الخميس، 15 أغسطس 2024

الرويبضة ونظام التفاهة بقلم علوى القاضى

«[3]» الرويبضة ونظام التفاهة «[3]»
دراسة وتحليل : د/علوى القاضى
... في الجزء الأول تأكدنا أن التافهين نجحوا في السيطرة علي مفاصل المجتمعات وتحكموا في ثقافة وتفكير البشر لصالح أصحاب رؤوس الأموال ، وفى الجزء الثانى وجدنا كيف أن نظام التفاهة سيطر على السياسة والإقتصاد والثقافة والعلم والٱن نستكمل
... التفاهة - على عكس ما تحيل إليه - مسألة جدّية بإمتياز ، هكذا يُخبرنا المؤلف ، فالتغاضي عنها ، يعني في مايعنيه تسليم البشرية إلى مصير كارثيّ ، إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة للمجتمعات المعاصرة ، الإشكالية ببساطة تتمثل في أن النظام السائد في العالم ، قد أدّى إلى سيطرة التافهين على مواقع أساسية من الخريطة الإجتماعية ، يكفي أن تنظر حولك لترى هؤلاء وقد إخترقوا السياسة والإعلام والفن ، وهو واقع يصفه الكاتب بالقول ( لقد تشيّدت شريحة كاملة من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية وكل ذلك لخدمة أغراض السوق بالنهاية ) 
... والكاتب يتكلم عن صدارة الحمقي والمرضي للمشهد ، ومايسمي الترند ، هذا الكتاب فيه جمله تلخصه بأفكاره ( لاتجعلوا من الحمقى والتافهين مشاهير ) ، وهذا هو الحال الذي وصلنا له ، فنجد مختل عقليا يصبح ترند ، زبال مع إحترامي لعمال النظافة يصبح ترند ، والكل عاوز يركب الترند ، ومازال كل يوم يظهر لنا ترند جديد ، ورسالتهم لنا ( إوعي تشغل مخك إحنا هنشغله بالنيابه عنك ) ، تغييب للعقل
... لأن عنوان الكتاب أثار فضولي ، في البداية قرأت المقدمة ، وكانت وصف دقيق لواقع العالم الجديد والقرية العالمية المحكومة من رأس المال ، ملخصها ( لو نظرنا حولنا سنجد أننا نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة ، تتعلق بسيادة نظام رأسمالي أدى تدريجياً إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل نموذج الدولة الحديثة ، حيث يلحظ المرء صعوداً غريباً للرداءة والإنحطاط ، إذ تدهورت متطلبات الجودة العالية ، وتم تغييب الأداء الرفيع ، وهُمّشت منظومات القيم ، وبرزت الأذواق المنحطة ، وأُبعد الأكفاء ، وخلت الساحة من التحديات ، فتسيّدت إثر ذلك شريحة كاملة من التافهين والجاهلين الذين لايفكرون أبعد من أنوفهم )
... في هذه المرحلة صار كل نشاط في الحقل العام ، في السياسة والإعلام والتربية والتعليم والعمل النقابي والتجارة أقرب إلى ( لعبة ) أبطالها تافهون ولاقواعد مكتوبة لها ، ومعيارها الوحيد إختزال النشاط إلى مجرد حسابات تتعلق بالربح والخسارة ( الماديين ) كالمال والثروة ، أو ( المعنويين ) كالسمعة والشهرة والعلاقات الإجتماعية ، إلى أن يصاب الجسد الإجتماعي بالفساد بصورة بنيوية 
... وبالرغم من وجود أشخاص طموحين من ذوي المعايير العالية المستوى ينشدون النجاح والتألق والإبداع ، فإن أشخاصاً آخرين من ذوي المعايير المتدنية ، الذين يبحثون عن النجاح السهل هم من يديروا ( اللعبة ) ، لأنهم أقرب إلى كسل العقل ، ونبذ الجهد ، والقبول بكل ماهو كاف للحدود الدنيا دون طموح ، في النهاية يتم إيهام الناس بأنه لاشيء مهم ، لا السياسة ولا الجامعة ولا الإعلام ولاالمصالح العامة أمام ( لعبة ) المصالح الخاصة المادية
... يستخدم التافهون بتهافتهم ( لغة خشبية ) جوفاء ، تقوم على الحشو والنطق ، بتحصيل الحاصل ، وتكرار الكلام بألفاظ مختلفة ، للإيهام بوجود قضية جديدة ، وبذلك يتحول الكلام إلى خطاب أجوف ، صالح لكل زمان ومكان ، كل ذلك يشير إلى تسيّد الفقر الفكري المدقع ، الذي يعتبر من أهم أصول التفاهة ، يتمثل ذلك باعتماد ( الخبير ) ممثلاً للسلطة ، وممثلا لنظام التفاهة بديلاً عن ( المثقف ) ذي الفكر الحر الملتزم بالقيم والمبادئ
... في نظام التفاهة ، تفرغ ( السياسة ) من الأفكار الكبرى ، كالحق والواجب والعمل والإلتزام والقيمة والصالح العام ، ويخلو العمل العام من منظومات الأخلاق والمفاهيم والمثل العليا والمواطنة والإلتزام ، وينحصر الهاجس بتحقيق الربح وكأن الدولة محض شركة تجارية
... في نظام التفاهة يحول السياسيون ( الجامعات ) من مراكز للبحث العلمي ، وإنتاج المعرفة ، وتخريج العلماء ، إلى حلبة يتسابق عليها الجهلة للحصول على شهادات فارغة من العلم والكفاءة ، بحيث يصبح أكثر الناس يقيناً هم أكثرهم جهلاً ، ذلك أن نظام التفاهة يثبت فعاليته القصوى مع هذه النماذج  
... قدم المؤلف هذا التحليلً النقديً للظاهرة المُقلقة لسيطرة ( التافهين ) على مختلف جوانب الحياة المعاصرة :
..(أولاً) سيادة التفاهة ، يُشير دونو إلى هيمنة ثقافة التفاهة والسطحية على المجتمعات الحديثة ، ممّا يُهدد القيم العميقة والجدية
..(ثانياً) صفات التافهين ، يصفهم بأنهم أشخاص يفتقرون إلى المعرفة والثقافة ، ويُركزون على تحقيق الشهرة والمال دون إهتمام حقيقي بالقضايا الجوهرية
..(ثالثًا) آليات سيطرة التفاهة ، كيف يستغل التافهون وسائل الإعلام والرأسمالية لبسط سيطرتهم ونشر ثقافتهم السطحية ، ممّا يُثبط التفكير النقدي
..(رابعًا) عواقب سيطرة التفاهة ، يُحذّرنا الكاتب من مخاطر سيطرة التفاهة على المجتمع ، مثل ، تراجع القيم الأخلاقية ، وتفشي الفساد وضعف المؤسسات الديمقراطية
..(خامسًا) المقاومة ، يُقدم الكاتب بعض الأفكار لمقاومة هيمنة التفاهة منها ، دعم الثقافة المستقلة ، تعزيز التفكير النقدي ، المشاركة السياسية الفاعلة
... ماقدمه الكاتب كان تحليلاً تاريخيًا لظهور (التافهين) وصعودهم إلى السلطة ، وناقش دور المثقفين في مقاومة (نظام التفاهة)
... ومن سمات الشخص التافه يقول المؤلف ، أنه الشخص العادي والمتوسط ، والذي لايلمع في أي مجال ، وبدون موهبة ، وقسم الكاتب الأشخاص التافهين إلى :
.( الكسير ) ، وهو الفرد الذي يرفض النظام بالأنسحاب لا بالتعبير عن رفضه
.( التافه ) بطبيعته ، وهو الفرد الذي يصدق نظام التفاهه
.( المتعصب ) ، وهو الفرد الباحث عن مكانة عالية ضمن هذا النظام ، ويعتبر أن كل مايهدد نظام التفاهة هو تهديد له
.( التافه ) رغم عنه ، وهو فرد مجبر تسخره الواجبات لخدمة النظام ، لأعانة أبنائهم لبلوغ مواقع إجتماعية عالية
.( الطائش ) ، وهو الفرد الذي ينتقد هذا النظام وفي الحقيقة هو يعمل به ويتعايش معه
... الوعي وعلاقته بنظام التفاهه ، ( فقد رأى المؤلف بأننا نعيش في مرحلة تاريخية شبيهة ( بنظام التافهين ) ، حيث يبسط فيها التافهون نفوذهم على الحكم كما يدعوهم في كافة مجالات الدولة ، ليس هذا فقط ، فلنظام التفاهة رموز تافهة ، ولغة تافهة ، وشخصيات وأدوات تافهة خاصة به ، أما السر الخطير خلف نجاح ذلك النظام يكمن في قدرته العظمى على إيهام الأفراد بأنهم أحراراً في مايفعلون ، بينما هم مسيسون بسياسة القطيع )
... وإلى لقاء فى الجزء الرابع إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتى ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

غَرامٌ لا يَموتُ بقلم عصام أحمد الصامت

غَرامٌ لا يَموتُ أَلا يا مَلاكي، أَنتِ الحُبُّ الأَبدي مادامَ شَكُّكِ قائِماً فَلا لُومَ إنَّ الغَرامَ عَلى شَفا الجُنونِ وَأَنا الَّذي مَلَ...