الاثنين، 26 يونيو 2023

عودة الدر إلى معدنه بقلم ماهر اللطيف

 عودة الدر إلى معدنه


بقلم :ماهر اللطيف


تذكرت صدفة ذلك اليوم الصيفي الحار الذي رأيت فيه ابنتي البكر تبكي بحرقة قبل أن تتجه نحو غرفتها وتعتكف فيها لوقت طويل دون أن تنبس بكلمة واحدة رغم عدم توفر التكييف هناك. فسألت أمها وأخواتها عن سبب هذا الحزن و لم احظ بجواب مقنع رغم محاولاتي المتعددة والمتنوعة، مما جعلني اقتحم غرفتها بعد أن استأذنت لأجدها غارقة في دموعها وهي منزوية في زاوية من الغرفةوتجلس القرفصاء وتمسك رأسها بيديها....


وبعد إلحاح واستجداء و أخذ و رد أعلمتني ابنتي أنها خسرت أحسن صديقة لها كانت تعتبرها مخلصة وقريبة منها،حافظة لأسرارها وناصحة إياها ومرشدتها...


فقد تدخلت بعض الصديقات - اللات كرهن هذا التقارب وهذه الصداقة الكبرى - بينهما ونجحن في تفرقتهما وإبعادهما عن بعضهما البعض بعد أن فتن بينهما وبثثن الإشاعات والنميمة وغيرها وساهمن في عراكهما وتبادلهما للسب والشتم وفضح بعض الأسرار وكشف المستور علنا أمامهن...


فمسحت دموع ابنتي وداعبت شعر رأسها بلين وحنان قبل أن أساعدها على القيام والجلوس على فراشها الشروع في التحادث معها إلى أن قلت لها بعد مدة :


- الصداقة بنيتي بحر غارق الأعماق لا يسبح فيه من لا  يمهر السباحة ويجيد تحدي الأمواج وتقلب الطقس


- (بعد تفكير) تعلم أبي إني سباحة ماهرة مثلك، بل إني أجيد الغطس والسباحة في كل المستويات والظروف المناخية


- (مقاطعا ومبتسما في وجهها) أعلم ذلك يا قرة العين وأنا متأكد من ذلك، لكنك وصديقتك لم تنتبها جيدا ولم تحتاطا لما اعترضكما في قاع هذا البحر الشاسع


- (حائرة ومسائلة) كيف ذلك؟


 - (مبتسما وواضعا يدي على كتفها برقة) الصداقة حقل كبير ممتد المساحة و الأطراف، تحرث أرضه جيدا قبل ملئه بالبذور المميزة بكل حرفية ودقة وعناية، ثم تسقى بعذب المياه باستمرار ويقع الاعتناء بالبذور وتتبع نموها ومدها بالأسمدة اللازمة و معالجتها بالأدوية الضرورية. ومنها، اقتلاع الأعشاب الطفيلية وكل الزوائد و الشوائب التي تظهر من حين لآخر كالأمراض والجراثيم والزواحف وغيرها حماية للمنتوج والأرض ومجهودات الفلاح وحتى عائلته التي ستستهلك خيرات هذا الحقل لاحقا....


ثم واصلت عرضي معها لأقنعها أنها وصديقتها لم يقيا مزروعاتهما وتركتاها مرتعا لكل من دب وهب حتى تغلغلوا في النباتات وافسدوا المنتج واهلكوا الزرع والصابة في نهاية المطاف.


وبعد أيام قليلة رجعت ابنتي من العمل مبتهجة ومسرورة واتجهت صوبي بسرعة وهي تقبلني من رأسي وجبيني وتهمس في أذني أكثر من مرة "عادت المياه إلى مجاريها أبي بعد أن تلافينا أخطأنا وحمينا محصولنا الزراعي إثر استنجادنا بالمبيدات والأدوية اللازمة واجتثاثنا لكل الأعشاب الطفيلية الأشواك وغيرها من عروقها..."


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الذاريات إذا شاء الإله بها بقلم عبدالله الخليدي

بقلم ✍🏻 عبدالله الخليدي الذاريات إذا شاء الإله بها خيرا سنا عينها شفافة الحور سحائب حاملات الغوث ساكبة ماء الحياة لكل الخلق بالقدر كل الدوا...