الأحد، 30 أبريل 2023

حبيس البيئة بقلم علاء العتابي

حبيس البيئة 

لقد استمعت إلى تسعة وتسعين طلب مادي ، وآمل ختامها معنوي قبل رفع جلستنا هموم مواطن .

استميحك عذرًا سيدي الرئيس هذا طلبي الأخير والذي رقمته الواحد بعد التسعة والتسعين، ولكني قدمته كأول طلب ؛ لابد من أخذه من يدي جعله في الأخير !

لا عليك لعله مسك الختام ! 
أفصح عن طلبك شفهيا ؛ وقارك يسحب بريق مجلسي ، اتوق لسماع خطابك !

سيدي الرئيس :
طلبي شكيل البتة ، ضعيف الحيلة ، غريب الدار ، موحش الطلة ، أسير الأقدار ، حبيس البيئة و كثير الترحال !

وكأنك اختزلت التسعة والتسعين طلب في ديباجة مقدمتك !

ولدت وحب بيئتي تحيط بي من كل جانب هنا مهر حصان يبرح أمامي ، عش عصفور يزقزق فوق مهد نومي ، هواء عليل يلطف حر أجواء منطقتنا الريفية النائية!

أشتد عودي وخرجت مِن شرنقة احتضانه بيئتي الريفية واعدا واضع قدمي على سلمة مستقبل دراستي في إحدى إعداديات المحافظة ؛ ما أن شرفت لقاء يومي الأول ؛ حتى جوبهت بغمامة مبهمة ؛ مطرت علي سيل عذابي وشقائي ، سودت طلة أيامي !
طالب بدائي يطرق صفنا لا آهلًا ولا سهلًا! 
قروي ينزل من صهوة حمارة يمتطي مقعدنا الدراسي 
ازياء رجل الكهف تتنفس هواء المدن !
لم تنفع معهم تصفحات براءة وجهي ولا حفاوة خجل سلامي !
أتخذت من جانبهم السلبي ملاذا أمنًا ، جلست وحيدًا على أخر رحلة دراسية مهترئة المقعد بآلية الجوانب ، حتى أصبحت شتائمهم تقوي عزيمتي ، رفعتني منزلة نيل شرف دخول رواق أعرق جامعة في عاصمة البلد !
أنتقلت مع أهلي إلى مركز عاصمة البلاد 
سحبت اضواء المدينة وعماراتها العالية سلبية مرحلتي السابقة ، ولكن لم اتهنى ببريق احرف لافتة موقف الباص الضوئي، حتى نال مني أحدهم في اذني وهو يقول لصاحبه : 
معقولة هذه الأقوام البدائية تدنس مناطقنا الحضارية!
لماذا يسرقون بهجة أيامنا ، يزاحمون مكانتنا المخملية ، كان عليهم خدمتنا من خلال دعم سلتنا الغذائية بما تنتجه الأراضي الزراعية !
جيران المنطقة لم يرحبوا بنا ؛ بل عرضوا بيوتهم للبيع تحسبًا من مد قادم يغير خارطة المنطقة !
حتى بقية الاحياء غيروا اسم حينا إلى حي التصحر القسري ؛ بينما بعضهم لا يجلس مع بقية ناسهم ممن يجاورنا ؛ وكأننا نقلنا لهم عدوة التخلف والجهل ! 

دخلت الجامعة وأنا اصد بيدي صور التباعد والتكبر والتعالي ورمزيات الكلمات المجترئه !
تكسرت آمالي وأنا أشاهد صورة هندامي تتكسر إمام مرآة فتيات أحلامي وهي تذهب أدراج رياح المناطقية والفئوية 
حلمي حلم أي شاب يقترن بمن تهوى نفسه !

كعادتي أنهض من رمادي بعد قذفي محروقات لفظية!
طرت عاليًا وخطفت بمخلبي مقعدي في قلب قارة الجمال 
النابض مدينة الصناعة العتيدة .

طويت ذاكرتي نسيان حقبة الفئوية بما جلدتني بي اسواط التكبر ! 
ولكن مرحلتي الجديدة اختلفت بحدتها ، فقد ساوت بمن تكبر علي من قبل في محلية بلدي كأسنان المشط ، تعاملنا 
جميعًا عَلى إننا شعوب خاملة ، مستهلكة نفايات منتجاتهم 
الصناعية ، لا نقتني حيواناتهم الاليفة ، نستعبد المرأة ، نطبق قوانينهم الجديدة بشكلٍ خاطيء .

لا أطيل عليك سيدي الرئيس ، نلت شرف شهادة الدكتوراة ورجعت أدرس في جامعة محافظتي آلتي انطلقت منها !
وهنا وقف شعر رأسي فقد نعتني زملائي المدرسين بأني متحرر أكثر من بلاد المتحررين وأني كسرت قوانين البيئة آلتي تحافظ طابع المحافظة الريفي الأصيل بارتدائي ألوان فاتحة ، وقيادتي سيارة فارهه ، واحتساء فنجان مِن القهوة !
فشجعوا الطلاب على القدوم إلى الدوام حفاة الأقدام تيمنًا بالارض وتقديس الزرع فلابد من أقدامنا تقدم الولاء لكل من نبت من رحم الأرض من زرع وأشجار وورد !
استبدلوا سياراتهم بوسائل تجرها البغال والحمير ، جعلوا طعامهم متقشف البنية نباتي فقط !

أوقفت عن مزاولة مهنة التدريس بعد رفع مديريات التربية والتعليم بتسعة وتسعين طلبًا ؛ تطالب بسحب يدي من تعليم إبناء بلدي !

قرار ديواني بتعيينك مستشار رئيس البلد ولك اليد المطلقة في إجابة بريدي الذي يحتوي على تسعة وتسعين طلب .

علاء العتابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

زركش القلم بقلم احمد عدنان الجياب

احمد عدنان الجياب  زركش القلم  متى سيضيء النهار اشراقته؟ متى سيبلل المطر اجسادنا ليكتب الورد حريته؟ هل التقت جروح الروح بالجسد لينثر الدم حك...