الثلاثاء، 22 أكتوبر 2024

لا راحة في الدنيا 5 بقلم علوي القاضي

 لا راحة في الدنيا 5

تأملات وخواطر : د/ علوي القاضي

... وصلا بماسبق فإن العاقل من لم تلهه زخارف الدنيا وراحتها الكاذبة وإستعد للراحة الأبدية  ، العاقل من يعي أن هناك ثلاث حقائق لامفر منها ، (لا راحة في الدنيا ، ولا نجاة من الموت ، ولا سلامة من لسان الخلق)

... لا (راحة) في الدنيا لأي إنسان مهما كان وضعه صحيحا أو مريضا ، صغيرا أو كبيرا ، رجلا أو مرأة ، غنيا أو فقيرا ، حاكما أو محكوما ، حرا طليقا أو مسجونا الكل غير مرتاح مهما بحثوا عنها 

... ولا (نجاة) من الموت ولامفر منه ، مهما طال العمر ، فالموت قدر الله في خلقه وهو سيف على رقاب العباد وهو يلاحق الجميع مهما إختلفت أساليبه وأسبابه ، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز لحبيبه (صل الله عليه وسلم) مامعناه (إنك ميت وإنهم ميتون)

... ولا (سلامة) من لسان الخلق ، حيث دائما يكون الإنسان على رأس ألسنة الناس إما (ذم) ونميمة ، أو (مدح) وثناء ، لذلك على الإنسان أن يتقي شر الناس ويعاملهم دائما بإحسان ويترك ماتقوله ألسنتهم لله إما إثم أو أجر على مايقولونه ، فكيف ينشد الراحة فى الدنيا وتحيطه كل هذه الحقائق بتبعاتها 

... هذه هي الحياة الدنيا ، ليس هناك مفر ، لا راحة فيها ، ولاراد لقضاء الله ، و‏لانجاة من الموت ، ولاشفاعة فيه ، ولاحيلة في الرزق أيا كان نوعه ومصدره كلها مقادير الله ولاخيار لنا ، ولاسلامة من الناس ولامن ألسنتهم ، فلن تكبر دون أن تتألم ، ولن تتعلم دون أن تخطئ ، ولن تنجح دون أن تفشل ، كل حياتنا الدنيا كبد ومعاناة ، ف (أوَّل‏) درجاتِ الحكمة والراحة أن تُنْزِل نَفْسَك مَنْزِلتها ، و (أوسطها) أن تُنْزِل الناسَ مَنازِلَهم ، و (أعلاها) أن تُنْزِل مِن حساباتك فِكرةَ إرضائهم 

... يقول الحكماء في راحة البال : ما دنيانا ، إلّا عطش بلا إرتواء ، وجوع بلاشبع ، وتعب بلا راحة ، وحطب يأكل نفسه ، وهي بدون الإيمان تعتبر خواء وخراب وظلمة وتيه ، فالإيمان هو الذي يمنحنا القوة الروحية لتحمل كل تلك الصعاب 

... أحبابي ، لاشيء جديد عندنا سوى أن أعمارنا تتآكل يوما بعد يوم ، وأن ٱجالنا تقترب رويدا رويدا ، ولا زلنا في حق ربنا مقصرين ، فيارب أسألك توبة نقية زكية لامعصية بعدها قولوا ٱمين  

... وعندما أنشد (الراحة) وأبحث عنها ، تعلمت من الحياة أن أجعل من نفسي  رجلا عماده المحبة والتسامح والعفو ، وأن أتخذ من الأمل مصباحا ينير طريقي  في كل  إتجاه ، وعلمتني الحياة أيضا أنني حين أصل لمرحلة (غريبة) من البرود ، لدرجة اللامبالاة ، وأن الأمور التي كانت تستفزني وترهقني باتت أمرا عاديا لاتثير الكثير من الإهتمام عندها علمت أنني تجاوزت مرحلة مهمة ، وفهمت جزءا كبيرا من قيم الحياة وحقيقتها 

... وعلمتني الحياة أيضا ، أن علاقتي مع الناس تدوم وتستمر ب (التغاضي) ، وتزداد ب (الإنسجام والتراضي) ، لكنها تمرض ب (التدقيق) ، وتموت وتنتهي ب (التحقيق) 

... وعلمتني الحياة أيضا أن ب (الإبتسامة) أتجاوز الحزن ، وب (الصبر) أتجاوز الهموم ، وب (الصمت) أتجاوز الحماقات ، وب (الكلمة الطيبة) أتجاوز الكراهية ، وإذا رأيت إنسانا سريع الغضب أتأكد عندها أن شيئا ما أتعب قلبه دون رحمة فعكر مزاجه ، فأراعيه ولا أتحامل عليه

... إعلم ياأخي أنك شئت أم أبيت فهناك من يكرهك ويكره أسلوبك ، أوصفاتك في الحياة ، حتى فرحك وضحكك ، يكره حتى محبة الناس لك ، فرضاء الناس غاية لا تدرك ، ورضاء الله غاية لاتترك ، فلاتترك مالايترك ، إبتغاء مالا يدرك فتخسر الإثنين 

... علمتني الحياة أنها متقلبة وليست على وتيرة واحدة ، فلاتحزن عند الأزمات  فلولاها لبقينا مخدوعين لمدة طويلة ، نعم هي قاسية ، لكنها صادقة ، تعيدنا إلى واقع الدنيا 

... أيها الناس إن الدنيا مكتظة بالإبتلاءات والمبتلين ، فلماذا تحسدوننا على مانحن فيه ، فورب العباد لو تعلمون ماذا يوجد بداخلنا لأشفقتم علينا ، ولدعوتم لنا في كل صلاة ، ولبكيتم  على حالنا بالدمعات

... علمتني الدنيا أنك عندما تتوكل على الله حق توكله وتكون نقيا من الداخل ، سيتولاك الله ويمنحك نورا من حيث لا تعلم ، وبأمر من الله يحبك الناس من حيث لا تعلم ، ويأتيك ما تريد من حيث لا تعلم ، اللهم ارزقنا قلبا نقيا تقيا 

... إذا أردت الراحة ، فاحفظ كرامتك ، ولا تكن ثقيلا على أحد فمن يريدك عزيزا يأتيك حتى في الزحام ومن لايريدك ، لايراك حتى وإن كنت أمامه ، وإذا انتشرت الفتن فكن حلسا من أحلاس بيتك ، فالإنسحاب الذي يحفظ لك كرامتك هو إنتصار لك في حد ذاته

... إهتم بثمان أمور تحقق لك الراحة النفسية :

★ (العمل) فالفراغ من أسباب كثرة التفكير فيما لاينفع ، ويترتب على ذلك تضخم المشاعر السلبية كالحزن والقلق

★ لا تبالغ في (الرفاهية) ، فكثرة التنعم تجعل النفسية هشة لا تتحمل الضغوط ، فيشعر بالضيق لأدنى شيء

★ لا تسوف (مهامك) ، فتأجيل الأعمال يؤدي لتراكمها ، وتنامي مشاعر القلق والتوتر والشعور بالفشل والإحباط 

★ لاتتطلع إلى ما (ليس في يدك) ، فالقناعة هي سر الراحة والسعادة ، والمتطلع لايشعر بالشبع مهما كان ، فارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، واترك المثالية التي هي أصل كثير من الإضطرابات النفسية والمزاجية 

★ تعلق بالله ولا تعلق (قلبك) بالمخلوقين مهما كانوا ، ولكن عاملهم إبتغاء وجه الله تعالى ، ولا تنتظر منهم جزاءا ولاشكورا (حتى لو كانوا أقرب الناس إليك) ، وهذا هو الإخلاص الذي يعين على هضم النفس وتواضعها ، (فكن مع الله الحق بغير خَلْق ، ومع الخَلْقِ بغير نفس)

★ تجنب (مشتتات) القلب التي تدخل عليه الهم ، وهي  (فضول الكلام والنظر والطعام والنوم والمخالطة)

★ إبتعد عن (الخصومات) الشخصية قدر الإمكان واجعل غضبك لله

★ تعود (الشكوى) إلى الله تعالى بدلا من الشكوى للناس ، رزقني الله وإياكم الراحة والسكينة والطمأنينة

... القرٱن كتاب الله ، من حكم به عدل ، ومن حلف به صدق ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو يعلو ولا يعلى عليه ، علمتني الحياة أنه ، إذا ضاقت في وجهي الدنيا قرأت صفحات من القرآن ، وماهي إلا أيام ويفتح الله لي من حيث لا أحتسب رزقاً وعلماً وفهماً ، فعندما نتأمل بداية سورة طه في قوله تعالى (طه ، ماأنزلنا عليك القرآن لتشقى) ، نعرف أن القرآن سبب للراحة والسعادة والبعد عن الشقاء ، ولو تأملنا نهاية نفس السورة عند قوله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) ، نعرف أن من أهم أسباب الضنك والضيق والكآبة ، هو البعد عن كتاب الله وذِكره (اللهم إجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أبصارنا وذهاب أحزاننا وهمومنا) 

... أيها الأحباب ﻛﻮﻧﻮﺍ ﺩﻋﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺻﺎﻣﺘﻮﻥ ، ﻛﻴﻒ ﺫﻟﻚ ؟! ، ﺑﺄﺧﻼﻗﻜﻢ

... ﺭﻏﻢ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ﻟﻠﻮﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ، ﻭﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﻻ ﺗﻜﻮﻧﺎﻥ بإﻋﺘﺰﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ كلية ، ولكن ساعة وساعة 

... ﻟﻦ ﺗﻌﺮﻑ ﻧﻔﺲ (ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ) ﻭﺍلإﻧﺴﺠﺎﻡ ، ﺇﻟّﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺳﻠﻤﺖ ﻭﺟﻬﻬﺎ لله سبحانه وتعالى ﻭﺭﺑﻄﺖ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ  

... (ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ) ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﺐ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻫﻲ ﺭﺍﺣﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﺃﻣﺎ ﺭﺍﺣﺔ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻓﻼ ﺗﺆﺩّﻱ ﺇﻟّﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ

... ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ (ﺣﺐ ، ﻭﺛﻘﺔ ، ﻭﺭﺍﺣﺔ ، ﻭﺗﻔﺎﻫﻢ)  وﻻﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻤﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺃﺣﺪﻫﺎ ﻏﺎﺋﺐ

... تحياتى ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ماذا أقول بقلم أبو خيري العبادي

  بقلمي ماذا أقول ماذا أقول لها لو الايام تجمعنا ونكون لبعضنا انعيد شريط الذكريات وكم جميل أول يوم لقاء اذكرها بالطفولة  وما لعبنا صغار على ...