** لاعيش ، لاحرية ، لاعدالة إجتماعية **
بقلمي : د/علوي القاضي.
... في اللقاء الأسبوعي مع الأحبة دائما نطرق موضوعا للنقاش ، ويدل كل منا بدلوه ، ويبوح بما يجول بخاطره فتتباين الٱراء ، وتختلف وجهات النظر ، وفى نهاية الجلسة نخرج بتوصيات ، تثري ثقافتنا ، أو تهدينا قيمة أخلاقية ، أوترسم لنا معالم على طريق المستقبل ، وكان موضوع المناقشة في هذا اللقاء بعنوان ( جبلاية القرود ) ، ولا أخفي غرابة هذا العنوان ففيه إسقاط كبير على ماتعانيه شعوب الدول النامية من غياب العدالة الإجتماعية ، فالعدل أساس الملك ، والعدالة الإجتماعية أساس السلام الإجتماعي
... بدأت الجلسة بشرح تجربة علمية :
... قام علماء النفس والإجتماع بتجربة أجروها على قردين في قفصين متجاورين على ثلاث مراحل :
... في ( الأولى ) الحارس أعطى كل قرد حصوة صغيرة ، ثم طلب منهما إعادتها إليه ، ثم منح كل قرد مكافأة ، القرد ( الأول ) أعاد الحصوة للحارس ، فأعطاه شريحة خيار ، فقفز القرد من الفرحة ، وراح يلتهم الخيار بشهية وسعادة ، القرد ( الثاني ) أعاد الحصوة للحارس ، فأعطاه موزة كبيرة ، وهي مكافأة ألذ وأطعم ، وعندما شاهد القرد الأول ذلك بدأت حماسته للخيار تضيع
... في ( الثانية ) ، القرد الأول أعاد الحصوة فأعطاه الحارس شريحة الخيار فأخذها ، لكن القرد أصبح بلا حماس ولم يأكل منها ، وانتظر حتى يرى مكافأة القرد الثاني ، فلما وجدها موزة كبيرة ، ألقى الخيار في وجه الحارس غاضبا
... في ( الثالثة ) أعطى الحارس القرد الأول الحصوة فألقى الحصوة مباشرة في وجه الحارس ، ولم ينتظر المكافأة ، مع أنه كان في المرة الأولى سعيداً بشريحة الخيار ، ولكن عندما رأى غيره يقوم بنفس الجهد ويحصل على أجر أكبر ، كره الخيار وحارسه الذي كان يحبه
... أيها الأحبة ، أثبت علماء النفس والإجتماع بهذه التجربة أن العدالة الإجتماعية ، فطرية وليست مكتسبة ، وليست مطلباً مبالغاً فيه ، فالعدل أساس الملك والرضا والسلام الإجتماعي واستقامة الحياة ، وهذا مانفتقده كبشر أشد إفتقاد في حياتنا
... وتوالت التعليقات من الحضور ، وتزاحمت الأفكار ، وتعالت الأصوات ، وكان مايلي مااستطعت تسجيله :
... أنا اللي فهمته من التجربة إن الإنسان يظل سعيدا بمامعه ، حتى يرى مافي يد غيره فيتمرد عل ماعنده ، لأن ربنا خلقنا درجات ، فينا الغني وفينا الفقير ، وطلب منا الرضا ، على عكس الحيوانات كلها نفس المستوى الفكري والغريزي ، فلا يملكون عقلا يعرفون به أن الله له حكمة في توزيع الأرزاق
... فهمك هذا ياأخى يخص التجارة والأعمال الحرة فقط ، حيث أن كل واحد ومجهوده ورزقه ، أما فى العمل الواحد ، والأداء الواحد ، والمؤهل الواحد ، والتساوى فى كل شىء ، فالمساواة هى قمة العدل ، والقرد في التجربة أدى نفس عمل زميله ولكن الأجر إختلف !
... هذه التجربة العلمية رائعة ، الذين يتكلمون عن الرضا بالمقسوم أخطأوا التوجة ، فالقرد لم يتمرد على عطاء الله وإنما على غياب العدل عند الحارس ، وسلوك القرد سلوك غريزي بامتياز ، أنا عندما أقوم بعمل وآخر يقوم بنفس العمل ويتقاضى من صاحب العمل أجراً أعلى وأسكت ، فأنا مستكين لصاحب العمل ، وهذا السلوك ليس سلوكاً سويا ، بل السلوك السوي أن أطالب بحقي بنفس الأجر وأحتج لفساد العدالة ، أما أرزاق الله فهي مقسمة بحكمة بالغة ، ومايفوتك في الدنيا ستلقاه في الآخرة ، وهنا الرضا صفة محمودة لأن الله عادل لايظلم مثقال ذرة ، والحياة إمتحان فإذا كان الممتحن عادلاً ، فعليك الرضا والقبول
... كلام حضرتك منطقي ، لكن ماذا يكون الرد ، إذا الشخص الذي يقوم بنفس العمل ، ويحصل على أجر أكبر منك ، بسبب سوء العدل من المدير ، يقول لك إرض بما قسمه الله لك ، بمعنى أن الله يعلم أن هذا الظالم لن يعدل فى الأجر ، فارض بما وصل لك ، فهذا ظلم لايرضي الله
... ليس هناك شىء إسمه المقسوم ، ومن يرض بهذا المقسوم ربنا يحاسبه في الدنيا والٱخرة على التفريط في حقه ، كفانا من مهازل السفلة شيوخ السلطان الذين يقنعوك أن الفقراء أحباب الله لتترك حقك وترض بالظلم ، لعنة الله عليهم وعلى السلطان
... الرضا بما قرره المدير شيء فيه ظلم ، أماالإحتجاج أو ترك العمل فخاضع للظروف الخاصة للمظلوم ، وهذه لايمكن حصرها ، أما الرضا بماقسمه الله لك فهو بينك وبين الله ، والرضا هنا واجب لأن خسارتك في الدنيا يعوضها الله عليك أضعافاً يوم القيامة ( وللآخرة خير وأبقى ) ، هذا فيما يقسمه الله لك ، أما قسمة البشر الظالمة فلا تقبلها
... كلام حضرتك إفتراضي لاأصل له ، في الواقع صاحب العمل هدفه الربح ، وأكيد سيفضل المجتهد لأنه سيزيد ربح المؤسسة ، لو أنا أتقاضى أقل من غيري ربما هو يرى مزايا في الآخر لايراها فيّ
... في الوظائف لايوجد تشريعات خاصة بكل إنسان ، وفي الأعمال الفردية يكون الفارق ( محسوباً ) لامجال فيه للرأي ، أو ( غير محسوب ) ، تابعاً لأهواء صاحب العمل ، وهذا ظلم
... لا ، بل أخطأ صاحب العمل ، لأن الحياة ليست عادلة ، ولورأيناها بهذا المنظور سنتعس جميعا ! ، والتجربة تدل على أن الحسد موجود في الغريزة
... التمييز الظالم لاتحسه ، غير لما يبقى معاك نفس الشهادة ، ونفس المؤهل للوظيفة ويعينوا غيرك وأقل كفاءة بالواسطة
... رأيتها مرارا ، ولكني هنا أبدي رأيي في التجربة بموضوعية ، حتى على حساب مشاعري ، نحن بشر وتفكيرنا لازم يكون راقي
... إن كان الأمر صحيح في جزء من التجربة ، فالأصح إن الانسان مختلف وتميز بعقله عن باقي المخلوقات ، لأن كل المخلوقات عرض عليهم حمل الأمانة ، ومن بينهم السموات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها ، وحملها الانسان ، إنه كان ظلوما لنفسه ، جهولا بتبعاتها ، ولما تحمل الإنسان الأمانة أصبح مطالب بأن يتبع كل ماأمر الله به وينتهي عما نهي الله عنه ، وبالتالي الرضا والقناعه بما كتبه الله لك من رزق أيا كان قليلا أو كثيرا فهذا ماأمر الله به ، ونهى عن الطمع ، والنظر لما في يد الأخرين ، كي لاتسوء النفوس وتدمر الإنسانية ويعتدي بعضنا علي الٱخر وهذا رأيي
... الرضا والقناعه وحمد الله وشكره ، لاأحد يختلف معك وتمنيك الخير للناس لن ينقص من رزقك شيء ، لكن هو حضرتك بتتكلم عن القوانين الظالمة ، وهذا واقع نحن نعيشه ، وحضرتك شايف الواسطة ، وعدم تكافؤ الفرص ، وقال الحبيب فى الحديث مامعناه ( من ولى أحد أمرا وفى الناس أفضل منه لايدخل الجنه ولايشم رائحتها )
... الحديث هنا عن العدل وتجنب الظلم الذى حرمه الله على نفسه ، وجعله محرما بين عباده ، وقال فلاتظالموا ، أما حديثك عن الرضا والقناعة بالرزق فليس هذا محله ، ويعتبر خلط بين المفاهيم المتكاملة بحيث يبدوا الأمر متناقضا ، كما أثبتت نفس التجربة أنك ستعيش سعيدا ، لو لم تطلع لما في أيد غيرك
... إزهد في الدنيا يحبك الله وازهد مافي أيد الناس يحبك الناس
... وإلى لقاء في الجزء الثاني لإستكمال النقاش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق