من ذكريات سبعينيات القرن الماضي..
انتظار
تسللت باتجاه الزقاق الذي كانت تسكنه وأنا أعلم أنها لابد خارجة لشراء بعض الأغراض من الدكان المقابل...جلست القرفصاء أحتال على الوقت الذي يخنق صبري بمروره البطيء...اتمتم بكلمات من اغنية قارئة الفنجان لعبد الحليم حافظ.. لم أخل يوما أن مرورها يستحق كل هذه العناية وهذا الصبر، لم تبدء الشمس بالمغيب حين لمحت طيفها وهي قادمة من الناحية الغربية للحي...حاصرت سعالي المتمكن مني محاولا الوقوف، إلا أني سرعان ما تهاويت لأجدني ملتصقا بالأرض مرة أخرى...عاودت المحاولة دون جدوى، لأفهم أخيرا أن قدومها أرعبني، وأن انتظار مرورها من حينا شيء جميل...بدأت تقترب في مشية بطيئة وشبشبها يحتك بالأرض لتنتشل مني ما تبقى من نفس...لم يتواجد أمامي شيء في تلك اللحظة إلا وخلته يتحرك ليقترب منها كما أفعل، والزقاق فارغ من كل شيء إلا من بعض القطط التائهة.. تغلبت على خوفي وتمتمت بصوت خافت لا أكاد أسمعه: "مساء الخير". فردت ورائحة عطرها تطوقني: "مساء الخير". كانت المرة الأولى التي أسمعتني فيها صوتها وكأنها تقول لي كفاك انتظارا.
د. محمد سعدان من المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق