بقلمي : د/علوي القاضي.
... ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ ، ٱيات المنافق كثيرة ، ومواقف ممارسة النفاق لاحصر لها ، ولكنها تندرج تحت صفات عدة ، أنه إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ، وإذا خاصم فجر
... والتطبيل صورة من صور النفاق وكذب الحديث ، لأن المنافق يقول كذبا ، ويمدح الشخص بما ليس فيه ، وهو عكس النقد هدفا وسلوكا ، والتطبيل أخطر من النقد لأن التطبيل يبني قيادات من ورق ، تسقط أمام القضايا الكبرى ، أما النقد البناء ، يكسبك القوة والقدرة على مواجهة التحديات ، فالوطن دائما يموت على يد المطبلين من أبنائة
... وهناك أناس يجيدون فن التطبيل في كل المواقف ، لذلك كان للتطبيل فن وأسلوب ومنهج ، لايبدع فيه إلامن يجيد تقبيل الأيدي ، فماهي سيكولوجية المنافق ؟!
... (أولا) ، أنه دائم التطبيل لولي نعمته ، يزين له السلب إيجابا ، ويجعله لايثق في أي رأي ٱخر ، خلاف الأفكار التي يزرعها في رأسه ، وبكلمة من المنافق له ، يكون القرار ، وبكلمة أخرى يكون القرار العكسي ، وفي كلا الحالتين لاتجد عقلانيات ولاإستنتاجات ، لأن الإجابة دائما في رأس المنافق ، (الخلاصة) ، أن المنافق يدرك كافة الفجوات العقلية لولي نعمتة ، ولذلك يستطيع السيطرة عليه ، والغريب أن المنافق لايفارق ولي نعمته
... (ثانيا) ، أنه لايسمح لأي فرد بالإقتراب من ولي نعمته ، بكافة السبل ، حتى يقطع عليه أي سبيل الإستماع لأي أفكار أخرى ، وهنا المصيبة الكبرى ، أن المطبلاتي يصبح هو الآمر الناهي في قبول أو رفض الآخرين ، وفي سبيل تحقيق ذلك يتميز بالقدرة الفائقة على التبرير ، وقلب الحقائق وتزييفها
... (ثالثا) ، أنه لايتورع أن يكون (مرمطون) لولي نعمته ، ولديه الإستعداد للإنبطاح ، وهدر ماء وجهه ، والمذله ، وكسر العين ، المهم أن يكسب رضاه عليه
... وللنفاق مواقف وصور كثيرة يضيق المقام بذكرها ، والتي تعد أساس نجاح المنافق في مساعيه
... المنافق إنسان غير سوي ، لأن الإنسان السوي يسير بالمبادىء التي تربى عليها ، ولايأكل على كل الموائد ، ولكنه من الممكن أن يقابل متميزين ، (بالغلط ، والتطبيل ، والعيب ، والحرام) ، ويكتشف للأسف أنهم في القمة ! ، لكنه يظل محافظا على مبادئه
... إن ثقافة النفاق عتيقة جدًا فى بلادنا ، لأن مفهوم الشاعر الذى يدخل على الخليفة ليمدحه ، ويخرج حاملاً أموال وهبات ، هو مفهوم متأصل فينا ويصعب الخلاص منه
... لقد قرأت القليل في الأدب العالمى ، لكنني لم أجد بيتًا من الشعر فى أى لغة عالمية ، يماثل ماقاله (إبن هانى الأندلسى) فى مدح الخليفة الفاطمى المعز لدين الله :
. . ماشئت لاماشاءت الأقدار *** فاحكم فأنت الواحد القهار
. . وكأنما أنت النبى محمد *** وكأنما أنصارك الأنصار !
... تأليه للحاكم وصل لدرجة الكفر والشرك بالله
... وفي عصرنا الحديث حينما قال أحد المنافقين للحاكم ( إن كان موسى جاء بالتوراة ، وعيسى جاء بالإنجيل ، ومحمد جاء بالقرٱن ، فقد جئت بالميثاق ) ، نفس منهج النفاق المنتهي بالشرك
... إن الأمة التي يُقال فيها هذا الكلام هى أمة مقضى عليها بالفناء ، ولاغرابة أن يقال إن هذا الشعر كان نذيرًا بفناء دولة العرب في الأندلس
... المزايدة تتكرر فى قصص التراث بلا إنقطاع ، وهاهو ذا (أبو تمام) ينشد قصيدته أمام الأمير (أحمد بن المعتصم) ، فيقول الشاعر فى نفاق صادق واصفًا الأمير :
. . إقدام عمرو فى سماحة حاتم *** فى حلم أحنف فى ذكاء إياس
... وهنا يتدخل (أبويوسف يعقوب الكندي) ، وقد بلغت به (سلطنة) النفاق أعلى درجة ، قائلاً (الأمير فوق من ذكرت)
... يعنى كل هذا النفاق غير كاف ، و (الأمير أعظم من هذا) ، ولابد من المزايدة فقد بدأ (مولد) النفاق ، وعلى الفور يستغل (أبو تمام) موهبته ليرتجل شعرًا :
. . لاتنكروا ضربي له من دونه *** مثلا شرودا فى الندى والباس
. . فاللّه قد ضرب الأقل لنوره *** مثلا من المشكاة والنبراس
... هذه القصة لا ترد فى المراجع كدليل على عبقرية النفاق ، بل على براعة الشاعر وحسن تصرفه
... وأزيدكم من الشعر بيتا ، ذات مرة ، زار (جمال مبارك) مدرسة خاصة ، فنشرت التلميذات فى إحدى المجلات رسالة مناشدة إلى (مبارك) تقول (نحن فى بلد ديمقراطى ومن حقنا التعبير عما يجول بخاطرنا ، وأنت علمتنا الحرية وعدم الخوف ، لذا نطالب الرئيس مبارك بأن يكلف (جمال) بمنصب سياسى مهم !) هذا نوع عجيب من النفاق ، على غرار (أتركنى أقول شهادتى التى سأسأل عنها أمام الله ، أنت أعظم وأروع من رأيت !)
... فالمنافقون مستعدون فى أى بلد عربى كى يهتفوا (الأمير فوق ماذكرت) فى أي لحظة ، ولسوف يظهر لهم من يزيد بيتين من الشعر لإرضاء الحاكم ، بإختصار ، يبدو أن داء (الوباء والجهل والموالسة) متوطن ولن يزول عن عروبتنا
... أيها المنافقون ، بما أننى أعلم حرصكم على النفاق بكل صوره ، لخداع غيركم وأنفسكم ، وتظلون رافعين شعار النفاق ، لتنالوا الرضا من الفسدة الكبار ، وأعلم يقينا أنكم أصبحتم سيئين جدا لدرجة أنكم لايهمكم الحق ، ولايهمكم مستقبل أولادكم أوأهلكم الذين سيعانون نتائج تطبيلكم ، معاناة لم ولن تخطر على بالكم ، لأنكم أشخاص سيئون وفاشلون وأغبياء ، وأعلم أن أولياء نعمكم ، جعلوا كل سئ منكم يحمل طبلته ، وينتظر دوره ، فقد نزعوا منه الإنسانية وحولوه لكائن بذئ أقل من الرعية ، نعم فهذا أسلوب الديكتاتوريات ، كى تعيش على حساب شعوبهم ، فهم يغيبوا الناس ويصنعون منهم أمثالكم ، أيها المنافق ، إعلم أن قدر الله سابق ، ورزقك محتوم ، وعمرك محدود ، ومهما نافقت فلن تأخذ أكثر من رزقك
... أدعوا الله أن يصح ضميركم ، وأن تستعيدوا آدميتكم ، لأنكم لن تعيشوا بالكذب والنفاق والخداع
... أيها المنافق جرب أن تكون إنسانا ، ولو لمرة واحدة فى حياتك ، من أجل الأجيال القادمة حتى لايرثوا كل هذا البلاء ، جرب أن توقظ ضميرك من غفلته
... (كن إنسانا) ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق