الجمعة، 19 يوليو 2024

٠في جبلاية القرود ٠(1)٠ بقلم علوي القاضي

٠(1)٠في جبلاية القرود ٠(1)٠
** لاعيش ، لاحرية ، لاعدالة إجتماعية **
بقلمي : د/علوي القاضي.
... في اللقاء الأسبوعي مع الأحبة دائما نطرق موضوعا للنقاش ، ويدل كل منا بدلوه ، ويبوح بما يجول بخاطره فتتباين الٱراء ، وتختلف وجهات النظر ، وفى نهاية الجلسة نخرج بتوصيات ، تثري ثقافتنا ، أو تهدينا قيمة أخلاقية ، أوترسم لنا معالم على طريق المستقبل ، وكان موضوع المناقشة في هذا اللقاء بعنوان ( جبلاية القرود ) ، ولا أخفي غرابة هذا العنوان ففيه إسقاط كبير على ماتعانيه شعوب الدول النامية من غياب العدالة الإجتماعية ، فالعدل أساس الملك ، والعدالة الإجتماعية أساس السلام الإجتماعي 
... بدأت الجلسة بشرح تجربة علمية : 
... قام علماء النفس والإجتماع بتجربة أجروها على قردين في قفصين متجاورين على ثلاث مراحل :
... في ( الأولى ) الحارس أعطى كل قرد حصوة صغيرة ، ثم طلب منهما إعادتها إليه ، ثم منح كل قرد مكافأة ، القرد ( الأول ) أعاد الحصوة للحارس ، فأعطاه شريحة خيار ، فقفز القرد من الفرحة ، وراح يلتهم الخيار بشهية وسعادة ، القرد ( الثاني ) أعاد الحصوة للحارس ، فأعطاه موزة كبيرة ، وهي مكافأة ألذ وأطعم ، وعندما شاهد القرد الأول ذلك بدأت حماسته للخيار تضيع 
... في ( الثانية ) ، القرد الأول أعاد الحصوة فأعطاه الحارس شريحة الخيار فأخذها ، لكن القرد أصبح بلا حماس ولم يأكل منها ، وانتظر حتى يرى مكافأة القرد الثاني ، فلما وجدها موزة كبيرة ، ألقى الخيار في وجه الحارس غاضبا  
... في ( الثالثة ) أعطى الحارس القرد الأول الحصوة فألقى الحصوة مباشرة في وجه الحارس ، ولم ينتظر المكافأة ، مع أنه كان في المرة الأولى سعيداً بشريحة الخيار ، ولكن عندما رأى غيره يقوم بنفس الجهد ويحصل على أجر أكبر ، كره الخيار وحارسه الذي كان يحبه 
... أيها الأحبة ، أثبت علماء النفس والإجتماع بهذه التجربة أن العدالة الإجتماعية ، فطرية وليست مكتسبة ، وليست مطلباً مبالغاً فيه ، فالعدل أساس الملك والرضا والسلام الإجتماعي واستقامة الحياة ، وهذا مانفتقده كبشر أشد إفتقاد في حياتنا
... وتوالت التعليقات من الحضور ، وتزاحمت الأفكار ، وتعالت الأصوات ، وكان مايلي مااستطعت تسجيله :
... أنا اللي فهمته من التجربة إن الإنسان يظل سعيدا بمامعه ، حتى يرى مافي يد غيره فيتمرد عل ماعنده ، لأن ربنا خلقنا درجات ، فينا الغني وفينا الفقير ، وطلب منا الرضا ، على عكس الحيوانات كلها نفس المستوى الفكري والغريزي ، فلا يملكون عقلا يعرفون به أن الله له حكمة في توزيع الأرزاق
... فهمك هذا ياأخى يخص التجارة والأعمال الحرة فقط ، حيث أن كل واحد ومجهوده ورزقه ، أما فى العمل الواحد ، والأداء الواحد ، والمؤهل الواحد ، والتساوى فى كل شىء ، فالمساواة هى قمة العدل ، والقرد في التجربة أدى نفس عمل زميله ولكن الأجر إختلف !
... هذه التجربة العلمية رائعة ، الذين يتكلمون عن الرضا بالمقسوم أخطأوا التوجة ، فالقرد لم يتمرد على عطاء الله وإنما على غياب العدل عند الحارس ، وسلوك القرد سلوك غريزي بامتياز ، أنا عندما أقوم بعمل وآخر يقوم بنفس العمل ويتقاضى من صاحب العمل أجراً أعلى وأسكت ، فأنا مستكين لصاحب العمل ، وهذا السلوك ليس سلوكاً سويا ، بل السلوك السوي أن أطالب بحقي بنفس الأجر وأحتج لفساد العدالة ، أما أرزاق الله فهي مقسمة بحكمة بالغة ، ومايفوتك في الدنيا ستلقاه في الآخرة ، وهنا الرضا صفة محمودة لأن الله عادل لايظلم مثقال ذرة ، والحياة إمتحان فإذا كان الممتحن عادلاً ، فعليك الرضا والقبول 
... كلام حضرتك منطقي ، لكن ماذا يكون الرد ، إذا الشخص الذي يقوم بنفس العمل ، ويحصل على أجر أكبر منك ، بسبب سوء العدل من المدير ، يقول لك إرض بما قسمه الله لك ، بمعنى أن الله يعلم أن هذا الظالم لن يعدل فى الأجر ، فارض بما وصل لك ، فهذا ظلم لايرضي الله
... ليس هناك شىء إسمه المقسوم ، ومن يرض بهذا المقسوم ربنا يحاسبه في الدنيا والٱخرة على التفريط في حقه ، كفانا من مهازل السفلة شيوخ السلطان الذين يقنعوك أن الفقراء أحباب الله لتترك حقك وترض بالظلم ، لعنة الله عليهم وعلى السلطان
... الرضا بما قرره المدير شيء فيه ظلم ، أماالإحتجاج أو ترك العمل فخاضع للظروف الخاصة للمظلوم ، وهذه لايمكن حصرها ، أما الرضا بماقسمه الله لك فهو بينك وبين الله ، والرضا هنا واجب لأن خسارتك في الدنيا يعوضها الله عليك أضعافاً يوم القيامة ( وللآخرة خير وأبقى ) ، هذا فيما يقسمه الله لك ، أما قسمة البشر الظالمة فلا تقبلها 
... كلام حضرتك إفتراضي لاأصل له ، في الواقع صاحب العمل هدفه الربح ، وأكيد سيفضل المجتهد لأنه سيزيد ربح المؤسسة ، لو أنا أتقاضى أقل من غيري ربما هو يرى مزايا في الآخر لايراها فيّ
... في الوظائف لايوجد تشريعات خاصة بكل إنسان ، وفي الأعمال الفردية يكون الفارق ( محسوباً ) لامجال فيه للرأي ، أو ( غير محسوب ) ، تابعاً لأهواء صاحب العمل ، وهذا ظلم 
... لا ، بل أخطأ صاحب العمل ، لأن الحياة ليست عادلة ، ولورأيناها بهذا المنظور سنتعس جميعا ! ، والتجربة تدل على أن الحسد موجود في الغريزة
... التمييز الظالم لاتحسه ، غير لما يبقى معاك نفس الشهادة ، ونفس المؤهل للوظيفة ويعينوا غيرك وأقل كفاءة بالواسطة 
... رأيتها مرارا ، ولكني هنا أبدي رأيي في التجربة بموضوعية ، حتى على حساب مشاعري ، نحن بشر وتفكيرنا لازم يكون راقي
... إن كان الأمر صحيح في جزء من التجربة ، فالأصح إن الانسان مختلف وتميز بعقله عن باقي المخلوقات ، لأن كل المخلوقات عرض عليهم حمل الأمانة ، ومن بينهم السموات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها ، وحملها الانسان ، إنه كان ظلوما لنفسه ، جهولا بتبعاتها ، ولما تحمل الإنسان الأمانة أصبح مطالب بأن يتبع كل ماأمر الله به وينتهي عما نهي الله عنه ، وبالتالي الرضا والقناعه بما كتبه الله لك من رزق أيا كان قليلا أو كثيرا فهذا ماأمر الله به ، ونهى عن الطمع ، والنظر لما في يد الأخرين ، كي لاتسوء النفوس وتدمر الإنسانية ويعتدي بعضنا علي الٱخر وهذا رأيي
... الرضا والقناعه وحمد الله وشكره ، لاأحد يختلف معك وتمنيك الخير للناس لن ينقص من رزقك شيء ، لكن هو حضرتك بتتكلم عن القوانين الظالمة ، وهذا واقع نحن نعيشه ، وحضرتك شايف الواسطة ، وعدم تكافؤ الفرص ، وقال الحبيب فى الحديث مامعناه ( من ولى أحد أمرا وفى الناس أفضل منه لايدخل الجنه ولايشم رائحتها )
... الحديث هنا عن العدل وتجنب الظلم الذى حرمه الله على نفسه ، وجعله محرما بين عباده ، وقال فلاتظالموا ، أما حديثك عن الرضا والقناعة بالرزق فليس هذا محله ، ويعتبر خلط بين المفاهيم المتكاملة بحيث يبدوا الأمر متناقضا ، كما أثبتت نفس التجربة أنك ستعيش سعيدا ، لو لم تطلع لما في أيد غيرك
... إزهد في الدنيا يحبك الله وازهد مافي أيد الناس يحبك الناس
... وإلى لقاء في الجزء الثاني لإستكمال النقاش
... تحياتى ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ليتني أقرأك بشفاهي بقلم رفيعة الخزناجي

  ليتني أقرأك بشفاهي  أسطورة عشق أبدية  وأتنفس حبك بجنون وأحس النبض المسائي وأعيش متعة الثمالة  وألثم .... جبين القمر وألمس  شامة خدك   وأبل...