السبت، 9 سبتمبر 2023

أنا الكتابُ بقلم: فؤاد زاديكى

أنا الكتابُ
بقلم: فؤاد زاديكى

أنا الكتابُ, قَلِّبْ صَفَحَاتِي, تَصَفَّحَهَا, شارِكْهَا شُعُورَكَ و تفكيرَكَ و اهتِمامَكَ. حاوِلْ أنْ تتفاعلَ مع أحداثِها و مواقف شخصّياتِها, مع مشاعرِها و همومِها, مع عالمِ انفعالاتِها و جميعِ ما تسعَى لهُ مِن طموحاتٍ و أحلامٍ و آمالٍ, من تَطَلُّعاتٍ تستشفُّ منها معالمَ المستقبلِ أو ما انقضى من لحظاتِ ماضٍ و ذكرياتٍ و تقاطعاتِ حياةٍ فرضتْ نفسَها في أوقاتِها و أزمِنَتِها.
إنّني عالَمٌ قائمٌ بذاتِهِ, مُستَقِلٌّ عن غيرِهِ بكلِّ ما ظهرَ منهُ و ما جاءَ عليهِ مِنْ رُؤًى و تأمّلاتٍ و مِنْ خواطِرَ و شواهدَ مِنْ وقائع عليكَ أن تتفرَّسَ فيها جيّدًا, بكلِّ إمعانٍ و اهتمامٍ كي تتمكّنَ مِنَ التغلغلِ و التَّوَغّلِ إلى أعماقِ أحداثِه, لتأخُذَ عبرةً, أو تَسْتَشِفَّ حكمةً تتّعِظُ بها في مسيرةِ حياتِكَ, لكنْ شَرِيطةَ أنْ تكُونَ مُحايدًا عندما تَخوضُ غمارَ ملحمتِهِ, بحيثُ تضعَ الكتابَ برمّتهِ, و بخلاصةِ ما جاءَ بهِ تحتَ مجهرِ الدّرس و التّمحيصِ و النّقدِ مُتَرَفِّعًا عن أنانيّةٍ ذاتيّةٍ و مبتَعِدًا عن مُؤثِّرات خارجيّة, قد تُعَكّرُ صفوَ هدوئِكَ, و تنزعُ عليك لحظةَ اهتمامِك, و أعني ألّا تضعَ لنفسِكَ و فكرِكَ معاييرَ مُسْبقةً, بل تَتركُ تفاعُلكَ هذا موضوعِيًّا مع الحدث و المشهدِ و الموقفِ, و كلُّ هذهِ و تلكَ هيَ التي سوفَ تدفَعُكَ لِلحُكمِ عليهِ, بحياديّة تامّةٍ و موضوعِيَّةٍ مُنَزَّهةٍ عَنِ الشُّبُهاتِ, لتكونَ رُؤيتُكَ سليمةً و تَقِييمُكَ أمِينًا و موضوعِيًّا بقدرِ المُمكِنِ.
إنّ الكتابَ ليسَ كلماتٍ أو صَفَحَاتٍ, و هو ليسَ مُقَدِّمةً و سردًا ينتهِي إلى خاتِمةٍ, كما أنّهُ ليسَ مُجَلَّدًا أو دفّتَا كتابٍ, و إنّما هُوَ حياةٌ فاعِلَةٌ, قائِمَةٌ بروحِها و بعمقِ ما فيها من أفكارٍ و رؤًى, و هي تتحرّكُ ضمنَ إطارِ شخصيّاتٍ لها حياتُها, بكلّ ما فيها من أحاسيسٍ و انفعالاتٍ, لها رؤيةٌ و أحكامٌ, فاقرأِ الكتابَ, كلَّ كتابٍ بِحِرَفِيّةِ القارئِ الماهرِ, و بخبرةِ المُتابِعِ الرّاغبِ بالعلمِ و المعرفةِ, و بِاكتسابِ الخبرةِ الحياتيّةِ من مصادرَ مختلفةٍ. إنّ المُتابِعَ الواعي يستطيعُ أن يستخلصَ ما يلزم من العِبْرَةِ و الخِبْرَةِ, لأنّهُ يرَى وراءَ كلِّ كلمةٍ و جملةٍ شاهِدًا, تدعمُهُ مهارةُ الشّخصيّاتِ تَطبيقًا عَمَلِيًّا, بل و إلى ما بين الكلماتِ و السُّطُورِ, حيثُ هناكَ فراغاتُ يَملؤُهَا القارِئُ بِانطباعاتِهِ الخاصّةِ, التي يكون خرجَ منها مِنْ معركَتِهِ معَ هذا الكتابِ أو ذاكَ.
أجلْ هو سيخرجُ في نهايةِ المَطافِ برأيٍ أو بِمَفهُومٍ أو بِانطباعٍ مُعَيَّنٍ لدى وصولِهِ إلى الخاتِمةِ بِخَتْمِها من خلال تحليلاتٍ و دراسةٍ و مقارنةٍ, هيَ التي تخلقُ لدى القارئِ ما سيكون من أمرِهِ في نهايةِ المَطَافِ. قد يُريدُ الكاتِبُ خاتمةً مُعَيَّنةً, وقد لا يُحَدِّدُ هذه الخاتِمَةَ أو تلكَ, لكي يَتركَ للمتابعِ اللبيبِ أنْ يرسمَ هو بنفِسِهِ الصّورةَ, التي تَطبَعُها مُخَيِّلتُهُ و تَخَيُّلُهُ لمجرياتِ هذا الكتابِ أو ذاكَ أو لأحداثِهِ, فَهُوَ هنا صاحبَ القرارِ, لا أحدَ سِواهُ.
للكتابِ و الكُتُبِ عُمُومًا, أهمّيّةٌ كبيرةٌ و قُصوَى في حياةِ النّاسِ, فقد تؤثّرُ على سلوكيّاتِهم و أفعالِهم و ربّما أفكارِهم كذلك, إنّهُ مدرسةٌ حياتيّةٌ لا مقاعدَ دراسيّة في صفوفِها, بل أفكارٌ قد تُحَفِّزُكَ على ممارسةِ أنشطةٍ مُعَيَّنَةٍ, تتفاعلُ معها تلقائيًّا, أي مع أحداثِها و أفكارِها و شخصّياتِها, كي تكتبَ أنتَ الخاتمةَ كما تفهمُها أو تَتَخَيَّلُ لها أن تكونَ. لا يجبُ نُسيانُ أو تَناسِي أنّ الكتابَ مجموعةُ معارفٍ و علُومٌ و خبراتٌ تتنوّعُ أشكالُها و تتعدّدُ مَرَامِيهَا, قد تختَلِفُ في ما بينَها و تتنافرُ, أو تتناغمُ و تنسجمُ, لكنْ بكلِّ تأكيدٍ, و مِمّا لا يَدَعُ ايَّ مجالٍ لِلشَّكِّ, فإنّها عالَمٌ كبيرٌ أو صغيرٌ في حَدِّ ذاتِه, لهُ خُصُوصِيّاتهُ التي تدورُ أفكارُ و أحداثُ الكتابِ حولَها. يَأسِرُكَ فتنجذِبُ إليهِ, أو يَنفُرُكَ مِنهُ فتَمَلُّ مِنْ مُتَابَعتِهِ, و عندما يكونُ الكتابُ, أيُّ كتابٍ مُفيدًا, فَهُوَ يَغمُرُكَ بمشاعرِه, و يُغنِيكَ بأفكارِهِ, فلا تتركِ الفرصةَ تَفُوتُكَ لأنْ تَقتَني الكتابَ أو أنْ تحصلَ عليهِ بأيَّةِ طريقةٍ, و اليوم في عالم غوغل و الانترنت باتَ مَنَ السّهلِ الحصولُ على أيِّ كتابٍ يَرْغَبُ المرءُ بِمُطالعتِهِ, وبهذا فإنّك لنْ تَخْسِرَ شيئًا, إنْ لم تَكُنْ رَبِحْتَ الكثيرَ, الكثيرَ. لقد صدقَ مَنْ قالَ: و خيرُ جَليسٍ في الأنامِ كِتابُ. وفي هذا أقول:
إقْرأْ, فإنّهُ نافِعٌ أنْ تَقرَأَ ... حتَى مِنَ الآفاتِ فكرُكَ يَبْرَأَ
كُنْ صاحِبًا, أو كُنْ جَلِيسًا واعِيًا ... نَحْوَ الكتابِ, تَظَلُّ روحُكَ أجرَأَ
اللهُ في إنشاءِ خَلْقِهِ قالَ كُنْ ... مِنهُ كلامٌ لِلخَلِيقَةِ أنشَأَ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

أطفال الشّرقْ المذبوخة بقلم وديع القس

أطفال الشّرقْ المذبوخة ..!! شعر / وديع القس / قتلوا الطّفولة َ في مرامِ الحاقد ِ واستخدموها درعَ غلٍّ أسود ِ / قالوا الطّفولةَ : روحنَا وحيا...