لقد استمعت إلى تسعة وتسعين طلب مادي ، وآمل ختامها معنوي قبل رفع جلستنا هموم مواطن .
استميحك عذرًا سيدي الرئيس هذا طلبي الأخير والذي رقمته الواحد بعد التسعة والتسعين، ولكني قدمته كأول طلب ؛ لابد من أخذه من يدي جعله في الأخير !
لا عليك لعله مسك الختام !
أفصح عن طلبك شفهيا ؛ وقارك يسحب بريق مجلسي ، اتوق لسماع خطابك !
سيدي الرئيس :
طلبي شكيل البتة ، ضعيف الحيلة ، غريب الدار ، موحش الطلة ، أسير الأقدار ، حبيس البيئة و كثير الترحال !
وكأنك اختزلت التسعة والتسعين طلب في ديباجة مقدمتك !
ولدت وحب بيئتي تحيط بي من كل جانب هنا مهر حصان يبرح أمامي ، عش عصفور يزقزق فوق مهد نومي ، هواء عليل يلطف حر أجواء منطقتنا الريفية النائية!
أشتد عودي وخرجت مِن شرنقة احتضانه بيئتي الريفية واعدا واضع قدمي على سلمة مستقبل دراستي في إحدى إعداديات المحافظة ؛ ما أن شرفت لقاء يومي الأول ؛ حتى جوبهت بغمامة مبهمة ؛ مطرت علي سيل عذابي وشقائي ، سودت طلة أيامي !
طالب بدائي يطرق صفنا لا آهلًا ولا سهلًا!
قروي ينزل من صهوة حمارة يمتطي مقعدنا الدراسي
ازياء رجل الكهف تتنفس هواء المدن !
لم تنفع معهم تصفحات براءة وجهي ولا حفاوة خجل سلامي !
أتخذت من جانبهم السلبي ملاذا أمنًا ، جلست وحيدًا على أخر رحلة دراسية مهترئة المقعد بآلية الجوانب ، حتى أصبحت شتائمهم تقوي عزيمتي ، رفعتني منزلة نيل شرف دخول رواق أعرق جامعة في عاصمة البلد !
أنتقلت مع أهلي إلى مركز عاصمة البلاد
سحبت اضواء المدينة وعماراتها العالية سلبية مرحلتي السابقة ، ولكن لم اتهنى ببريق احرف لافتة موقف الباص الضوئي، حتى نال مني أحدهم في اذني وهو يقول لصاحبه :
معقولة هذه الأقوام البدائية تدنس مناطقنا الحضارية!
لماذا يسرقون بهجة أيامنا ، يزاحمون مكانتنا المخملية ، كان عليهم خدمتنا من خلال دعم سلتنا الغذائية بما تنتجه الأراضي الزراعية !
جيران المنطقة لم يرحبوا بنا ؛ بل عرضوا بيوتهم للبيع تحسبًا من مد قادم يغير خارطة المنطقة !
حتى بقية الاحياء غيروا اسم حينا إلى حي التصحر القسري ؛ بينما بعضهم لا يجلس مع بقية ناسهم ممن يجاورنا ؛ وكأننا نقلنا لهم عدوة التخلف والجهل !
دخلت الجامعة وأنا اصد بيدي صور التباعد والتكبر والتعالي ورمزيات الكلمات المجترئه !
تكسرت آمالي وأنا أشاهد صورة هندامي تتكسر إمام مرآة فتيات أحلامي وهي تذهب أدراج رياح المناطقية والفئوية
حلمي حلم أي شاب يقترن بمن تهوى نفسه !
كعادتي أنهض من رمادي بعد قذفي محروقات لفظية!
طرت عاليًا وخطفت بمخلبي مقعدي في قلب قارة الجمال
النابض مدينة الصناعة العتيدة .
طويت ذاكرتي نسيان حقبة الفئوية بما جلدتني بي اسواط التكبر !
ولكن مرحلتي الجديدة اختلفت بحدتها ، فقد ساوت بمن تكبر علي من قبل في محلية بلدي كأسنان المشط ، تعاملنا
جميعًا عَلى إننا شعوب خاملة ، مستهلكة نفايات منتجاتهم
الصناعية ، لا نقتني حيواناتهم الاليفة ، نستعبد المرأة ، نطبق قوانينهم الجديدة بشكلٍ خاطيء .
لا أطيل عليك سيدي الرئيس ، نلت شرف شهادة الدكتوراة ورجعت أدرس في جامعة محافظتي آلتي انطلقت منها !
وهنا وقف شعر رأسي فقد نعتني زملائي المدرسين بأني متحرر أكثر من بلاد المتحررين وأني كسرت قوانين البيئة آلتي تحافظ طابع المحافظة الريفي الأصيل بارتدائي ألوان فاتحة ، وقيادتي سيارة فارهه ، واحتساء فنجان مِن القهوة !
فشجعوا الطلاب على القدوم إلى الدوام حفاة الأقدام تيمنًا بالارض وتقديس الزرع فلابد من أقدامنا تقدم الولاء لكل من نبت من رحم الأرض من زرع وأشجار وورد !
استبدلوا سياراتهم بوسائل تجرها البغال والحمير ، جعلوا طعامهم متقشف البنية نباتي فقط !
أوقفت عن مزاولة مهنة التدريس بعد رفع مديريات التربية والتعليم بتسعة وتسعين طلبًا ؛ تطالب بسحب يدي من تعليم إبناء بلدي !
قرار ديواني بتعيينك مستشار رئيس البلد ولك اليد المطلقة في إجابة بريدي الذي يحتوي على تسعة وتسعين طلب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق