السبت، 22 يونيو 2024

حقيبة الجراح بقلم مفلح شحادة شحادة

حقيبة الجراح

في غمرة الحياة، حيث تتشابك خيوط الفرح بوشايات الألم، كل منا يحمل عبر متاهات الزمن حقيبة له؛ حقيبة غير مرئية، متخمة بخفايا الأرواح وصدى الذكريات. "حقيبة الجراح"، اسم أطلقته على رفيقتي الدائمة، التي تحتوي بين جنباتها على فصول من الآلام والأحلام، على نزف الجروح ونبض الأمل.

هذه الحقيبة، بكل جرحٍ تحويه، هي أمانة الزمن في يدي. جراحها ليست مجرد آثار عبور الأيام، بل هي نقوش تخطتها الحياة على جدران قلبي؛ نقوش تروي قصص السقوط والنهوض، الدمعة والابتسامة، اليأس والإصرار. كل جرح فيها يحمل عبق قصة استثنائية، بحيث تتحول الألم إلى فن، والندوب إلى لوحات تُزين معرض الروح.

أفتح حقيبتي، لا لتفريغ محتواها، بل لاستلهام القوة من آلامها. ففي كل لحظة ضعف، تذكرني جراحي بأن كل قطرة دمع كانت لها ثمنا في سوق التجارب. علمتني أن الحياة لا تمنح الصلابة إلا لمن يجرؤون على مواجهة العواصف بصدور مفتوحة، لمن يتقبلون الجراح كدروس، لا كنهايات.

مع كل نبض للجرح، تزهر في الروح حكمة، تحبس في أعماقها سر الوجود؛ تلك الحكمة التي تعلمنا أن لكل دمعة سبب ولكل جرح أثر يتبعه شفاء. الجراح تعلمنا أن نقدر اللحظة، أن نعشق الحياة بكل تناقضاتها، وأن ننظر إلى ما بعد الأفق بعيون متجددة الأمل.

أمام سطوتها نتعلم الشجاعة، نتعلم أن نفتح أبواب قلوبنا للرياح، مهما كان قسوتها. نتعلم أن في قلب كل عاصفة ملاذًا هادئًا، وأن بعد كل ليل فجرًا يشرق بنور اليقين. "حقيبة الجراح" ليست سوى تذكرتنا لهذه الرحلة الإنسانية، التي تعلمنا كيف نعانق الحياة بكل ما فيها؛ كيف نبتسم للأمل وننحني بتواضع أمام عظمة التجربة.

فلنحمل حقائبنا بفخر، لا بثقل، معتبرين كل جرح فيها بابًا لفهم أعمق، قوة أكبر، وقلب أوسع. فالجروح لا تهزمنا، بل تبنينا أقوى مما كنا عليه، تمنحنا الشجاعة لنرسم على جدار الزمن روائع الصمود والأمل.

أيها المسافرون في رحلة العمر، "حقيبة الجراح" هي جواز عبورنا نحو اكتشاف جمال الروح وعظمة الوجود؛ فلنتعلم أن نحملها بكل ما تملك من آلام وأماني، وأن نستمر بالمسير نحو النور، مزودين بحكمة الجراح وشجاعة القلب.

دكتور مفلح شحادة شحادة كاتب وشاعر المانيا



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

أنا جندي بقلم عبد الصاحب الأميري

أنا جندي عبد الصاحب الأميري  &&&&&&&&&&&&& حين تخنقني العبرة،،  حين ينصب الظلم خيامه ع...