بقلمي : د/علوي القاضي.
... زارني بعد تخرجنا من الكلية ، وصارحني بنيته على الزواج ، فقد كان وحيدا وأمنية أبيه أن يرى حفيده ، ولهذا طلب مني أن أبحث له عن زوجة ترضى كل الأطراف أنا وهو وأبيه وأمه ، ولما سألته عن مواصفاتها أجاب :
... لاأريدها جميلة ، فيطمع فيها غيري ، ولاقبيحة ، فتشمئز منها نفسي ، ولاطويلة فأرفع لها هامتي ، ولاقصيرة فأطأطئ لها رأسي ، ولاسمينة فتسد علي منافذ النسيم ، ولاهزيلة فأحسبها خيالي ، ولابيضاء مثل الشمع ، ولاسوداء مثل الشبح ، ولاجاهلة فلاتفهمني ، ولامتعلمة فتجادلني ، ولاغنية فتقول هذا مالي ، ولافقيرة فيشقى من بعدها ولدي
... أريدها إمرأة ( عيطموسا ) تامة الخلق ، ( عيطبولا ) فتية وجميلة وممتلئة القوام وطويلة العنق ، ( عيطاء) معتدلة القوام وطويلة العنق
... ولاتكون ( صهصاهة ) شديدة الصوت ، ولا ( هصلق ) عالية الصوت الأجش ، ولا ( شمشليق ) سريعة فى المشى ، ولا ( هلوف ) لها شعر فى وجهها ، ولا ( سلفع ) متجرأة على الرجال فى المجالس ضحكا ومزحا وهزارا ، حتى لوكانت تحفظ القرآن وحتى لولم تجالسهم
... وأضاف أنه يميل للزوجة التي تتزين بالحياء ، وتبتعد عن مايستفز غيرته ، أويدخل الوسواس في قلبه ، وتقرأ همومه وأحزانه ، وتسأله عن مايضايقه ، وتحتويه ، وتواسيه بحبها وتطمينها ، وتحفظه في ماله ، وبيته ، ونفسها ، وتحفظ أسراره حتى عن أهلها ، وصديقاتها ، وترى في خدمته عبادة وليس عبء تتذمر منه أوتعيّره ، وتحاوره دون صراخ ، واستطرد صديقي قائلا :
. . أريدها ( مرفوعة ) الهامة ، ( منصوبة ) القامة ، ( مجرورة ) الثوب ، ( مجردة ) عن العيب ، ( مربوطة ) الشفتين ، ( مبسوطة ) الكفين ، تطيع فعل ( الأمر ) ، بدون ( إستثناء ) ، وتجيب ( النداء ) ، وتفهم ب ( الإشارة ) من غير عبارة ، ولاتعرف الجمل ( الإعتراضية ) ، ولا ( أفعال الظن ) ، وليس في قاموسها ( لا ، لن ، لم ) ، وضميرها ( متصل ) بضميري ، ( منفصل ) عن غيري ، فإذا طلبت ، فغير ( جازمة ) ، من كل علة ( سالمة ) ، إذا رأيتها ( سبحتُ ) ، وإذا غابت عني ( حوقلتُ ) ، تجاملني ( بالكناية والتصريح ) ، فعلها ( تام صحيح ) ، لاتنازعني في عمل ( الفاعل ) على الإطلاق ، قولي عندها ( معلوم لازم ) بلاطلاق ،
تعاملني ( بالسكون والعطف ) ، أما مالي عندها ف ( ممنوع من الصرف )
... فهنيئا لو وجدت لى مثلها فستكون خير متاع الدنيا ، ومعين ورفيق إلى السعادة في الدنيا والجنة في الٱخرة ، وياحبذا لو تتحلى بالخلق الحسن ، والأدب الرفيع ، فلايُعرف منها بذاءة لسان ، ولاخبث جنان ، ولاسوء عشرة ، بل تتحلى بالطيب والنقاء والصفاء ، وتتزين بحسن الخطاب ولطف المعاملة ، وأن تتقبل النصيحة وتستجيب لها ، ولاتعتاد الجدال والمراء والكبرياء ، وإذا أُعطيت شكرت ، وإذا حُرمت صبرت ، تسرني إذا نظرت ، وتطيعني إذا أمرت ، زوجة تسكُنُ النفس برؤيتها ، ويرضى القلب بحضورها ، فتملأُ المنزل والدنيا سعة وفرحا وسرورا ، ولاتعرف عيب المقال ، ولاتهتدي لمكر الرجال ، فارغة القلب إلا من الزينة لي ، ولاترفع صوتها عليا إذا جادلتني ، وفي غيابي تحفظني في نفسها ومالي ، يعم جمالها جسدا وروحا وعقلا ، ولاتخرج من البيت إلا بإذني ، ودائما مبتسمة وشاكرة ، وتختار الطريقة والوقت والأسلوب والكلمات المناسبة عند طلبها أمر تريده ، ويكون خلقها حسن ، ولاتخرج متبرجة ، وتحرص على طاعة الله ورسوله صل الله عليه وسلم في السر والعلن ، وتكون صالحة قنوعة تصبر على فقر زوجها ، شاكرة لغناه ، وتحث الزوج على صلة أصدقائه وأرحامه ، وتحب الخير وتسعى لنشره ، وتتحلى بالصدق ، وتبتعد عن الكذب ، وتربي أبنائها على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى إحترام وطاعة الوالدين ، ولاتساعدهم على أمر يكرهه أوالإستمرار في الأخطاء ، ولاتغضب ولاتنفعل ، ولاتسخر من الآخرين ، ولاتستهزئ بهم ، وتكون متواضعة بعيدة عن الكبر والفخر والخيلاء ، وتغض بصرها إذا خرجت ، وزاهدة في الدنيا مقبلة على الآخرة ، ترجوا لقاء الله
... قلت له أنك تريد ملاك من الجنة يهبط على الأرض أوأميرة سليلة ملوك ، ولكن ياأخي من المعروف أنه مهما كان الإختيار دقيقا والبحث عميقا قبل الزواج ، فإنه لابد أن تنكشف بعد الزواج لأحد الزوجين أوكليهما بعض الصفات التي لم يرها من قبل في شريك حياته ، إما بسبب الظروف أوالتكلف والتصنع ، وهو ماقد يسبب مشاكل قد تنتهي بالإنفصال ، ولذلك إختلف الرِّجال في إختيارهم للنِّساء ، فالبعض يختارها جميلة كلوحة فنيَّة ، أوصبورة مهما قسى عليها تتحمل ، أوأماًّ تطمئنه بحنانها ، أوطفلة يحيطها بحنانه ، أوقويَّة صامدة أمام كلِّ الظُّروف ، أومثقَّفة ومتعلِّمة وذگيَّة وواسعة البصيرة ، أوبسيطة ضعيفة لاحول لها ولاقوُّة ، وبين هذا وذاك تبقى المرأة هي المرأة
... ياصديقي عليك أن تتريث عندما تختار فتاة العمر وتتعرف على أفكارها وفلسفتها في الحياة ، هل هي خيالية أم واقعية
... وهنا تذكرت قصة للأطفال تأليف ( هانس كرستيان أندرسن ) ، عن الأمير الذي يبحث عن أميرة حقيقية ليتزوجها ، حينها ظهرت أميرة ضاله الطريق وطلبت البيات في قصره ، فقررت الملكة الأم عمل إختبار صغير لهذه الأميرة لمعرفة إن كانت أميرة حقاً ، فوضعت حبة بازلاء على حشية الفراش ثم وضعت فوقها أربع حشايا كاملة ، وطلبت من الأميرة قضاء الليل في هذا الفراش
... وفي الصباح بدت الأميرة مرهقة لأن شيئاً صلباً في الفراش ظل يؤلم ظهرها طيلة الليل ، هنا هتفت الملكة في حماس ( تزوجها يابني فهي أميرة حقيقية ! ) ، ( فقط الأميرة سليلة الملوك هي التي يمكن أن تشعر بحبة بازلاء تحت أربع حشايا )
... وبعد مجهود مضن وبالبحث رأيت الفتاة التي يتمناها صاحبي ، وبدت جميلة رقيقة ، لكني شعرت نوعاً ما بالتصنع والتكلف وادعاء الرقي في سلوكها ، فهي تظهر خلاف ماتبطن تماماً ، وللتصنع حدوداً ولابد من علامة هنا أو هناك تكشف لك حقيقتها ، هناك نصيحة يسدونها للراغبين في الزواج وأجدها حكيمة : أعط الفتاة قطعة من ( العلكة ) أي ( اللبان ) ودعها تمضغها ، وراقبها بحذر سوف تتماسك الفتاة بضع دقائق وتمضغ برقة ، ثم تظهر الفضائح ، سوف تبدأ الطرقعة والإنفجارات ، ( طق ، كراك ! طراق ! ) ، وتلوي فمها في ميوعة ويتساقط اللعاب من شفتيها الغليظتين ، بإختصار سوف تنسى كل الأقنعة الإجتماعية التي وضعتها ، لأن ( اللبان ) له قوة كاسحة ولاتستطيع أي امرأة أن تقاومه ، مالم تكن أميرة حقاً
... وهناك طرق أخرى مثلا ( الأكل ) كاشف قوي للشخصية ، المطربة ( نجاة الصغيرة ) إشتهرت برقتها وصوتها الدافئ ، مما جعل الشاعر ( كامل الشناوي ) يهيم بها عشقاً ، لدرجة أنه ألف فيها ثلاث من أشهر أغانيه ( حبيبها ، أنت قلبي ، لاتكذبي ) لدرجة أنها غنت تلك الأغاني وهي تعلم أنها من أجلها ، وظل يهيم بها حبا ، ولايفارق طيفها ناظره ، حتى رآها يوما في القناطر الخيرية في شم النسيم ، رآها تلتهم الفسيخ في جشع وتلعق أصابعها ، ثم تهشم البصل وتزدرده وكأنها في سوق الخضار وتقذف في جوفها بخمسة أرغفة ، حينها سقطت تماماً من نظره فراجع نفسه ، وشفي من عشقه المجنون لها وندم على مافات وتاب وأناب ورجع
... روى لي صديقي هذا أنه إتصل ذات مرة بشركة سياحة يؤكد حجز رحلة ، فردت عليه فتاة تتكلم بكبرياء وأنفة وتتقمص شخصية أولاد الذوات إل ( فرست كلاس ) وقالت :
. . ( بالتأكيد يا فندم ، لالزوم للكونفيرميشن ، لأن البوكنج موجود هنا ، الفاوشر معك ، ويمكنك أن تقوم بعمل كانسل في أية لحظة ، بليز دو.. هانج أون ) ، وكأنها تجد صعوبة بالغة في العثور على أي كلمة عربية مناسبة
. . وبدأت ( تملّيه ) رقم الرحلة ، وفجأة حدث خلل في الكمبيوتر ، فراحت تكبس المفاتيح في عصبية ، ثم دوى صوتها الغليظ الحقيقى وكأنها تتشاجر في سوق العبور وانكشفت شخصيتها الحقيقية قائلة :
(( ''يا دي السخام !! '' ))
... يقول صديقى ( كنت أول مرة أسمع تلك الكلمة وللحظة خيل لي أنها تستعمل لفظ إيطالى أوهولندي لاأعرفه ، ثم فطنت أنها تتكلم بالعربية العامية
... ولما بحث صديقي لاحقا عن المعنى اللغوي لكلمة (( السخام )) ، وجد له مرادفات ، السخام في لسان العرب : ريش سُخامٌ أَي ليّن الملمس ورقيق ، وشرابٌ سُخامٌ ، وطعام سُخامٌ ليّن ومُسْتَرْسل ، وقيل : السُّخام من الشَّعَر الأَسودُ ، والسُّخامُ ، بالضم : سواد القِدْر ، ومنها (( وقد سَخَّمَ وجهَه أَي سوّده )) ، والسُّخامُ الفَحْمُ ، والسَّخَم : السواد ، وقد يقصد بها ماينتج من مصابيح الزيت من سواد (( الهباب والكربون الأسود )) ، وتستخدم كلمة (( سخام وشحار )) في اللهجات الشامية للتعبير عن المصيبة ، ويقابلها (( الهباب )) في اللهجة المصرية
... ولأنني لست من طبقة مرفهة أو ثرية ، وقد تعاملت بحكم عملي مع طبقات فقيرة جداً في أسفل السلم الإجتماعي ، لكن دعني أؤكد لك أنني لم أسمع (( يادي السخام )) على الإطلاق من أي شخص قبل ذلك ! طبعاً يمكن إستنتاجا أنها تقول (( يا للكارثة ! )) بطريقتها الراقية الخاصة بها
... ويستكمل صديقى قصته ففي اللحظة التالية إستردت وعيها فعادت تقول : (( سوري يافندم الشاشة فروزن حالياً ، لوأنك كولد باك خلال ساعة فلربما احم .. شكراً لاتصالك )) ، وضعت السماعة وأنا أكاد أموت ضحكاً ، وقررت أنني لن أتزوج هذه الفتاة بالذات لوقررت الزواج
... صارحت صديقي بهواجسي نحو المرأة المتكلفة المتصنعة ، فقال لي وماذا أفعل؟! ، قلت له : لتتعرف على حقيقة الشخصية بدون تصنع أوتكلف عليك بالٱتي : إما أن تقنع فتاتك بالنوم على حبة بازلاء تحت أربع حشايا ، وإما أن تعطيها قطعة ( لبان ) ، أو تراقب رد فعلها لوحدث خلل في الكمبيوتر
... لم يبد له أي حل مقنعاً ، حتى فكرة ( اللبان ) ستبدو غريبة جداً عندما يعطيها إياها ويراقبها في حذر
... ونحن كذلك تذكرنا أن ( شم النسيم ) على الأبواب فاقترحت عليه أن يدعو خطيبته لأكلة فسيخ في القناطر الخيرية ، فسألني في بلاهة عما إذا كانت طريقتها في أكل الفسيخ سوف تفضحها ، قلت له ، أنت لم تتعلم شيئاً ، لوقبلت أكل الفسيخ أصلاً فهي تنتمي لعالم الرعاع وليس الأميرات ولاتصلح لك ياصديقى
... وحتى هذه اللحظة لاأعرف ماتوصل إليه صديقي ، لكني أرجح أنه سيخدع نفسه وسوف يتزوجها في جميع الأحوال ، حتى لوكانت تلتهم طناً من الفسيخ ، مع عشرة أرغفة من الخبز ، وحتى لوقالت له بعد الأكل (( يا دي السخام ! )) لأننا لانرى سوى ما نريد أن نراه ف ( عين الرضا عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي المساويا )
... وفي الختام أؤكد على حاجتا إلى حياة البساطة والعفوية بلارتوش ، ونكون على طبيعتنا ، ونختزل كل ذلك التصنع والتكلف المزيف ، حينها سنحيا الحياة الحقيقية ، مع التخلى عن بعض الطباع المكتسبة الكاذبة
... أخي ، أختي كُن ( أنتَ ) في جميعِ أحوالِك ، لأن حبلُ التصنُّعِ والزّيف والتكلُّف قصير جداً ، ومجهد جداً لك ولغيرك ، وأحرص أن تحب الأمور البسيطة ، وتبتعد عن التكلف والتصنع ، وتتعامل بطريقة متساوية مع كل من حولك ، وتبني معهم علاقات مثالية ، وكن متواضعا ولاتكن نسخة مقلدة بعيدة عن الأصل
... ولاتحاول التغيير من سلوكك لأجل الأشياء ولاحتى لأجل البشر ، أن تكون نفسك ، لاتجامل ولاتنافق ، بل تعامل مع الكل بماهم أهل له ، حينها ستكون إنسانا تمتلىء بالحب وتشع نوراً وعطاءً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق