العَرَبُ جَرَبٌ
بقلم: فؤاد زاديكى
"الجَرَبُ مرضٌ جِلديٌّ مُعْدٍ تُسبّبُهُ القارمةُ الجَرَبِيَّةُ, أكثرُ الأعراضِ شُيُوعًا هي الحكّةُ الشّديدةُ وطفحٌ جلديٌّ يُشبهُ البُثُورَ، وفي بعضِ الأحيانِ يُمكنُ رؤيةُ جُحُورٍ صغيرةٍ على الجلدِ، العَدوى الأوليّةُ تحتاجُ عادةً من 2-6 أسابيعٍ قبلَ ظُهورِ الأعراضِ، أمّا إذا أُصيبَ الشّخصُ بعدوى للمرةِ الثّانيةِ فَتظهرُ الأعراضُ خلالَ يومٍ واحدٍ، ويُمكنُ لهذهِ الأعراضِ أنْ تَظْهَرَ في معظمِ أنحاءِ الجسمِ أو في مناطقَ معيّنةٍ فقط، مثل: الرّسغين وبين الأصابعِ أو على طولِ مُحيطِ الخَصرِ. وقد يتأثّرُ الرأسُ، ولكنْ عادةً ما يُصيبُ الأطفالَ الصِّغارَ وليسَ البالِغينَ, هذا من حيثُ التّخيصُ الطّبِّيُّ لمرضِ الجَرَبِ".
أمّا و قد انتشرت مقولةُ (العرب جرَب) منذ زمنٍ بعيدٍ, و بكلِّ تأكيدٍ لمثل هذا المثل ضرورةٌ أو دَوَاعٍ, و لا يُعقَلُ أن يأتي مثلُ بدون أن تكونَ لهُ مُبَرِّراتٌ أو دَواعٍ أو دوافعُ. و كما قيل هذا عن العرب فقد قيلت أمثلةٌ أُخرى كثيرةٌ تذهبُ إلى هذا المنحى نذكرُ منها على سبيلِ المثالِ ما يقولُه التّركُ عنِ العَرَب مِن أنّهم "أسوأ طائفةٍ أو مِلَّةٍ أو قومٍ", و كذلك السّخرية من أمّة العرب و كما يقول عنها القرآن إنّها أمّة إقرأ فهي بكلِّ أسفٍ لا تقرأ, و إذا قرأتْ فإمّا أنّها لا تفهمُ ما تقرؤهُ أو أنّها لا تَرغبُ بفهمِهِ و لهذا ضُرِبَ بها مثلُ (أمّةُ إقرأ لا تَقرأ) و مثل آخر يُمكن سَوقُهُ هنا و هو أنّ هذه الأمّة أصبحت مثار سخرية لشعوبِ العالمِ, فهيَ أُمّةٌ ضَحِكَتْ مِنْ جهلِها الأمَمُ, بكلّ تأكيد فعندما يسودُ الجهلُ واقع أيّ شعبٍ أو قومٍ أو أمّةٍ, فلنْ يكونَ لها نُهُوضٌ و لا تقدُّمٌ و لا تطوّرُ, بل ستبقى مكانَها راوِح, لأنّ العلمَ هو الذي يسيرُ بالأممِ و الشّعوبِ إلى العُمرانِ و النّهضةِ و التقدّم و عالم المخترعات الخ... ولأنّ العربَ قومٌ يُحبّونَ التغنّي بالماضي و العيشِ على بقايا رُكامِ أوهامِه, فهم بهذا ليسوا جديرين بأنْ يكونُوا أمّةً حيّةً, فالأممُ الحيّةُ هي تلك التي تَصِلُ الليلَ بالنّهار في مواكبة تطوّرات و مستجدات الحياة لكي تخلقَ جديدًا, يُساهمُ في رفعة شأنِ المجتمعات و الشّعوبِ. إنّ الأمّةَ العربيّة مُستثناةٌ مِنْ هذا لأسباب كثيرةٍ لسنا في مجالِ عرضِها و لا ذكرِها, فأغلبُ النّاسِ يَعلمونَها علم اليقين, و يعرفونَها بشكلٍ جيّدٍ. كما قيلت أقوال أخرى كثيرة في هذا المجال منها: (إذا عربت خربت) و (العرب ظاهرة صوتيّة) و (العرب أمّة لا تقرأ) الخ...
هل ذِكْرُ مقولة (العرب جرب) فيها تَعَرُّضٌ لشرفِ العربِ و كرامتهم؟ يجوزُ أن نقولَ أجل و أن نقول لا. فبقولنا أجلْ عندما يبقى العرب على هذه الحال من التّخلّف و الجهل و التفاخر و التّباهي على فاشوش, و نقول لا عندما يُحِسُّ هذا الشّعب بالخجلِ و يستحي من نفسه على ما هو عليه, بالمقارنةِ مع بقيّةِ شُعُوبِ العالم. أمّا هل يشعرُ العربيُّ بالمَهانةِ عندما يسمعُ هذه المقولةَ؟ يمكن أن يكونَ ذلك, خاصّةً عندما يكونُ من التيّارِ المتعصّب, الذي يعيشُ على هامشِ الحياة, لكنّ السّؤالَ المَطروحَ هنا هو هل شعورُهُ هذا يُمكنُ أن يُغَيِّرَ حقيقةَ واقِعِهِ؟ هذه هي المُعادلةُ الصّحيحةُ. و للإجابةِ على هذا السؤالِ نقول لا, لأنّ العرب لا يؤمنونَ بمفعولِ العقلِ, و لا يعملونَ بالمَنطقِ ولا الموضوعيّة, بلِ هم يَنقادُونَ للعاطفةِ العمياءِ و الهوجاءِ, التي تقودُهُم إلى مزيدٍ منَ التخبّطِ و اليأسِ و الفشلِ و الإحباطِ, بل بالهَيجانِ و الثّورةِ و الانفعالِ, و هذا ما يُفقِدُهُم السّيطرةَ على تصرّفاتِهم و سلوكهِم, ليقعُوا في مَطبّاتٍ أخرى إضافيّة غيرَ تلك التي يعيشُونها, و هم بهذا يتسبّبُون بالضّررِ لذاتِهِم, والمقصودُ بمقولةِ (العَرَبْ جَرَبْ) هو كلّ عربيّ يتكلّم اللغةَ العربيّة و ينطقُ بها.
يُعتَقَدُ أنّ الأتراكَ هم أوّلُ مَنْ أطلقُوا هذه التّسميةَ على العرب إضافةً إلى أوصافٍ أخرى مثل (عَرَبْ خياناتْ) أي أنّ العرب هم قوم يخونون بعضهم البعضَ كما يخونون الأصدقاءَ أو الآخرينَ عُمُومًا بمعنى أنّهم خَوَنةٌ, لكنّي أحبّ هنا التّأكيدَ على أنّ الخيانةَ موجودة لدى كلّ شعب العالم و بينها, لكنْ ربّما هي بين العرب أكثر من غيرهم من الشّعوب الأخرى. و (عَرَبْ پيس مِلّتْ) بمعنى أنّ العربَ قومُ الوساخةِ و القذارةِ و عدمِ التّحضّرِ, لكنّي أقول للأمانةِ لو أنّ هذه التّوصيفاتِ و الأوصافِ, التي تمّ لصقُها بالعرب أتت من غير التّرك لقلت ربّما يكونوا محقّين في ما يقولونَه, أمّا و أنّ التّرك قوم همجٌ و دمويون فإنّي أرثي لهم.
يقولُ الجغرافي المصري (جمال حمدان) عن الأتراك في كتابهِ (تاريخ الأتراك الأسود في البلاد العربية والإسلامية) إنّهم"رعاع الاستبس، وجماعات بربرية بلا تاريخ أو حضارة، فهم بربر وهمج يحاربون بعضهم من أجل الكلأ والمراعي والسبايا" بينما نرى الجاحظ في كتابه (البخلاء) يتهجّم على الفرس و يصفهم بأقذع الألفاظ بينما يشيد بفضائل التّرك, و في حديث يُنسبُ إلى نبيّ الإسلام أنّه قال: ( اتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ ) وقال أيضًا عنهم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نِعالُهم الشّعر".أمّا ما قاله المؤرخ ابن خلدون عن العرب فهو طريفٌ جدًّا إذا يقول: "العربُ أمّة وحشيّةٌ تقومُ فتوحُهم على النَّهب والعبثِ..ولا يتغلّبون إلّا على البسائطِ السّهلةِ، ولا يُقدِمون على اقتحامِ الجبالِ أو الهضابِ لصعوبتها، وإذا تغلّبوا على أوطانٍ أسرعَ إليها الخرابُ.. لأنّ طبائعهم من الرّحلة وعدمِ الانقيادِ والخروج على النّظام منافية للعمران، ولأنّهم أهلُ تخريبٍ ونهبٍ يخرّبون المباني وينهبونَ الأرزاقَ ويُفسدون الأعمالَ والصنائعَ، وهم أبعدُ الأممِ عن سياسةِ المُلك لأنّهم لبداوتهم وخشونتهم أكثر شعورًا بالاستقلالِ والحريةِ، لا يدينونَ لرئاسةٍ أو نظامٍ، وسياسةُ الُمُلكِ تقتضي النّظامَ والخضوعَ والانقيادَ". أمّا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل المعروف بعبقريته و حنكته قال: "'اذا ماتَ الانجليزُ تموتُ السياسةُ وإذا ماتَ الرّوسُ يموتُ السلامُ وإذا ماتَ الطليانُ يموتُ الايمانُ وإذا ماتَ الفرنسيون يموتُ الذوقُ وإذا ماتَ الألمانُ تموتُ القوةُ وإذا ماتَ العربُ تموتُ الخيانةُ" بينما يقول التراث الأدبي اليهودي عن العرب: " العربي الجيد هو العربي الميت" و تقول التوراة إنّ النبي إبراهيم قام بنفي ابنه إسماعيل وأمّه هاجر إلى الصحراء، لكثرة أذاهما له، وإنّ العرب على هذه الشاكلة، لأنّهم من نسل هذا «الولد المتوحش» حسب التوصيف التوراتي.
جاء في سفر التكوين، الإصحاح 26 في وصف إسماعيل «جد العرب» أنّه «يكونُ إنسانًا وحشيًّا يده على كلِّ واحدٍ، ويدُ كلِّ واحدٍ عليه» وهي صورة الشخص الذي يثير الصراعات والحروب، ويدخل في مواجهات مع الجميع، مما يضطرُ الجميعُ إلى الدخولِ في صراعاتٍ معه. إنّ أمّة العرب تعيشُ اليومَ تخلّفًا و تخبّطًا في حياتها في مختلف جوانب الحياة, و هناك من يُعيد هذا إلى أسباب كثيرة متعددة و مختلفة. لم يتمكّن العرب لغاية اليوم من اختيار طريق سليم لخروجهم من هذه الحالة التي هم عليها, و العائق الأكبر في تحقيق ذلك هو التراث و خاصة الدّيني منه, فالعرب لا يستطيعون التخلّص من هذا التّراث و لا الاستغناء عنه بل حتى ليس العمل على تطويره و تحديثه لأنّه موضوع في هالة قدسيّة يُمنع المساسُ بهِ. يقولُ بعضُ الفلاسفة : العرب من أكثر أمم العالم تخلّفاً ويبني هؤلاء الفلاسفة أفكارَهم على دراسةِ الواقعِ والحاضرِ للأمم والشعوب, و هناك مَنْ يقولُ إنّ هذه الأمّةَ أصبحت عارًا على العالم, فهي أمّة مستهلكة غير منتجة. يتساءل أحدهم قائلًا: "أليس واقعُنا المرير يؤيدُ قولَهم: (العرب جرب) واذا (عربت خربت) ونحنُ لا نُجيدُ القراءةَ وتسمعُ مِنَّا جعجعةً ولا ترَى لنا طَحناً؟!إنّ كلَّ ما يجري على ساحات العالم العربي و فيها, إنّما هو مؤشّرٌ دقيقٌ على أنّ الخروجَ مِنْ هذهِ الحالِ, يحتاجُ إلى جُهُودٍ مُضنيةٍ و خارقةٍ, لكي تستطيعَ الحصولَ على خَرقٍ لهذا التّأزّم و الجمود و حالة الشّلل في مختلف مرافقِ الحياةِ, و كأنّ العربَ هم لوحدِهم في هذا العالم, لا يجبُ عليهم التّعامل مع الآخر, و الذي هو اليوم مصدر كلّ علمٍ و معرفةٍ و تطوّرٍ و تقدّم بمختلف مجالات التطوّر التكنولوجي و العمراني و الثقافي و الفكري و المخترعاتي و العلمي. كابوس الخوف من الآخر و إسطوانة المؤامرة و الاتّهام بالخيانة كلّها أمور تضعف الثّقة لدى العرب و لا تدفعهم للمضي قُدُمًا للمشاركة و التّعاونِ مع العالم المتحضّر, و العالم العربي هو بأمسّ الحاجةِ لهذه الخُطوةِ, التي ستكون مُنقِذًا له, و حينها لنْ تصحّ مقولةُ (العرب جرب).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق