الخميس، 20 يونيو 2024

قصة قصيرة الأفعى والطاووس بقلم عبد الكريم علمي

قصة قصيرة: الأفعى والطاووس.

يُحكى أن أفعى أرادت إيقاع طاووس في شَرَكِ حُبِّها وحبائل مكرها، وحاولت استدراجه بشتى الوسائل والطَّرائق، لِتُوقعه في فخها وتظفر به، لكنه كان يتمنع ويرفض، ولا يتجاوب مع حركات الإغراء والإغواء التي ما فتئت تقوم بها أمامه، وظل على موقفه ذاك زمنا طويلا، ولم تيأس هي من مُحاولاتها، فقد ظلت على عزمها ومثابرتها لا تفتر، ولا تكل ولا تمل، إلى أن لان لها قلبه وانقاد لها عقله، ورضي بالزواج منها، والسَّكن معها في الخراب والقفار مثلما أشارت عليه.

ثم بعد ذلك اقترحت عليه أن يُصاحبها إلى مقر سُكناها، الذي سيكون عُشّ الزوجية لهما، وترافقا إلى أن وصلا عند أطلال في مكان قفْرٍ، وهناك عمدت إلى قتله، ثم قالت له بسخرية فيها نقمة وتَشَفٍّ: لقد أتعبتني في اصطيادك أيها الحقير، ولم يحدث أبدا أن أتعبني أحدٌ من قبل كما فعلتَ أنت، كنتُ إذا أردتُ اصطياد أحدهم، أنظر إليه نظرة فيها الكثير من المعاني، فيختل توازنه وتدور عيناه في رأسه، كالذي يُغشى عليه من الصّرع أو الحُمّى، فما يدري بنفسه إلا وهو يسير خلفي مُقتفيا أثري، ثم أعمد إلى افتراسه بكل سهولة ويُسر، أما أنت فلستُ أدري لماذا كنت صعبا هكذا؟! ولكن صعبًا أو أشدّ صعوبة فها أنا قد افترستك وانقضى الأمر، وذلك ما كنتُ لأجله أسعى وأُريد، فَـ: (تْفُوهْ) عليك يا حبيبي الصَّعب، يا أيها المُعجب بنفسه جمالا ودلالا وتيهًا، إن الجمال يجعل صاحبه مغرورا، مُتعاليا، تيَّاها صلفا. 

إن الأفعى أيها الأبله الأخرق، لا تتزوج إلا من الأفعوان، وأنا أفعى ابنة أفعى وأفتخر، من سلالة الأفاعي أبا عن جد، فأنعم وأكرم بهذا النسب الأصيل العريق رغما عن أنف كل أحد، فنحن لا نُغيِّرُ طبعنا، ولا نُهادنُ خصومنا، ولا نُعطي الدَّنيَّة في حقوقنا، ولا نُفرِّطُ في أيِّ شيء له علاقة بنا، والكل يعرفنا ولا أحد يجهلنا، والويل ثم الويل وكل الويل والويلات لمن يحتج علينا ويقدحُ فينا، أو يُحاول اعتراض طريقنا ومنعنا من الوصول إلى أهدافنا ومصالحنا، فحينها لن تثكله أمه فقط، بل وقومه جميعا وكل الدنيا، فلا يغتر فينا أحد، فنحن إذا قلنا فعلنا، وإذا عزمنا أمضينا، وإذا توعَّدنا أنجزنا، واسمنا يكفي للدلالة علينا لمن تعسَّرَ فهمُهُ في إدراك حقيقتنا. 

وأما غرضي من كل هذا فلأنه أعجبني ريشك الجميل، وأردتُ أن أفرش به الجحر، الذي سأتزوج فيه مع حبيبي الأفعوان، سيكون ريشك مَهْرًا قَيِّمًا أقدِّمُه له، ولحمك طعامُ عُرسنا، يأكله أُفعواني الجميل ليتقوَّى به.

لقد طالت خِطبتي له وعجزتُ عن إمهاره، حتى خِفتُ أن تخطفه مني غيري، فأنثى الأفاعي مثلما هي بارعة في اصطياد فرائس الطعام، هي أيضا بارعة في اصطياد الشَّريك، سواء أكان حُرًّا خَلِيًّا، أم مرتبطا بخطبة أو زواج مع أخرى، هكذا هي الأفعى...، فمن أراد أن يكون مُسيطرا ومُتحكما وفائزا دائما، فليتعلم علومنا، وليتسلح بأسلحتنا، فما خاب من كان مثلنا أوتشبَّهَ بنا... .

إن سبب انتكاسة مسعاي وخيبة أملي ورجائي، والعقبة الكأداء التي عرقلتني وأخَّرَتني، كنتَ أنت أيها الطاووس المغرور، بتمنُّعِكَ وإعجابك بنفسك، وإلا لكنتُ قد تزوجتُهُ منذ زمن، فنحن قوم الأفاعي والحَيَّات: الأنثى هي التي تُقدِّم المَهر للذكر لتتزوجه، وهي التي تتحمَّل نفقات الزواج وأعباءَهُ، وهي أيضا التي تتحمل تبعات مسؤولية الأسرة بعد ذلك، الآن باستطاعتي تعجيل الزواج، سأدخلُ به الآن عروسا.

ثم تابعت كلامها في نفسها: آ..هٍ لو أستطيع اصطياد مُغفل آخر منهم، لأجعل من ريشه غطاءً بعدما وفَّرتُ الفراش، ولكن الطواويس مغرورة، وأغلبُ الظن أنني لن أتمكن من اصطياد تافه مغرور آخر منهم مرة أخرى، فَهُم شديدو الإباء والتَّمنُّع، سيكفيني ريشُ بُومٍ أو غُرابٍ أو فرُّوج دجاجٍ، لو أنني أتمكن من الظَّفر بأحدهم، وهؤلاء أسهلُ صيدًا من الطواويس.  

الآن ارتاح بالي وهدأت نفسي، سيطمئن حبيبي الأفعوان إلى حُسن قبوله ورضاه في التي اختارته وتزوجته، ويتأكد من أنه بمقدوري إعالته والقيام على شؤونه، فتكون لي حُظوة خاصة في قلبه، ولا يُفكر أبدا في خيانتي مع أفعى أخرى، أو يملَّ مني ويُطالبني بتطليقه، فمعي أنا فقط سيجد سعادة الأفاعي الحقيقيات... . 

              بقلم: عبد الكريم علمي
              الجمهورية الجزائرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اغضب بقلم أحمد الكندودي

  اِغضب  *** اغضب لرد نخوتك التي  داسها جرو... فقد الملة  والهوية عجب ثر على صمتك عجزك ونقصك  ويأسك اِحرق  في النقس والعقلية كل خرافة... وشط...