الضمير هو الوازع الداخلي الذي يحرك الإنسان ويرفعه للأبتعاد عن أي عمل خارج الدين والأخلاق. هو ذلك الميزان الحساس في قلوب وعقول كل الناس، يُقيّم ويُضبط الأعمال والأقوال والأفعال، ويفرق بين الحق والباطل، والخطأ والصواب، إن مالت يوما كفتاه بلغ الإفك منتهاه، ولم يحرك المرء للحق ساكنا في أي أتجاه. هو الإحساس بالمسؤولية تجاه من تعولهم، وهو شعور بتأنيب النفس إذا أخطأت وقصرت.
لا يخلو أي إنسان من الضمير ولكن هذا الضمير يحتاج لدعم وتغذية تجعلهُ قادراً على مجابهة النفس ومواجهتها. أفضل الحواس الذي يمتلكها الإنسان الضمير ويطلق عليها البعض الإنسانية، وهي من الصفات الحميدة عند البشرية ليس الكل، إنما هي نادرة وعند البعض في زماننا هذا.. والضمير هو مقياس عند الإنسان يُحاسبه على فعل الخير وترك الشر.. ويتألم ويتوجع لأي خطأ أو فعل أرتكبه الإنسان نفسهُ.
هل الضمير هو صوت الله في وجود الإنسان؟
نعم الضمير صوت الله في وجود الإنسان وذلك من لطفه بالإنسان أن أودع في أعماق نفسه قوةً وازعاً للقيام بهذه المهمة، له دور أساس في توجيه حركة الإنسان نحو الخير ، وإبعاده عن مزالق الشر، فإنه يُعَرِف الإنسان مسلك الخير ومسلك الشر، ويميز بينهما حيث إن الضمير يلوم الإنسان ويوبخه حين يتخذ القرار الخطأ مخالفا ضميره حين أقسم الله به..
وهناك نوعين من الضمير: الحي والميت، ولكل واحدة منهما صفاته ومميزاته وعوامله وأسلوبه بتحكم الذاتي بطبيعة الفرد الإنساني.
فالضمير الحي هو الشعور بالمسؤولية اتجاه بقية المجتمع الذي ينتمي له.
الضمير الميت هو فقدان المسؤولية إتجاه الآخرين فقد يكتفي بالأهتمام في نفسه فقط.
فما أجمل الضمير الحي الذي يربي النفوس ويبني خلقها ويعلمها أصول الحياء والاحترام والإيثار، وحب الإحسان والحنان ويجعل صاحبه يستحي في اقتراف الإثم والمعصية والخطيئة. لأن الضمير السوي هو قاض ومشرق ودليل أمين له، إذا رأى قبيح الأمور يكون الموّجه الضابط للسلوك. الضمير الحي الإنساني يعني إن الأخلاق الإنسانية لا تزال بخير، وهذا الإنسان لا يزال إنسانا راقيا يحترم آدميتهِ ويرفض أرتداء الأقنعة الرخيصة، ويرفض بيع ضميره الإنساني وكأنه يستغنى عن كيانه البشري والإنساني في عالم الإنسان السوي.. ليكون من الرخص والدناءة في زمن يعج به صنوف الأشكال والأجساد التي غاب عنها معنى الإنسان.
أما إذا مات الضمير مات الرقيب، وبالتالي يفقد الخلق والحياء وينغلق باب المحاسبة الذاتية حتى إشعاراً آخر …!! ساعتها يعيش الإنسان ميت الضمير ..!! يتجاوز بتعطل إنسانيته حدود المنهيات والمحرمات واتباع خطوات الشيطان والأهواء، ويصبح مطيعا لرغباته ومادياته منعدماً للإحساس الإنساني تجاه الآخرين. ولذلك فإن مراقبة الله كفيلة بأن تحفظ الإنسان ضميره من الفساد ومظاهره، وإذا انطفأ نور الضمير الأخلاقي صارت النفس مارقة لصاحبها، فاسدة في القيم التربوية والشيم الأخلاقية.
خلقت فطرة الإنسان بأصل سليم، ليحافظ عليها الإنسان السوي العادل من التلوث والماديات لتمكنه مِنْ أن يسمو بروحه وقلبه فوق صراعات البشر لعالم روحاني سليم، وليبتعد عن صراعات لا تنتهي ولا تقف إلا بموقف يهز الإنسان ليقف ويستذكر ويتعلم مما أصابه ويلملم جروح روحه لما أصابها من فقد الضمير وهرولة وطمع بشر !..
نعيش زمنا غريباً موازينه مقلوبة وناسهُ أصبحت بلا ضمير ولا أخلاق ولا معنى لمعنى الإنسان للأسف، قد تسكت عن خطأ واضح ! قد تصمت وتتوارى عن فساد يستشري ويفسد المكان ! قد تصفق لأخطاء ولتمثيل وسيناريوهات ركيكة وعديمة المعنى والحوار ! الضمائر طالها الفساد لدرجة أنها لم يعد لها كيان يميزها عن غيرها من بشر، فساد يستشري سريعاً يحتاج تدخلات لأقتلاعه ولمضادات وعلاجات قد يستدرك به ما يمكن علاجه !.
وهل يقدر أن يعيش المرء بلا ضمير، لا يأمره ولا ينهاه.؟
لا يستطيع المرء بدونه أن يميز بين حق وباطل، أو خير وشر، أو ظلم وعدل. وكيف لا ..؟ والميزان مختل والضمير معتل. إنسان بلا ضمير، كسماء مظلمة بلا قمر ينير. كذلك الأمم والشعوب إن غربت شمس ضميرها، ضلت وأضلت وانحرفت عن طريق الحق وأصبحت مغنما لأراذل الأمم كحال أمتنا اليوم، صارت بلا عنوان أو هدف واضح تسعى لتحقيقه وتحيا من أجله. الناس يغسلون ملابسهم وأبدانهم كل يوم مرة أو مرتين، ولا يفكرون في غسل ضمائرهم ولو مرة واحدة كل عام، لإزالة ما ألتصق بها من غبار الزمان وأتربة الأيام.
الضمير كدقات قلب المرء يجب ألا يتوقف لحظة واحدة، وإلا توقفت الحياة.
عندما يكون عندك ضمير لم ينم ولم يغب ولم يصب بالصم والبكم.. عندما تضع مصلحة الوطن والمواطن أمام نصب عينيك وتحرص على المال العام والمصلحة العامة، يكون عندك ضمير. عندما لا تسمح لنفسك لسلب حقوق غيرك وأنت تعلم أنها ليست حقا لك، يكون عندك ضمير إنساني. عندما تدرك قدراتك وتعرف مسؤولياتك وواجباتك وتتحدث بنحن وليس بمصلحتك والآنا، يكون عندك ضمير نقي.
من أجمل الجمل التي أتذكرها عند قرائتي لكلام أحمد الشقيري قال: "لا تستطيع أن تكون إنسانا بلا أخطاء لأنها غزيرة البشر لكن كلما تخطئ أستغفر وتعلم من الخطأ ولا تكرره هذه هي قمة النضج والإيمان"، المحاولة لتكون بلا أخطاء.
وفي النهاية لا سعادة تعادل راحة الضمير.. والضمير السوي هو أفضل صديق للإنسان، ولا يوجد في الدنيا أحلى وأجمل وأشرف وأنقى وأعذب من الإنسانية في الإنسان لاخيه الإنسان، وأن يُبذل جهده لإسعاد المقابل فقط لأن له ضمير حي ينبض بالحب والإنسانية والسلام لاخيه في الدنيا في أي بقعة من الأرض. فالله خلقنا من أرقى المخلوقات في الوجود ونحن على أهلٍ أن نكون بمستوى ذلك الأهمية الذي شرف لنا الخالق أن نكون أرقى خلق الله في الدنيا.
وأخيراً الضمير هو ذلك القلم بين أنامل الكاتب والمفكر الحر عندما يتحول معظم الكتاب إلى كتبة وعندما يتحول المفكرون إلى معكرين يصطادون في الماء العكر، هنا يبرز قيمة القلم الحر الذي يحرك الضمير الإنساني المجرد من شبهات المصالح وشهوات النفس، فيضع النقاط على الحروف ويميز الغريب من المألوف ولا يكن مجرد مداد يسطر ورقا لا قيمة له يعلاه التراب والغبار على الرفوف.. ذلكم هو القلم وذلكم هو الضمير معه تتقدم الأمم والشعوب للأمام تنطلق وتسير. 
بقلمي
مارينا أراكيليان أرابيان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق