============
هجرْتُ الناسَ فانتعشَ الصُّدودُ
وطابَ العيشُ وارتاحَ القصيدُ
وأسعدَني فراغُ القلبِ ممّا
يُؤرِّقُهُ فما خضعَ الشهيدُ
وعشتُ كما الوحوشُ بلا رفيقٍ
أعيشُ كفايتي ويدي حديدُ
فلا خلٌّ يُنغِّصُ لي انفراداً
ولا صوتٌ بما أشقى سعيدُ
كَحُرِّ الطيرِ يحملُني جناحي
إلى قممٍ بها مُلكٌ فريدُ
سموتُ إلى السما ورفعتُ رأسي
فأُقصيَتِ الحواجزُ والحدودُ
فلا عبدٌ رخيصٌ في طريقي
ولا يغفو على جفنَيَّ دودُ
ولا لصٌّ شريفٌ في حياتي
ولا جارٌ يجورُ ولا يجودُ
هجرت الناسَ حينَ رأيتُ ناسي
كموجودٍ وليسَ لهُ وجودُ
تقودُهُمُ المصالحُ للرزايا
فلا صحبٌ ولكن مُستفيدُ
أحاسيسُ الورى فيهِم هباءٌ
فلا إحساسَ إن حلَّ الجليدُ
كمثلِ الصخرِ لا يعطيكَ ليناً
ولكن منهُ ينفجرُ الوعيدُ
براكينُ الورى تُردي البرايا
فإن سكنَت فما فيها وُرودُ
حريقٌ شَبَّ من لفظٍ مقيتٍ
فأنهى الحُبَّ وابتسمَ الصّدودُ
هجرتُ الناسَ حينَ رأيتُ ناسي
بهم قالٍ و موتورٌ حقودُ
شقيقٌ ما رأيتُ بهِ شقيقاً
وأختٌ في طبائعِها حسودُ
وجارٌ جارَ في إيذاءِ جارٍ
فلا سرٌّ يُصانُ ولا عهودُ
وجاراتٌ تقاسمنَ الخفايا
فذاعَ السرُّ وانهارَ العمودُ
رأيتُ عداوةً في ثوبِ حبّّ
وشوقاً قد تغشَّتهُ القيودُ
رأيتُ مودَّةً تزهو بقولٍ
جميلٍ خلفَهُ طبعٌ عنيدُ
رأيتُ مُدى الأحبَّةِ في فؤادي
لها في خافقي طعنٌ شديدُ
هجرتُ الناسَ حينَ فقدتُ أُنسي
بكلِّ الناسِ تُغريها النقودُ
فذا شيخٌ تصابى لاجلِ بنتٍ
وذا جهلٌ على العُقَلا يسودُ
وهذا شاعرٌ بالفخرِ يزهو
وما في شعرِهِ شيءٌ مُفيدُ
وبعضُ الحمقِ يحكمُنا لنجثو
كأنا الليثُ تحكمُنا القرودُ
سلاحُ المالِ يملكُهُ دَعِيٌّ
وبطشُ الجهلِ تُتقنُهُ العبيدُ
فيحكمُنا الغلاءُ وجورُ غالٍ
ولصٌّ في تعاستِنا يَزيدُ
وناسٌ تستحي من ردِّ جورٍ
ولو بالقولِ خِرقتُها الجدودُ
هجرتُ الناسَ ما خالطتُ أهلاً
أَرَوني من ودادٍ ما يبيدُ
أرَوني الودَّ للأعداءِ حقّاً
ولي منهم قروحٌ أو صديدُ
تناسَوني وباعوني برُخصٍ
لأعدائي وما اهتزَّ الوريدُ
لهم منّي العطايا والحكايا
ولي منهم على ألمٍ جديدُ
هجرتُ الناسَ طرَّاً بانطوائي
فجاءَتني النميمةُ والردودُ
وقالوا فيَّ ما قالوا ولكن
لزمتُ الصمتَ فارتحلَ المُريدُ
رحلتُ عن الأسى لكهوفِ وحدي
فإذ بالظلمِ في عيشي يعودُ
حياةٌ ملؤها كذبٌ ، وناسٌ
تنافقُ للدولارِ إذا يجودُ
ويبقى صادقٌ الإحساسِ حُرّاً
ولو ضاقَت ببسمتِهِ الزّرودُ
================
د.جميل أحمد شريقي
( تيسير البسيطة )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق