عنوان الحلقة: سهام كيوبيد
الجزء السابع
قالت سحر: كانت دموعي تسيل على خدي، من فرحتي وأنا أنظر من نافذة الطائرة أشاهد أهلي الذين جاؤوا لتوديعي في رحلة إلى الصين...
أحسست برضا أهلي عليّ، وكم أعاني من ألم كلما تذكرت بأنني أغضبتهم كثيرا، لكن الحمد لله، اليوم شعرت بأنهم سامحوني، واستعدت رضاهم، هذا الرضى جعل قلبي يمتلأ بالغبطة. وبالفعل رضى الوالدين هو الجنة على الأرض.
بعد أن وصلت الطائرة إلى مسارها المرتفع، سمح الكابتن بفك الأحزمة، وبدأت المضيفات بعملهن.
كان دوري ذلك اليوم، عربة الضيافة... دفعت المركبة أمامي، وأخذت أوزع الوجبات الصباحية للركاب.
كنت أنتقل من صف مقاعد، إلى الذي يليه... وصلت إلى صف، كان هناك شابا وحيدا يقرأ في صحيفة
قلت:
تفضل سيدي، اختر وجبتك الصباحية
نظر إلى العربة بدون اكتراث، وقال من فضلك فنجان قهوة. عندما مد يده ليتناول طلبه، بهت وهو يحدق فيّ بدهشة واستغراب، لا أعرف سببا لذلك، لكن تجمد فنجان القهوة في يده، ثم قال كلمات متلعثمة: هذا هو الجمال الحقيقي الملائكي المتجسد...لم أر جمالا مثله أبدا... رجفت كأنني تكهربت، وتقاطعت نظراتنا، وتراسلت عيوننا، وأنا استسلمت لتك النظرات الساحرة التي غاصت في أعماقي وأبت أن تفارقني. رغم محاولتي سحب نظراتي، أخذ قلبي ينبض بشدة، لم أشعر مثلها يوما، وكنت مستسلمة لتجاذب عيوننا، وشعرت بضعفي أمام سحر عينيه، وتمنيت أن تدوم تلك اللحظات الرائعة طويلا...
تابعت التوزيع، وتساءلت ما الذي حصل لقلبي، أيكون هذا سهم كيوبيد، سهم الحب أصابني؟ وهل من المعقول أن تكون تلك النظرات القليلة، هي المفتاح الذي فتح قلبي المتجمد من سنوات؟
بعد أن انهيت توزيع الضيافات، جلست في مقعد فارغ، وشرد ذهني مخترقا نافذة الطائرة إلى السماء اللامتناهية...
ضحكت ضحكة خرقاء، وعاتبت ذاتي، أي حب مجنون هذا؟ مستحيل، أن يكون هذا حبا، هذا مجرد هلوسات أو خيالات من شابة، ربما لا زالت تعيش في سنوات المراهقة... وهل أنا بلهاء لهذه الدرجة... كيف أفكر بهذه السطحية الخرقاء...كانت مجرد نظرات لكنني تمنيت أن تكون سهم حب رماني، لقد أسقط الستائر المنسدلة على قلبي... أيكون هذا هو الحب الهوائي الذي يتكلمون عنه؟ لكنه سرعان ما يزول مجرد أن تلامس الطائرة المدرج، لكنني في قرارة نفسي تمنيت أن يكون هذا حبا حقيقيا لأنني أحسست إحساسا رائعا لم أشعر بمثله يوماً...
تمنيت أن يطلب مني هذا المسافر أي شيء مثل باقي المسافرين حتى أهرع إليه، وأصدق تلك النبضات التي حركت قلبي ولم أصدقها، أحاسيس أفرحتني، وشعورا رائعا لم أعرفه يوما...
كنت أتقصد السير بين المقاعد، حتى أسرق نظرات شوق إلى ذلك المسافر الغريب، كان هو يضع سماعتين في أذنتيه، ويبدو مستمتعا فيما يسمعه...
حان موعد الغذاء، عدت لأقدم وجبات الطعام إلى المسافرين، كل راكب كان يختار شيئا من أنواع الأطعمة المتوفرة، وكنت أنا أستعجل الوصول إلى ذاك الراكب، ولماذا ذاك الراكب بالذات؟ مسافر غريب حتى اسمه لا أعرفه؟
وصلت إليه، لم ينتبه هو لحضوري، وأنا التزمت الصمت، أردت أن أتأمله عن كثب، بكل حواسي وقلبي، شاب وسيم جدا، لباسه ينم عن ذوق رفيع، وفي يده ساعة فاخرة أعرفها غالية الثمن.
انتبه هو لوجودي، حينها تكلمت وقلت: تفضل أستاذ ما الذي تحب أن تتناوله؟
قال لا شيء. اشكرك
قلت: أيعقل هذا؟ منذ الصباح وأنت لم تتناول شيئا؟
ضحك وقال: ربما قطعة خبز تكفي...
قلت: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، تفضل سيدي، واطلب وجبتك.
قال: أنت اختاري لي كما تشائين...
شعرت، بسخونة في وجهي، ورجفان في قلبي، وقلت: من أنا حتى أختار له وجبة طعامه، أأنا حبيبته؟ خطيبته؟ زوجته؟ من أكون أنا؟ حتى أطعمه على مزاجي؟
تظاهرت بأنني قوية، وقلت تفضل أستاذ واختر ما تريد. أخذ قطعة خبز، وتشكرني.
انتهيت من توزيع الطعام، وكان فكري مع ذاك المسافر الذي لم يتناول شيئا منذ الصباح. وسألت ذاتي ولماذا أنا مهتمة بهذا الغريب دون غيره؟
من يكون هذا الذي لا أعرفه، سأسميه: (رغيف خبز)
حطت الطائرة في عاصمة الصين، وكنت أنا متمنية أن يطلب مني عنواني، رقم جوالي، أو ربما هو يعطيني رقم هاتفه، لكن لم يحصل شيئا من هذا القبيل.
وقفت أنا مع المضيفات نودع الركاب، لكنني شعرت بمرارة لم أشعر بمثلها يوماً، عندما مر من أمامنا مودعا. دون أن يشعر بوجودي. قلت هذه هي خسارة العمر، قد لا أصادفه مرة ثانية. اليوم لقيته، واليوم خسرته... يا للقدر، ضاع أستاذ خبز ببلاد العجائب. بلاد السبعة مليارات نسمة. نقطة في بحر.
جاءت الحافلة وانتقلنا إلى الفندق. وأنا واجمة حزينة، لفقدان ذاك الشعور الذي لم اشعر به يوما.
مؤلف الرواية: عبده داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق