الكستناء الذهبية
اسطورة
روى لنا كاهن ضيعتنا قصة حبات الكستناء المشوية قال: كنت أجرجر جسمي النحيل في الشارع، لم أكن قادراً أن أسحب مظلتي من يد الريح الهستيرية، لذلك اقفلتها وفضلت السير تحت المطر بدونها... خفت أن يحملها الريح وأطير أنا مع مظلتي ولا أعرف أين سترميني العاصفة...
كانت ليلة شديدة البرودة، الأمطار تهطل بغزارة، ممزوجة بحبيبات ثلجية، الهواء عاصف جداً، والوقت اقترب من منتصف الليل، والشوارع فارغة إلا من بعض المارة الذين يسرعون الخطى تحت مظلاتهم التي لا تقوى أن تحميهم من المطر المنهمر، الرياح تحاول بشدة اقتلاع المظلات من أيادي حامليها...
شممت رائحة نار في طريقي. شعرت بالدفء منبعثاً من عربة بائع واقف خلفها، كانت تبدو أكبر من البائع سناً في العمر، وكان هو ينادي على الكستناء المشوية...
ألقيت عليه التحية، ووقفت بجانبه التمس بعض الدفء
كنت اسرق النظر إلى تلك العربة المتواضعة وذاك الرجل العجوز...الذي ينادي حتى يبيع بضاعته الكستناء المشوية...
كان يضع في قلب تلك العربة منقل نار فوقه صفيحة... وضع عليها بعض حبات الكستناء يشويها استعدادا لبيعها... الحقيقة لم أرى أحدا توقف في ذلك الطقس حتى يشتري منه.
أنا لم أنطق بحرف واحد، قال لي البائع أهلاً ابونا. ما الذي جاء بك في هذا الجو العاصف؟
قلت طلبوني لزيارة رجل يحتضر حتى أصلي له. وواجبي يحثني على تلبية النداء...
أخذ بائع الكستناء ينادي بصوت مرتفع: طيبة الكستناء، لذيذة الكستناء...
تألمت لحال ذلك الرجل العجوز الذي اتعبته السنون وهو يقف في هذا البرد القارس من أجل لا شيء... وقلت هذا الرجل يشبه حالتنا في الدير الذي أسكنه أنا وزملائي...
بناء ديرنا أصبح هرماً كحال هذا الرجل، ونحن غير قادرين على إصلاحه لعدم توفر المال لدينا...تبرعات قليلة تأتينا لا تكفي حتى لشراء احتياجاتنا الأساسية...
وعندما يهطل المطر مثل هذه الليلة، ثقوب كثيرة في السقف تدلف على غرفنا، فنوزع السطول والطناجر في كل مكان نجمع فيها ماء المطر الذي يخترق سقوفنا...
مطران الأبرشية يقول صندوق الأبرشية فارغ... لا أستطيع المساعدة، اجمعوا تبرعات من الأهالي، وقوموا بإصلاح الكنيسة والدير، والجميع يعلم بأن أهل البلدة أشد فقرا من ديرنا...
تلك الفترة كان الوقت يقترب من عيد الميلاد، وهو موسم البرد والمطر والثلوج والرياح العاتية...
نحن رجال الدين كنا نحيي الصلوات، ودائما نطلب المعونة من الله حتى يرزقنا ونقوم بإصلاح كنيستنا ودار سكننا المهددان بالسقوط... كنا ننام ونحن خائفين من سقوط أسقف الغرف علينا وربما سقوط المبنى بالكامل...
قطع حبل تفكيري صوت بائع الكستناء، نكزني وقدم لي حبة كستناء شهية وقال تفضل يا أبونا هدية مني، تشكرته ونظرت إلى السماء وطلبت الرحمة لهذا الرجل الكهل...
أنا أحب الكستناء جداُ، ولكن لم يكن معي سوى بعض النقود التي أعطوني إياها عائلة ذاك الرجل الذي يحتضر، وقلت أفعل خيرا بها ربما حسنة صغيرة يعيدها الله علينا مضاعفة... وأفرغت ما معي من النقود على عربته...
قال الرجل هذا كثير يا أبونا... هذا كثير...
رفض الرجل بإصرار أن يأخذ المال، وأنا رفضت أن أعيده فما كان من البائع، إلا ان بادلني بإحسان مماثل...
وضع بعض حبات الكستناء في كيس، وقال لي هذه هدية لك ولزملائك في الدير...
الأسطورة تقول: لم يستطع أحد من رجال الدين أن يقضم حبة واحدة من حبات الكستناء، اربكتهم الدهشة والاستغراب... بعد ذلك اكتشفنا سبب قساوة حبات الكستناء كانت حبات معدنية بل هي ذهب حقيقي...
لم نصدق الأمر في البداية، وذهبنا إلى صائغ نعرفه، اشترى منا حبة كستناء ذهبية واحدة، بمبلغ كاف لترميم الكنيسة، وحبة ثانية رممنا فيها الدير مكان سكننا...ووزعنا مالا للفقراء والمحتاجين كانوا بأشد الحاجة له...
الغريب في الأمر، بأننا حاولنا جاهدين أن نعرف من كان ذاك بائع الكستناء...
لكننا عجزنا عن معرفته، والغريب لا أحد يعرفه ولم يراه أحد وما فتئنا نبحث عن ذاك الرجل حتى اليوم...
كتب القصة: عبده داود
نيسان 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق