بقلم فؤاد زاديكى
إنّ ما يُسمّى بالقضية الفلسطينية، و التي عمرها من سنة ١٩٤٧، يعتقد كثيرٌ من العرب خطأً، بانّ الذي تسبّب في تعيدها و عدم حلّها، هي دولة إسرائيل، لهذا فإنّي سوف اقوم بشرح مفصّل لهذه القضية، التي استعصى حلّها لغاية اليوم، من منطق الحقيقة و الواقع و ليس من منطلق العواطف الجيّاشة و المراوغة و نشر الأكاذيب كما يفعل أغلب العروبيين، الذين كانوا و مايزالون السبب الرئيسي في عدم حلّ الدّولتين، الذي قبلت به إسرائيل سنة ١٩٤٧ بينما رفضه العرب و لم يقبلوا به و هم يرفعون شعار: كلّ شيء أو لاشيء، و فعلًا لم يحصلوا بعد على شيء، فما يطالبون به اليوم من حدود للدولة الفلسطينية المستقبلية هو أقلّ بكثير ممّا أعطته عصبة الأمم المتحدة للفلسطينيين في قرارها المعروف سنة ١٩٤٧ بإقرار دولتين واحدة فلسطينية و الثانية إسرائيلية بالمناصفة، و قد يأخذ المنشور حلقتين أو أكثر .
منذ عام 1947 وحتى الآن، ارتكب العرب عدة أخطاء سياسية في تعاملهم مع إسرائيل. إليكم بعض هذه الأخطاء:
1. رفض خطة التقسيم لعام 1947: قرار العرب رفض خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين كان خطأ استراتيجيًا. كان من الممكن أن يحصل العرب على دولة فلسطينية مستقلة منذ البداية، لكن الرفض أدى إلى حرب 1948 و قيام دولة إسرائيل دون دولة فلسطينية.
2. عدم توحيد الصفوف: الانقسامات بين الدول العربية و الفصائل الفلسطينية أدت إلى ضعف الموقف العربي بشكل عام. عدم وجود استراتيجية موحدة أو قيادة سياسية متماسكة قلل من فعالية الجهود لمواجهة إسرائيل.
3. عدم الاعتراف بالواقع الدولي: العرب لم يدركوا بوضوح التحولات الدولية و الدعم الغربي القوي لإسرائيل. فشلت السياسات العربية في تعديل مواقفها وتكييف استراتيجياتها بما يتناسب مع الدعم الدولي القوي لإسرائيل.
4. الحروب التقليدية غير المتكافئة: الدخول في عدة حروب ضد إسرائيل (مثل حروب 1948، 1956، 1967، و1973) دون تحقيق نتائج ملموسة. هذه الحروب أدت إلى توسع إسرائيل و زيادة نفوذها الإقليمي، كما أن معظم هذه الحروب كانت تُخاض دون تفوق عسكري عربي كافٍ لتحقيق نصر حاسم.
5. التأخّر في تبنّي نهج الدبلوماسية: لم يبدأ العرب في استخدام الدبلوماسية بشكل جدّي إلّا بعد فوات الأوان. معاهدات السلام مع مصر و الأردن جاءت بعد خسائر كبيرة و بدون تحقيق حل شامل للقضية الفلسطينية.
6. التضييق على الفلسطينيين: بعض الدول العربية تعاملت مع الفلسطينيين بشكل متناقض، حيث كانوا أحيانًا يُعاملون كأدوات في الصراع مع إسرائيل بدلاً من دعم حقهم في تقرير المصير.
7. العزلة السياسية: محاولة عزل إسرائيل دولياً من خلال قطع العلاقات مع الدول التي اعترفت بها لم تؤتِ ثمارها و كانت على حساب العلاقات مع دول مهمة على الساحة الدولية.
8. التخلّي عن الفصائل الفلسطينية: الدعم المتذبذب وغير المستقر لبعض الفصائل الفلسطينية أدّى إلى تراجع الموقف الفلسطيني بشكل عام، وجعل الفصائل عرضة للانقسامات الداخلية و الضغوط الخارجية.
9. المراهنة على القوة الخارجية: اعتماد بعض الدول العربية على القوى الخارجية (مثل الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة) لتحقيق مصالحها في النزاع مع إسرائيل بدلاً من بناء قوة ذاتية و اعتماد استراتيجيات فعّالة.
10. الغياب عن بعض الأحداث المفصلية: غياب التأثير العربي في بعض اللحظات الدولية الحاسمة، مثل اتفاقات كامب ديفيد و أوسلو، أدى إلى تفويت فرص لتقديم موقف عربي موحد أو أكثر فعالية.
هذه الأخطاء وغيرها ساهمت في تكريس وضع معقد على الأرض، حيث تمكّنت إسرائيل من تعزيز وجودها و توسيع نفوذها، في حين ظل الموقف العربي و الفلسطيني في حالة تراجع نسبي على مدار السنوات.
بالإضافة إلى الأخطاء السياسية التي ذكرتها سابقاً، هناك عدد من الأخطاء الاستراتيجية و الدينية و القومية العنصرية التي ساهمت في تدهور الموقف العربي تجاه إسرائيل:
الأخطاء الاستراتيجية:
1. التقصير في بناء القدرات العسكرية الذاتية: الاعتماد على شراء الأسلحة من الخارج دون تطوير قاعدة صناعية عسكرية محلية جعل الجيوش العربية تعتمد على الدعم الخارجي، مما أدى إلى هشاشة استراتيجية عند مواجهة إسرائيل.
2. عدم التّركيز على الحروب غير التقليدية: في الوقت الذي كانت إسرائيل تطور قدراتها في الحروب غير التقليدية مثل العمليات الاستخباراتية و حروب العصابات، ركزت الدول العربية على الحروب التقليدية التي لم تكن فعالة في مواجهة عدو أكثر تجهيزًا.
3. عدم الاستثمار في البحث العلمي و التكنولوجيا: الفجوة التكنولوجية و العلمية بين إسرائيل و الدول العربية ازدادت مع مرور الوقت، مما أعطى إسرائيل تفوقاً كبيراً في المجالات العسكرية و الاقتصادية.
4. إهمال الاقتصاد: ضعف الاقتصاد في الدول العربية جعلها عرضة للضغوط الخارجية و أضعف قدرتها على تقديم دعم فعال للقضية الفلسطينية. الفشل في بناء اقتصادات قوية و مستدامة جعل العديد من الدول العربية تعتمد على المعونات الخارجية.
الأخطاء الدينية:
1. استغلال الدين لأغراض سياسية: توظيف الخطاب الديني بشكل مبالغ فيه أحياناً لتحقيق مكاسب سياسية، ممّا أضر بالقضية الفلسطينية عبر تأجيج الصراعات الطائفية داخل العالم الإسلامي بدلاً من توحيد الصفوف.
2. الفشل في تقديم رؤية إسلامية شاملة: غياب خطاب ديني يجمع المسلمين حول رؤية موحّدة للقضية الفلسطينية أدى إلى تشرذم الجهود و إضعاف الموقف الإسلامي العالمي تجاه إسرائيل.
3. تعزيز الخطاب الطائفي: بعض القوى الدينية العربية ساهمت في تأجيج الصراعات الطائفية داخل العالم الإسلامي بدلاً من التركيز على مواجهة إسرائيل. هذا أدى إلى انقسامات داخلية أضعفت الموقف العام تجاه إسرائيل.
4. الاعتماد على الفتاوى الدينية كبديل للسياسة: في بعض الحالات، تم الاعتماد بشكل مفرط على الفتاوى الدينية كبديل للحلول السياسية الواقعية، مما أدى إلى تعميق الأزمة دون تقديم حلول عملية.
الأخطاء القومية و العنصرية:
1. التمييز ضد الأقليات العرقية و الطائفية: ممارسة بعض الدول العربية لسياسات التمييز ضد الأقليات داخل أراضيها أضعف الجبهة الداخلية وجعلها أقل قدرة على المواجهة، كما أدى إلى ضعف الدعم من بعض هذه الأقليات للقضية الفلسطينية.
2. الخطاب القومي المتطرف: بعض الخطابات القومية العربية المتطرفة التي رفعت شعارات مثل "رمي إسرائيل في البحر" لم تكن واقعية و زادت من عزلة العرب دوليًا، حيث تم تفسيرها كمواقف متطرفة و غير قابلة للتفاوض.
3. الترويج لفكرة العدو الواحد: التركيز المفرط على إسرائيل كعدو وحيد للعرب أدى إلى تجاهل مشكلات داخلية مهمة مثل الفقر والفساد و حقوق الإنسان، مما أضعف المجتمعات العربية و جعلها أقلّ قدرة على المواجهة.
4. التعصّب القومي و الدّيني: ممارسة بعض الدول العربية لتعصب قومي أو ديني ضد شعوبها أو شعوب أخرى أدى إلى تراجع الدعم الدولي للقضية الفلسطينية و عزّز صورة العرب كقوى غير متسامحة.
5. إقصاء القوى السياسية المختلفة: بعض الدول العربية مارست سياسات إقصاء ضد الأحزاب أو الحركات التي لا تتفق مع توجهاتها القومية أو الدينية، مما أدّى إلى تفتت القوى العربية و انقسامها، بدلاً من توحيد الجهود ضد إسرائيل.
هذه الأخطاء، سواء كانت استراتيجية أو دينية أو قومية، ساهمت في إضعاف الموقف العربي بشكل كبير، مما أتاح لإسرائيل فرصة لتثبيت أقدامها و تعزيز نفوذها في المنطقة و العالم.
هناك أخطاء أخرى يمكن إضافتها إلى ما سبق ذكره، والتي تشمل نواحي سياسية، اقتصادية، ثقافية، و إعلامية:
الأخطاء السياسية و الاقتصادية:
1. التوجهات السياسية الانعزالية: بعض الدول العربية اتبعت سياسات انعزالية، مفضلة التركيز على مشكلاتها الداخلية أو العداء مع دول عربية أخرى، بدلاً من بناء تحالفات قوية و موحدة لمواجهة التحديات المشتركة، بما في ذلك القضية الفلسطينية.
2. ضعف الاستثمار في القضية الفلسطينية: على الرغم من الدعم المالي الذي قدمته الدول العربية للفلسطينيين، كان هناك نقص في التخطيط الاستراتيجي للاستثمار في بناء المؤسسات الفلسطينية و البنية التحتية الاقتصادية التي يمكن أن تدعم الاستقلال الفلسطيني بشكل مستدام.
3. التأخر في الانفتاح على القوى الدولية الجديدة: التركيز على القوى الكبرى التقليدية مثل الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي/روسيا، مع تجاهل القوى الناشئة مثل الصين و الهند أو الدول الإفريقية واللاتينية، أدى إلى تقييد الخيارات السياسية و الاقتصادية للعرب في الساحة الدولية.
الأخطاء الثقافية و الإعلامية:
1. ضعف الإعلام العربي: الإعلام العربي فشل في بناء سردية قوية و مؤثرة عالميًا لدعم القضية الفلسطينية. ضعف في استخدام الإعلام باللغات الأجنبية، و فقدان القدرة على التأثير في الرأي العام العالمي.
2. التقصير في التعليم و الوعي العام: في العديد من الدول العربية، لم يتم استثمار كافٍ في التعليم و الوعي السياسي والثقافي لتعزيز فهم شعوبها لتعقيدات الصراع العربي-الإسرائيلي، و بالتالي لم يكن هناك دعم شعبي كافٍ للسياسات الفعّالة تجاه إسرائيل.
3. تغييب دور المثقفين و المفكرين: عدم إشراك المثقفين و المفكرين العرب في صياغة السياسات و التوجهات الكبرى كان له أثر سلبي على تشكيل وعي نقدي و عملي للتعامل مع إسرائيل. تم تهميش الأصوات النقدية التي كان يمكن أن تقدم رؤى استراتيجية مختلفة و أكثر فعالية.
4. نقص في التنسيق الثقافي: كان هناك ضعف في التنسيق بين الدول العربية في المجال الثقافي، مما أدى إلى غياب جبهة ثقافية موحدة قادرة على تقديم رواية عربية قوية و متماسكة للعالم عن القضية الفلسطينية.
أخطاء في التعامل مع المجتمع الدولي:
1. سوء إدارة العلاقات مع القوى الكبرى: في بعض الحالات، كان هناك سوء تقدير في إدارة العلاقات مع القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة و أوروبا. هذا أدى إلى فقدان دعم دولي مهم في بعض المراحل الحرجة، خاصة فيما يتعلق بمفاوضات السلام.
2. العزلة عن المجتمع الدولي: بعض الدول العربية اختارت سياسات عزل نفسها عن المجتمع الدولي أو رفض التعاون مع الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، ممّا أضعف القدرة على التأثير في القرارات الدولية المتعلقة بالصراع.
3. الاندفاع نحو التطبيع دون تحقيق تنازلات مهمة: في السنوات الأخيرة، شهدنا اندفاعًا من بعض الدول العربية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون تحقيق تنازلات جوهرية في القضية الفلسطينية. هذا أضعف الموقف العربي العام و أدى إلى تشرذم الجبهة العربية.
الأخطاء في إدارة الحركات المقاومة:
1. الانقسامات داخل الفصائل الفلسطينية: كانت الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، مثل الخلاف بين حركتي فتح و حماس، من أبرز الأخطاء التي أضعفت الموقف الفلسطيني. هذه الانقسامات أضرت بوحدة الصف الفلسطيني و أعاقت التفاوض مع إسرائيل والمجتمع الدولي.
2. التنسيق غير الفعال مع الدول العربية: في بعض الأحيان، لم يكن هناك تنسيق كافٍ بين الفصائل الفلسطينية والدول العربية الداعمة لها، مما أدى إلى ضعف القدرة على مواجهة إسرائيل بفعالية أو على الصعيد الدبلوماسي.
هذه الأخطاء المتعددة والمتشابكة ساهمت في إضعاف الموقف العربي و الفلسطيني في مواجهة إسرائيل، مما أدى إلى تعقيد الصراع و جعل حله أكثر صعوبة على مدار العقود.
يمكن القول و بثقة تامّة أنّ التركيز المفرط على قضية فلسطين كمحور أساسي للقضية العربية الواحدة، رغم أهميتها الكبرى، أضرّ أحياناً بمصالح الدول العربية بطرق عدة:
1. إهمال القضايا الداخلية والتنمية:
- الانشغال بالقضية الفلسطينية أدى إلى إهمال بعض الدول العربية لقضاياها الداخلية، مثل التنمية الاقتصادية، التعليم، الصحة، و الحوكمة الرشيدة. هذا التركيز على الصراع الخارجي دون تطوير الجبهات الداخلية أضعف الدول العربية وجعلها أقل قدرة على دعم القضية الفلسطينية بشكل فعال.
2. تجاهل التنوع في المصالح الوطنية:
- الدول العربية ليست كتلة واحدة متجانسة، و لكل دولة مصالحها الخاصة و احتياجاتها المختلفة. التركيز على فلسطين باعتبارها القضية الأساسية أدى في بعض الأحيان إلى تجاهل هذه المصالح و الاختلافات، مما زاد من التوترات بين الدول العربية نفسها و أضعف التعاون بينها.
3. استغلال الأنظمة للقضية الفلسطينية:
- بعض الأنظمة العربية استخدمت القضية الفلسطينية كذريعة لتبرير سياساتها القمعية داخلياً و لتشتيت الانتباه عن فشلها في إدارة شؤونها الداخلية. من خلال تسليط الضوء على الصراع مع إسرائيل، تم تبرير قمع الحريات السياسية و الاجتماعية.
4. **التضحية بالسياسات الواقعية:
- التعامل مع القضية الفلسطينية كقضية محورية بشكل مطلق أدى إلى تبني سياسات غير واقعية أو متطرفة أحياناً، مثل رفض كل أشكال التفاوض أو السلام، مما عزل بعض الدول العربية عن المجتمع الدولي و أضعف قدرتها على التأثير في مسار الأحداث.
5. تعطيل التنمية الاقتصادية و التكامل الإقليمي:
- التركيز المفرط على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي منع بعض الدول العربية من الانخراط بفعالية في مشاريع التكامل الاقتصادي الإقليمي أو التعاون مع دول غير عربية، مما أضاع فرصاً للتنمية الاقتصادية و التقدم التكنولوجي.
6. إثارة الانقسامات الداخلية:
- تباين وجهات النظر حول كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية أدّى إلى انقسامات داخل الدول العربية و بينها. على سبيل المثال، تفاوت المواقف بين الفصائل الفلسطينية نفسها وبين الدول العربية حول كيفية تحقيق الأهداف، مما أضعف الجهود المشتركة و أدّى إلى تفكك الجبهة العربية.
7. تأخير عمليات التطبيع و التعاون الدولي:
- بعض الدول العربية كانت مترددة في تطوير علاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع الدول الغربية أو غيرها بسبب التزامها الصارم بالقضية الفلسطينية. هذا أدى إلى تأخير في الاستفادة من التكنولوجيا، الاقتصاد، و التعاون الدولي، مما أضر بمصالح تلك الدول على المدى الطويل.
8. إضعاف العمل العربي المشترك:
- التركيز على القضية الفلسطينية كقضية جامعة أدى أحياناً إلى إهمال قضايا أخرى مهمة على الصعيد العربي المشترك، مثل الأمن الغذائي، إدارة الموارد المائية، و القضايا البيئية. هذا التركيز الضيق أثر سلباً على قدرة الدول العربية على مواجهة تحديات أخرى مشتركة بنفس الزخم.
9. التأثير على الاستقرار السياسي:
- بعض الدول العربية، خاصة تلك التي كانت تواجه تحديات داخلية أو صراعات سياسية، وجدت أن الانخراط المكثف في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يزيد من التوترات الداخلية و يؤثر سلباً على استقرارها السياسي.
10. إضعاف العلاقات مع القوى الدولية:
- بعض الدول العربية التي أصرت على موقف معادٍ تمامًا لإسرائيل و جعلت القضية الفلسطينية المحور الوحيد لسياستها الخارجية، أضاعت فرصًا لتعزيز علاقاتها مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا، مما أضعف قدرتها على ممارسة الضغط الفعّال على إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية.
باختصار، على الرغم من أن القضية الفلسطينية هي قضية عادلة ومهمة، فإن تحويلها إلى المحور الوحيد للعلاقات و السياسات العربية أدى إلى إغفال قضايا أخرى ذات أهمية حيوية، ما أضعف الدول العربية بشكل عام و جعلها أقل قدرة على التأثير الإيجابي في هذا الصراع المعقد.
إنّ التدخّل العربي في الشأن الفلسطيني، حيث تتدخل كل دولة وفقًا لمصالحها الخاصة، أضر بالقضية الفلسطينية و أضعف الموقف الفلسطيني بشكل كبير. إليك كيف ساهم هذا التدخل في إلحاق الضرر:
1. تعميق الانقسامات الفلسطينية:
- الدعم المتباين من الدول العربية للفصائل الفلسطينية المختلفة أدى إلى تعميق الانقسامات داخل الصف الفلسطيني. فكل دولة كانت تدعم فصيلاً معيناً بناءً على مصالحها الإقليمية والسياسية، مما أدى إلى تفاقم الخلافات بين الفصائل مثل حركة فتح و حماس.
2. إضعاف الوحدة الوطنية الفلسطينية:
- بدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، تدخل الدول العربية على أساس مصالحها أدى إلى إضعاف محاولات تشكيل قيادة فلسطينية موحدة. هذا التفكك أضعف القدرة التفاوضية للفلسطينيين و جعلهم أكثر عرضة للضغوط الخارجية.
3. توظيف القضية الفلسطينية في الصراعات الإقليمية:
- بعض الدول العربية استخدمت القضية الفلسطينية كأداة في صراعاتها الإقليمية مع دول عربية أخرى أو مع قوى خارجية. هذا التوظيف جعل القضية الفلسطينية ساحة صراع بالوكالة بين الدول العربية، مما أدى إلى تشتيت الجهود وإضعاف التركيز على الأهداف الفلسطينية الأساسية.
4. التأثير على مسار المفاوضات:
- التدخلات العربية المتباينة أدت إلى تعقيد مسار المفاوضات مع إسرائيل. فبعض الدول دفعت باتجاه خيارات تفاوضية معينة، بينما عارضت دول أخرى تلك الخيارات، مما جعل الموقف الفلسطيني مترددًا و غير متسق، وأدى إلى تفويت فرص مهمّة في المفاوضات.
5. تأخير قيام الدولة الفلسطينية:
- التدخلات المتناقضة لبعض الدول العربية في الشأن الفلسطيني أدّت إلى تأخير إمكانية التوصل إلى حل سلمي و قيام دولة فلسطينية. بدلاً من العمل على دعم خطة مشتركة، أدّت هذه التدخلات إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية و أحيانًا إلى تعطيلها.
6. فقدان ثقة الشعب الفلسطيني في الدعم العربي:
- عندما يرى الشعب الفلسطيني أن الدعم العربي يأتي مشروطاً أو يخدم مصالح دول معينة بدلاً من دعم قضيتهم بشكل غير مشروط، فقد يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة في هذا الدعم. هذا الانطباع السلبي يمكن أن يؤدي إلى عزلة الفلسطينيين عن محيطهم العربي ويضعف التضامن العربي الشعبي مع القضية.
7. إضعاف المؤسسات الفلسطينية:
- بعض الدول العربية دعمت فصائل معينة على حساب المؤسسات الفلسطينية الوطنية مثل منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الوطنية الفلسطينية. هذا الدعم الموجه أضعف هذه المؤسسات و أفقدها شرعيتها في نظر بعض الفلسطينيين، مما أدى إلى تراجع دورها و تأثيرها.
8. تشتيت الجهود العسكرية:
- التدخل العسكري من بعض الدول العربية أو دعمها للمجموعات المسلحة في فلسطين أحياناً أدّى إلى تشتيت الجهود العسكرية الفلسطينية و تركيزها على معارك جانبية أو داخلية بدلاً من مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بشكل منظم.
9. إضعاف الدبلوماسية الفلسطينية:
- التنافس بين الدول العربية على النّفوذ داخل فلسطين أدّى إلى تضارب في السياسات الدبلوماسية، ممّا جعل من الصعب على الفلسطينيين تقديم جبهة دبلوماسية موحدة على الساحة الدولية. هذا التضارب أضعف الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية.
10. تراجع القضية الفلسطينية على الأجندة العربية:
- مع تحول مصالح بعض الدول العربية إلى قضايا أخرى أو تحالفات جديدة (مثل التركيز على مواجهة إيران أو التطبيع مع إسرائيل)، تراجعت القضية الفلسطينية على الأجندة العربية، مما أضعف الدعم العربي الرسمي و الشعبي للقضية.
11. تفاقم الانقسام العربي نفسه:
- التدخلات المتعارضة في الشأن الفلسطيني ساهمت في تعميق الخلافات بين الدول العربية نفسها. فقد أدى دعم كل دولة لفصيل فلسطيني معين إلى تعزيز الصراعات بين الدول العربية و تراجع التعاون بينها، ممّا أثر سلباً على أي مبادرات عربية مشتركة لدعم الفلسطينيين.
12. التعامل التكتيكي على حساب الاستراتيجية:
- بعض الدول العربية تعاملت مع القضية الفلسطينية بشكل تكتيكي و مرحلي، حيث كانت تتخذ مواقف بناءً على الظروف المؤقتة أو لتحقيق مكاسب قصيرة المدى، دون الالتفات إلى الأهداف الاستراتيجية الطويلة الأمد التي تخدم المصلحة الفلسطينية.
باختصار، التدخلات العربية المتباينة و غير المنسقة في الشأن الفلسطيني أضرت بالقضية أكثر مما أفادتها. هذه التدخلات أسهمت في تفاقم الانقسامات الداخلية، إضعاف الوحدة الوطنية، و تعقيد الجهود الدبلوماسية و العسكرية، مما جعل حل القضية الفلسطينية أكثر صعوبة و تعقيدًا.
فهل بعد كلّ ما عرضناه من دلائل و اثباتات و بيانات تاريخية حقيقية يمكن القول إنّ غير العرب أساؤوا لقضية الشعب الفلسطيني، و أخّروا الحلّ؟ أغلب العرب لا يؤمنون بالمنطق، و لا بالواقع و هذه مشكلة كبيرة و عويضة جرّت، و تجرّ عليهم ويلات و مصائب كثيرة، يحاولون رمي أسبابها على الغير تهرّبُا من المسؤولية و من الاعتراف بالحقيقة التاريخية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق