معضلة، ويتأدب معك، ومع خلق الله الذي غواهم..

ولكنه يا رب لم يفعل.. لا لأنك لم تهده، أو لم تدله على الصراط المستقيم.. وإنما لأنه لم يرد أن يسمع لك، ولا أن يسلك طريقك المستقيم.
لقد امتلأ بحب نفسه وأهوائه، وقد رأى أنك عقبة تحول بينه وبين تلك الأهواء الآثمة، فلذلك لم يجد حلا للفرار منك سوى الجحود، واستعمال البلاء وسيلة لذلك.

وهكذا لو تأمل هؤلاء في أي شيء.. فسيجدون رحمتك محيطة بكل شيء.. حتى في ذلك البلاء الذي يتألمون.
لو أنهم فعلوا ذلك لحولت ـ بفضلك وكرمك ـ النار عليهم بردا وسلاما.. ولما شعروا بالآلام النازلة بهم.
وكيف يشعر بالآلام من يعلم أنه سيعود إليك، ويسكن دار الاخره

******
تأملات في كرم الخالق (6)

كيف يشعر بالآلام من يعلم أن الدنيا كلها ساعات محدودة أمام حبل الزمن الممتد إلى ما لا نهاية: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغ} (الاحقاف:35)، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} (النازعات:46)؟ 
وكيف يشعر بالألم من يعلم أن كل ثانية تمر في البلاء، يتضاعف فيها رصيد الفضل الإلهي الدائم الممتد
 وقد قال الحبيب المصطفى يخبرنا عن ذلك: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك من نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك من شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط)
وقال: (يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض)
يا رب.. فأسألك أن تملأ حياتي بالنظر إليك، والاكتفاء بك..

 فأنت الخير الأعظم الذي لا تحل الطمأنينة إلا لمن لجأ إليه، وسكن في حضرته، وسجد قلبه لعظمته.
اجعل يا رب قلبي ساجدا لك سجودا أبديا.. فلا نعمة إلا في السجود لك.. ولا فضل إلا في القرب منك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

‏بنك القلوب بقلم ليلا حيدر

‏بنك القلوب بقلمي ليلا حيدر  ‏رحت بنك القلوب اشتري قلب ‏بدل قلبي المصاب  ‏من الصدمات ولما وصلت على المستشفى  ‏رحت الاستعلامات ‏عطوني ورقة أم...