من أدب الرحلات (2)
بقلمي / ناجح أحمد – صعيد مصر
المدينة الفاضلة
السلام -ذاك اليوم- كان آخر عهدي بداخل المسجد النبوي متجها نحو ساحته البيضاء وأمامنا قبته الخضراء، فإذا بجموع الناس من كل مكان بالعالم كأنهم يحتفون وينعمون ويحتفلون بتواجدهم على هذه الحال التي يعشقها الجميع، ويتمناها من لم يحضر النعيم المقيم بالدنيا في حضرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وإذا بوفد إعلامي مصري من خيرة المذيعين خيري رمضان، وتامر أمين بسيوني، وآخر معهما -وكلنا يلبس أثوابا بيضاء- فسلمت عليهم وهنأتهم وباركت لهم العمرة والزيارة، ودعوتهم -وأخي الأصغر رمضان الذي كان بعمرة وزارني- إلى القيام بواجب الضيافة معهم واستضافتهم (والنية في أفضل المطاعم وأفخمها تكريما لهما)؛ فعزمتهم على طعام أو شراب ؛ فشكرونا بذوق ورقي، وتركناهم مع الجمال الروحي والصفاء والحال الإيمانية التي تمثل حلم كل إنسان، ثم التقيت بأهل المدينة المنورة، صدق من أسماها طيبة ففيها أطيب مخلوق وأطيب بشر؛ الذين لم أجد مثلهم في البرية، منهم العالم والقاضي الذي يشع من وجهه نور العلم والإيمان، والذي طلب مني تزويجه الرابعة؛ لأنه يريد الكثرة التي سيتباهى بها رسول الله، فقد جمع بين ثلاث من مناطق عربية مختلفة، وكأنه -أيضا- يريد أن يكمل الوحدة العربية بمصرية من أقربائي ليرسل رسالة الوحدة والتوحيد والوفاق والوئام بين كل الأنام من أرض السلام ومدينة خير الأنام ، وأيقنت من بعد تعارفي عليه وأمثاله من أطفالهم ورجالهم ونسائهم أنهم على الإيمان التام، وتوكلهم على الرحمن لا مراء فيه ، وظنهم خيرا بمن لا يغفل ولا ينام ، وهم بحق يعرفونه سبحانه حق المعرفة ، وجدت فيهم مطابقة القول مع الفعل مع أنهم منطقة ليست بالغنية كما في المناطق البترولية إلا أنهم تحسبهم أغنياء من التعفف، ولا يخشون إملاقا، وتتطابق أفعالهم مع قوله تعالى: "و وجدك عائلا فأغنى "، و"واعلموا أن فيكم رسول الله" ، وما ترسخ بعقيدتهم حيث المقولة : "أما يكفيكم أن فيكم رسول الله؟!" ، والتي سجيتها وفهمتها عن قصة الفيء والوجد بنفوس الأنصار، كل هذا في عقيدتهم الراسخة وفي أطفالهم –خاصة- طبع وليس تطبعا ، وكأنهم ولدوا وطعامهم وشرابهم الإيمان يجري في عروقهم مع دمهم الطيب النقي الطاهر، وما قاله النبي عليه السلام: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها"، وما بالك! وهم أبناء المدينة مرضعة الإيمان والمنورة عقولهم وعلى السليقة السوية والصراط المستقيم دربتهم ودربهم وطبيعتهم ، ولا غرو حينما فاجأني أحدهم يقول لي: والله إنه لمن فعل الصحابة؛ لفعل قمت به ، وهم أيضا أحسبهم كذلك ، ولا نزكي على الله أحدا، فقد علموا أنه يكفيهم أن فيهم رسول الله الذي رضي بهم وأحبهم ودعا لهم ولأبنائهم ، وأن يكون لهم الصاع صاعين في البركة؛ كما دعا إبراهيم عليه السلام لأهل مكة، ولقد رضوا به قسمًا وحظًّا وأحبوه، وتوارثوا عنه الجود والعطاء بسخاء والكرم فيهم أصيل إلى يوم الدين.
وعندما مشيت لا تطاوعني قدمي أن أترك الجنة ، ولم أترك المسجد خلفي ولكنني سرت بظهري للخلف أنظر و وجهى للقبة الخضراء استحياء وإجلالا وإكراما واعتزازا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى اختفي الحرم عن عيني ولم يختفِ من روحي وقلبي وصرت خارج الحرم المدني وجدت أشهر مطعم بالمملكة في الوجبات مثل (دجاج البروست والبروستد) ، لها مذاقها الخاص فنكهته لا تضاهيها أخرى بالعالم لسر موجود فقط عند صاحبه الفلسطيني ، والشهير بمطعم "البيك" والذي معناه بالتركي "الباشا" ، وهو ذو العلامة التجارية، والمشهور بخلطة توابل سرية خاصة لا يعرفها غير أصحابه ، المرحوم شكور، والذي انتقلت إدارته لابنيه رامي أبوغزالة ، وإحسان أبوغزالة، وتكلفة وجبته زهيدة الثمن، وقد حصلت بعد طابور طويل من كل الجنسيات وجبة واحدة ما أكلت مثلها ولا استطبت بطعم غيرها ولا وجدت لمثيلتها من حلاوة في الطعم والذوق ، ثم رجعت بكل هذه المتعة والروعة والجمال إلى سكني ؛ كي أستريح، وأعاود استكمال رحلتي الفريدة بعد ذلك ... وللحديث تتمة والسلام.
ناجح أحمد - مصر
اللهم آمين يا رب العالمين اللهم يا حبيبي صل وسلم على حبيبي رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد الله على جوده وكرمه وفضله ، وطبتم وطابت جمعتكم بالخيرات والإبداعات، وشكرا لنشر وتوثيق متواضعتي في أدب الرحلات (2) (المدينة الفاضلة (؛ لكم من قلبي السلام رواد وأسرة مجلة ضفاف القلوب أميرات وأمراء الشعر والأدب أرق تحياتي وجل شكري وامتناني وعظيم احترامي وتقديري رئيس التحرير أ. سمير ياغي و أ. صفاء فرقوط ، وأسرار الصمت ، وباقة الياسمين أسرة التحرير الكرام.
ردحذف