السبت، 27 يوليو 2024

حتى أنت يابروتس«(3)» بقلم علوي القاضي

«(3)»حتى أنت يابروتس«(3)»
بقلمي : د/علوي القاضي.
... في الجزء ( الأول ) ذكرت أن المؤرخين إعتبروا أن إغتيال ( يوليوس قيصر ) على يد صديقه وإبنه بالتبني ( بروتوس ) ، يعتبر أشهر مواقف الخيانة والغدر في التاريخ الحديث ، وسبقه قتل ( قابيل ) أخيه ( هابيل ) في بداية البشرية ، وأوضحت وبينت فداحة الدمار الإنساني والنفسي والمجتمعي المترتب على الخيانة والغدر ، وبالذات فى الحياة الزوجية ( أسبابها والعوامل المؤدية لها ونتائجها واقتراح الحلول ) ، وفى الجزء ( الثانى ) أوضحت في قصة إغتيال يوليوس قيصر ، كيف أن الخيانة من الأقربين ، ماهى إلا طعنة فى الروح والضمير والمبادئ والشرف والنفس والقلب وليست فى الجسد ومايحزن الشجر إلا أن يد الفأس منها ، وتكون النهاية الحتمية لكل العلاقات ومظاهر الحياة
... ولأننا لسنا في المدينة الفاضلة ، فكم من بروتس الٱن يتواجد حولنا في كل مكان ؟! ، كم إنسان وثقنا به وأعطيناه مفاتيح قلوبنا وجعلناه مخزن أسرارنا ولم تأتنا الطعنة إلا من خلاله ؟! ، كم شخصا أوليناه عنايتنا ، وأودعناه ثقتنا ، فذبحها بسكين الغدر وتعلو وجهه علامات التشفي ؟! ، كم من حبيب جعلناه نصب أعيننا في العالم أجمع ، وأقمنا له تماثيل الوفاء في كل ميادين حياتنا ، فحطمها جميعها بدون أدنى مبرر ؟! ، كم من صديق ظننت من شدة إخلاصه لك أنه أخ لم تلده أمك ، ومن رحم أمك ، ولايفصله عنك سوى إسم لايساوى شيئا أمام أخوتكم الوفية ، ثم إكتشفت فجأة أن الرحم يلفظ حقا السيئ والحسن في أن واحد ؟!
... نماذج كثيرة جدا مر بها جل البشر علي تلك الأرض منذ بدء الخليقة وإلى قيام الساعة ، نماذج نظل مابقي من عمرنا نتساءل في كل لحظة من هم ؟! ، ولماذا فعلوا ذلك ؟! ، وهل كنا سذجا لتلك الدرجة ، التى حجبت وجوههم عنا ، وراء قناع الإخلاص والتفانى الذى ظلوا يلبسونه طوال الوقت أمامنا ؟! ، أم أننا ومنذ البداية نعى بعقولنا تمام حقيقتهم المؤلمة ، ولكننا دوما نتغاضي عنها ، ونرسم الوهم في عقولنا ، حتى لاتتضح لنا صورتهم السيئة ونخسرهم الى الأبد ؟! ، فعين الرضا عن كل عيب كليلة ، وعين السخط تبدي المساويا ، فالحياة من حولنا مملوءة عن ٱخرها ، وتعج بأحفاد بروتس الذين يغرسون خناجرهم في قلوبنا في كل لحظة ، دون إثم إرتكبناه أو ذنب نستحق عليه طعناتهم ، والأدهى من ذلك أنهم يغلفون خيانتهم لنا ، بغلاف البراءة فيسوقون المبررات والحجج الواهية والكاذبة ، لتبرير فعلتهم تلك ، بل ويصور لهم شيطان أنفسهم بأنهم الضحية وليسوا الجناة ، ويستمرون في رحلة الكذب حتى يصدقوا أنفسهم ، فماذا نفعل في أشباه بروتس المتواجدين حولنا في كل مكان ؟! ، هل نفقد الثقة في كل من إقترب منا ؟! ، أم هل نتلفت حولنا في كل لحظة متربصين لطعناتهم ؟! ، أم هل نحيا في عزلة دائمة ، تكفينا شر طعنة غادرة تأتى من أحدهم في حين غفلة وثقة منا ؟!
... أخي الكريم ، عليك دوما أن تختار طريقتك في الحياة ، بدلا من إنتظار طعنة نافذة في القلب ، ترسم علي وجهك كل أمارات الألم والحسرة والذهول وأنت تلتفت إلى فاعلها مرددا الجملة التى نطق بها يوليوس قيصر وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ( حتى أنت يا بنى ؟! ، حتى أنت يابروتس ؟! ) ، وكلك مرارة وألم وحسرة وندم يوم لاينفع الندم
... وكما قال شكسبير ( أحيانا لاتحزنك الكلمات التي تقال عنك بمقدار حزنك عندما تعرف من قالها )
... والأدب العربي لم ولن يخلوا من تناول هذا الموضوع لأهميته في التحكم في السلوك المجتمعي والعلاقات الإنسانية 
... فصاحة العرب عن الغدر والخيانه ، تبدوا جلية في قصة ( لَمَّا اشْتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني ؟! ) ، يحكي أن رجلآ من العرب ربى إبن أخته ، حتى كبر وصار فتيًا قويًا ، فلما أحس الولد من نفسه القوة والقدرة ، تنكر لمربيه ، وأخذ يرد جميله نكرانًا وكفرًا وجحودا ، فقال الرجل في ذلك بعض الأبيات الشعرية :
فَيَا عَجَبًا لمن رَبَّيْتُ طِفْلاً *** ألقَّمُهُ بأطْراَفِ الْبَنَانِ
أعلِّمهُ الرِّماَيَةَ كُلَّ يوَمٍ *** فَلَمَّا اشْتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني
وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَظْمَ الْقَوَافي *** فَلَمَّا قَال قَافِيَةً هَجَاني
أعلِّمهُ الْفُتُوَّةَ كُلَّ وَقْتٍ *** فَلَمَّا طَرَّ شارِبُهُ جَفَاني
رَمى عَيني بِسَهمٍ أَشقَذيٍّ *** حَديدٍ شَفرتَاهُ لهْذَمانِ
توخّاني بِقَدحٍ شَكَّ قَلبي *** دَقيقٍ قد بَرَته الراحَتان
فأَهوى سَهمه كالبَرقِ حَتىّ *** أَصابَ به الفؤادَ ومااتَّقاني
... وفي الأدب أيضا يقول الشاعر :
يخونُكَ من أَدى إِليك أمانةً *** فلم ترعهُ يوماً بقولٍ ولافِعْلِ
فَأَحْسِنْ إِلى من شِئْتَ في الأرضِ *** أو أسيءْ فإِنكَ تُجْزى حذوكَ النعلَ بالنعلِ
... ولم يغفل الأدب العربي قصة ( الذئب والشاة ، بقرتَ شُويهتي وفجعتَ قلبي ، وجزاء الإحسان إلى اللئام ) ، يقول الشاعر :
بقرتَ شويهتي وفجعتَ قلبي *** وأنت لشاتنا ولدٌٌ ربيب ُ 
غذيتَ بدرها وربيتَ فينا *** فمن أنباكَ أن أباكَ ذيب ُ 
إذا كان الطباع طباع سوء ٍ *** فلا أدب ٌ يفيد ولا أديب ُ
... وإستكمالا للمعنى يروى أيضا :
نشأت مع السخال وأنت جرو *** فما أدراك أن أباك ذيب
... وفي كتاب ( المحاسن والمساوىء ) لابراهيم البيهقي يقول : ونحن في دروس شيخنا العلامة ( مقبل الوادعي ) رحمه الله ، كثيرا ماكنت أسمع شيخنا رحمه الله يردد هذه الأبيات ، مستشهداً بها على بعض طلابه اللئام ، الذين تنكروا له وتحزبوا فيما بعد ضده ، وطعنوا في شيخهم ومربيهم ومعلمهم الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله 
... والقصة ، أن أعرابية وجدت ذئبا ً صغيراً ( رضيعا ) ماتت أمه ، فحنت عليه وأخذته وربته وكانت تطعمه من حليب شاة ٍ عندها ، وكانت الشاة بمثابة الأم لذلك الذئب ، وبمرور الأيام ، كبُر الذئب الصغير ، وعادت الأعرابية يوماً إلى بيتها ، فوجدت أن الذئب هجم على الشاة وأكلها ، فحزنت الأعرابية على صنيع الذئب اللئيم ، الذي عرف طبعه بالغريزة والفطرة ، فأنشدت بحزن تلك الأبيات ُ  
... وهكذا اللئام في كل عصر ومصر ، لايوفوون الجميل ولايراعون حرمة الخليل ، ولايردون المعروف ولايرهبون الحتوف ، فاحذر من مصاحبة اللئيم وإكرامه فلن يجدي معه أي تكريم
... ولأنه تغلب علينا الطيبة والتسامح ، فبعد الخيانة والغدر ‏، ربما نسامح أشخاص قد إنتهت رحلتهم معنا ، وقد نقبل إعتذارهم ولكننا لن نعود كما كنا سابقاً ، نعم نسامح ، ولكن سوف نبني جدارا يحمينا من الألم النفسي ، نسامح لأننا نريد تجديد قلوبنا ، ونبغي صفاء نفوسنا ، وأن تستمر حياتنا بدونهم ، فالحياة قبل كل شي مبادئ وأخلاق ، فمن شب على شيء شاب عليه ، فالخيانة طبع وأخلاق وتربية وليست ظروف ، هذه هي الخيانة وهذا هو الغدر 
... من أمنك لاتخونه حتى ولو كان في طبعك الخيانة
... واتق شر من أحسنت إليه
... تحياتى ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

كلمتني ذات يوم بقلم أبو خيري العبادي

بقلمي ..... كلمتني ذات يوم قالت يا أجمل حبيب من احبك ابدا لايخيب معك الحياة تطيب وببعدك اذوق لضى اللهيب أبدأ عن عيني لاتغيب كن دائما لي قريب...