صوت مبحبح
صوت غريب لم أسمعه من قبل ، صوت مدوي وكأنه إنذار .. صوت رهيب قريب من أذني !! ياالاهي !! ما هذا الشيء ؟؟ !!..
انتفضت وقفزت من سريري .. أتمايل في خطواتي يمينا ويسارا !.. وكأن رخام بيتي تحول إلى أرجوحة !! ..
أصابني ذعر .. ورعب ..لم أعد أستوب ماذا يحصل !!،، بين الرعب والدهشة ، رددت وناديت ،، أبي ابي أمي استيقظا هيا بسرعة .. رباه .. ماذا يحصل ؟ وأين أنا ؟؟ .
صباح مرعب .
استيقظت لأجد نفسي وسط حشد كبير من الأسر .. وأنا في دهشة من أمري!!،، أنظر .. أتأمل بعمق .. لعلني أتذكر ماذا حل بي ،، وأعرف أنا أين ؟ ومن أنا من بين هاؤلاء ؟ ، دموع غزيرة ..آلام .. حسرة .. بعد كل هذا لم يكن بوسعي غير النطق بكلمة واحدة ( الحمد لله ) وبعدها نزعت المصل من يدي ،، وقفت .. واتجهت نحو الأمام ، وأنا في شبه كابوس !.. بدأت أنظر هنا وهناك .. وكأنني أبحث عن شيء لم أعد أتذكره .. أبحث بلهفة ، لم أكن أرى غير الضمادات البيضاء المزركشة باللون الأحمر !.
أصوات غريبة .. بكاء ..صراخ .. آهات .. أكاد أجن وأنا أدور يمينا ويسارا .. وكأنني ضائع في عالم غريب !، وأخيرا حالفني الحظ ، حصل أن تذكرت إسمي بواسطة صوت مبحبح خافت يبدو عليه علامة التعب والإرهاق .
يردد أحمد .. يا أحمد ..بدأت أستوعب شيئا فشيئا ،، الى أن عرفت بعد معانات ان صاحب اسم أحمد هو أنا !! ، حمدت الله وشكرته أنني تعرفت على اسمي .
ما إن رفعت نظري جهة المنادي حتى قفزت بسرعة لأرتمي بين أحضانها .. بدأت أقبلها بحسرة وشوق ولهفة ،، كانت هي الأخرى تحاول أن تحضنني بقوة لولا تعبها وقواها المنهارة ،
اكتفت المسكينة بمسح رأسي وتأمل ملامحي بعمق .
بالكاد نطقت كلمات قليلة، هذا قدر الله يابني ، الحمد لله أنك نجوت وانك في صحة جيدة .. رحم الله أباك واختك ، رحلو الى دار البقاء فورا بعد الحادثة فيك البركة يا ابني ، رفعت بعد ذلك أصبعها الى الأعلى وهي تردد بصوت خافت ، ( أشهد أن لا إلاه إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله )
لفظت أنفاسها الأخيرة ارتفعت روحها للسماء لحاقا أبي وأختي .
أصبحت وحيدا بعدما كنت بالأمس مرافق لأسرتي الكريمة التي أصبحت حاليا في عداد الشهداء .
بينما بقيت أنا .. أنا الإبن الضال لم يعد يعرف مقره
ابن تائه .. لم يعد بوسعه غير الذهاب الى تلك البقعة الأرضية ، التي أصبحت عبارة عن تراب وصخور متراكمة .. لأتأملها من بعيد .. وارى في كل زاوية منها ذكرياتي وعائلتي السعيدة ، الكل يبدو لي على ما يرام ، هاهي ذي أختي الجميلة تراجع دروسها فوق ذاك المكتب .. ابي .. نعم إنه أبي في الجانب الأيسر من البيت وسط الصالون يتفرج على مبارة كرة القدم وهو في أتم بهجته وفرحته ،، اين انت يا أمي ؟؟ اشتقت اليك لما انت غائبة عن البيت ؟؟ !! ماذا؟؟ هذا صوت أمي وهي تناديني من المطبخ بصوتها الحنون ،، حاضر يا أمي سنجتمع فورا على طاولة العشاء !! بعد رؤية عائلتي في كل زوايا تلك البقعة الأرضية بين الصخور والجدران المتساقطة ..بعدما رأت الصخور حزني وألمي أصبحت لينة وقصت علي بالتفاصيل المملة كيف غادرت أسرتي الصغير الى دار البقاء
بعدما سقط جزء جدار على رأسي ففقدت الوعي.. وقصصت عليها بدوري قصة أمي عندما عثرت عليها في أحد المستشفيات ولم يكن لديها الوقت الكافي لتترك لي وصية أو هدية لذكراها .. غير الهدية الجميلة المبحبحة .. أحمد يا أحمد .. بالفعل إنها هدية العمر سيبقى رنينها في أذني على مدى السنين .
فتيحة المسعودي
طنجة المغرب ٢٨٢٠٧٩
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق