الأحد، 2 أبريل 2023

الشاهد ديانا بقلم ناجح أحمد

الشاهد ديانا
سلسلة قصار القصص
 شاهد ديانا (1)
كانت ديانا فتاة في مقتبل العمر تعمل حقوقية ، عاشت موكب الأمل بكل عنفوان الشباب المقبل على الحياة ، وعندما ذهبت تطوعا لتصنع معروفا كي تنقذ طفل الجيران ، وتمنع حجزه في غياهب النسيان ، وقد خيم الرعب والخوف ينهر الجميع ، دخلت شاهدة عنوانها: "متطوعة" ، ومعها دفترها تدافع عن الصبي المظلوم ؛ لتخرجه من السجن الافتراضي ، وبدلا من إحقاق الحق دارت الدائرة عليها ؛ لتصبح متهمة تحجز في غرفة نوم مشرد ، ولم تخرج إلا بعد فوات أسبوعين محمولة على كتفي أمها الباكية ، بحسرتها المخفية تحت جفنيها ، دامعة العين ينتابها كتمان على وجهها المظلم ، وديانا محمولة لا تنطق بكلمة ، فلا تبدي إلا إيماءات تفهمها أمها بتصريح واحد : بسرعة ، أعيديني للبيت.
استفاقة ديانا (2)
ليس فضولي بل قلقي المتجدد أسال نفسي كل يوم عنها أرسلت رسالتي : كيف حالك ، أين أنت؟ ، وبعد فترة كتبت كلمات بحروف أعجمية ما أنزل الله بها من سلطان ؛ لم أفهمها ؛ كأنها شفرات ورموز مبهمة بالنسبة لي ، أرشدتني فطنتي ؛ فقلبت الحروف ، وقرأتها بأصوات لغتي ؛ ففهمت من فحواها أنها فاقت من غيبوبة هيستيرية بسبب فاجعة شابت لها الولدان ، وترجوني الكتابة بلغة غير مفهومة ، تقول : "مراقبة" ؛ فأدركت علي الفور ، وبدأت أكتب أصواتا بحروف غير مألوفة لدي ؛ خوفا مني عليها من الوقوع بمصيدة التآمر ، ثم كتبت : "سأهرب" ، ثم أغلقت.
هروب ديانا (3)
حانت لحظة الانتهاء من مكان الإقامة ، وتبدلت العزيمة المصحوبة بالخوف الشديد ، وعزمت الهرب من قطاع الطرق ، وتحزمت بوشاح الترقب كي لا ينتشر الخبر الذي لا يعرف كنهه إلا أقرب المقربين ، ويكشف المستتر لكنها هربت مسرعة في قطار الخذلان الذي وسمها بالخزي وصفعها الحانق صفعة لن تنسى حتى لو ذهبت إلى آخر الكون ، كانت خطواتها متعسرة كعجوز وهي في الخامسة والعشرين ، وأمها طافت حولها ترتجف وغيوم الأرض ملأتهما ، تنتفض وترتعش ، أسرعت تجري خوفا فكأنها تهرب من ضرغام شرس، وصلت بعد عناء ، وأمها المحزونة تهديء من روعها ، وأخذت ابنتها الوحيدة البكر إلى أن وصلا إلى نهاية الطريق ، ففوجئتا بحدود وأسلاك شائكة تحول بينهما إما قفزة هلاكهما أو إنقاذ حياتهما للأبد ، خلت ديانا بنفسها لحظة تهمهم بكلمات وتردد تراتيلا وأدعية ؛ لحظتها شاهدت شعاع شهاب ساقط من السماء المظلمة كشف بالقريب عن فتحة للهروب ، أوعزت للأم بأن هناك مخرجا ، وبعد عناء تخطياه ، وسارا بعيدا في عمق بلاد الجوار ، فالتقتتا الأنفاس الهاربة التي تقطعت داخلهما مع أصوات خفقان قلبيهما من جراء الجريان وسط دائرة الرعب والهلع للهروب من مجهول إلى مجهول ؛ حيث دار خالتها هناك.
لجوء ديانا (4)
مرت على ديانا – حيث تقيم- عدة أعوام فتبدلت أسماء ، وتغيرت أحوال ، والعيش أصبح أصعب مما كان ؛ حين ضاقت ذرعا من مطاردات أياد أشباح تعبث من نفس المكان القديم كالكابوس ليس في نومها فقط بل حتى في عملها ، وفي فضاء تنفيسها الوحيد تتوالى تهديدات ، و وعيد بالقطع والتهكير ، لا تحكي مع أحد ، والمؤلم أكثر أنها تمر بضائقة مالية ، وضيق الحال لأسعار تفاقمت في الطعام تزداد كل يوم ولا تكفيها أموال مهما طالت أو كدت ، فسهرت وشاقها الشغل وجهد الأعمال فقررت الانتقال إلى بلاد الغير ؛ فباعت كل شئ ، حتى أمها لم تستطع إعالتها أو أخذها معها ؛ فتركتها عند خالتها ، بعدما دفعت كل ما لديها إلا اليسير من النقود ، كانت لإيجارات ، وعلاج لها ولأمها الطريدتين ؛ فوضعت بعد عناء نصب أعينها ، وملء حياتها دموع في تفكير ، هدفها في حلها الأخير للعيش كغيرها ، وصرخت أخيرا : "من يحمني يرد لي جميلا ، من يعيديني إلى طفولتي التي ضاعت وتاهت بترا ؛ فلن أقبل وإن مت ؛ لا يهم ، وإن ماتت أحلامي بحقي في هذا الكون ، ولأسهر لآخر العمر لن أخضع لن أستسلم لأطماع القهر" ، ثم ما لبثت أن سكتت برهة ، واختفت وكأنها راحت في قاع من غياهب الصمت.
ناجح أحمد - مصر

هناك تعليق واحد:

  1. أهدي التحية و السلام لكل الأطفال بالعالم وكل عام وأنتم بخير وكل الاحترام والامتنان والتقدير لكم أسرة تحرير مجلة ضفاف القلوب فبكم هلت الأنوار كبدر التمام على أحرفي الزاحفة للحاق بركب الإبداع فارتقت وترعرت وتألقت وأورقت روعة وجمالا وازدهارا برعاية وبحضورك اخي وصديقي الشاعر الأديب والإعلامي القدير سمير ياغي المحترم الأصيل النبيل وأ.
    صفاء فرقوط وأ. اسرار الصمت وأ. سمر بل وا. أسماء الطائي مشكورون على النشر والتوثيق.

    ردحذف

مشاركة مميزة

‏بنك القلوب بقلم ليلا حيدر

‏بنك القلوب بقلمي ليلا حيدر  ‏رحت بنك القلوب اشتري قلب ‏بدل قلبي المصاب  ‏من الصدمات ولما وصلت على المستشفى  ‏رحت الاستعلامات ‏عطوني ورقة أم...