بُعْدُ الحَبِيبِ ...( من ذكريات الشّباب).
بَـعُدَ الـحَبِيبُ وحُـبُّهُ لَمْ يَبْعُدِ
مُـتَـجَـلِّدًا، وصَبَابَتِي لَمْ تَـجْلَدِ
أَتُرَاهُ عَـمْدًا شَاءَ هَجْرًا؟ فَانْثَنَى
لِيُذِيقَنِي كَأْسَ الغَـرَامِ الأَرْبَدِ
أَتُـرَاهُ نُـور البُرْءِ مَا شَاهَدْتُـهُ
فِي عَيْنِهِ؟ أَمْ كَانَ بَرْقَ الأَحْقَدِ
أَتُرَاهُ ثَغْر العَطْفِ مَا شَاهَدْتُهُ؟
أَمْ كَـانَ ثَـغْـرَ النَّاقِـمِ الـمُـتَـهَدِّدِ
أَمِنَ الهَوَى تَبْكِي؟ يَقُولُ عَوَاذِلِي
ولَـقَدْ عَـهِـدْنَا أَنْ نَرَاكَ فَنَقْـتَدِي
ذَهَبَ الـهَـوَى مِنْ نَظْرَةِ أَلْقَيْتَـهَا
عَـرَضًـا، بِلُبِّكَ والنُّـهَى الـمُتَوَقِّدِ
وتَفَتَّـتَتْ مِنْكَ الـحُـشَاشَةُ زَفْرَةً
فَتَقُولُ:"آهٍ" دُونَ "أُوهِ" الأَكْبَدِ
وتَمُوتُ سِرًّا بِالهَوَى دُونَ الوَرَى
وحَبِيبُكَ النَّشْوَانُ حُرًّا يَغْتَدِي؟
تَـبًّـا لِـرَبَّاتِ الـحِــجَالِ وضَـرْبِـهِـنْ
بِالـلَّحْظِ، أَرْبَابَ العُقُولِ الـمُجَّدِ.
فَأَجَـبْـتُـهُـمْ، والـدَّمْـعُ بَلَّلَ وَجْنَتِي
مُتَـسَاقِـطًا كَـالـدُّرِّ أَوْ كَالعَسْجَدِ:
كَـيْفَ التَّصَبُّـرُ والـحَبِيبُ بِغَـفْلَةٍ
عَنِّي وكَتْمِي لِلْـهَـوَى مُتَوَعِّدِي؟
كَيْفَ التَّصَبُّرُ والجَوَى فِي دَاخِلِي
مُتَـمَكِّنُ الأَنْـفَاسِ والـفَمِ واليَدِ؟
كَـيْفَ الـتَّـعَـلُّلُ والتَّـصَبُّـرُ نَـافِــذٌ
لَا شَكَّ فِي اليَوْمِ القَرِيبِ أَوِ الغَدِ؟
وحُشَاشَتِي لَـمْ يَـبْقَ فِيـهَا، دَاخِلِي،
إِلَّا فُـتَـاتًـا، قَـلَّ أَنْ لَـمْ يُــفْـصَـدِ؟
لَوْ أَنَّ حِبِّي بَـاعَـنِي صَبْـرًا حِجًى
بِـطَـرَائِـفِ الأَحْـلَامِ ثُـمَّ الأَتْــلَـدِ
لَـقَـنِـعْتُ مِنْهُ بِنَـظْـرَةٍ فِي حَجَّـةِ
أَوْ هَـمْسَةٍ مِنْ طَيْفِهِ فِي المَرْقَدِ.
وتَقُـودُنِي رِجْلَايَ ، إِنِّي هَائِـمٌ
لِـمَكَانِـهِ، فَـمَكَانُهُ هُـوَ مَعْبَدِي
وتُـسَمَّـرُ العَيْـنَـانِ فِـيـهِ كَأَنَّـمَـا
نَسَجَ الإِلَهُ السِّحْـرَ فِيهِ بِاليَدِ.
مَنْ لِي بِـخِلٍّ أَشْتَكِيهِ صَبَابَتِي
فَيُجِيرَنِي؟ مَنْ لِي بِشَخْصٍ مُرْفِدِ؟
مَنْ لِي بِطَيْفٍ، فِي المَنَامِ، يَزُورُهُ؟
فَـيُـرِيـهِ حَالِي بَـعْدَ عِـزِّي الأَتْلَدِ.
حمدان حمّودة الوصيّف (تونس)
"خواطر" ديوان الجدّ والهزل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق