بقلمي : د/علوي القاضي.
... مرض هَوَس النجومية والشهرة ٱخرته جلطة قاتلة لاتحمل المعنى الشائع ، وليست بالقلب ،وليست بالمخ ، ولكنها في السلوك والقيم والأخلاق ، فليس كل ظهور وشهرة يعتبر نجاح ، وليس كل مشهور محبوب ، لذلك ستظل أزمة مجتمعاتنا أزمة أخلاق ، نعم الشهرة أضواء وحب وإعجاب ، وضوضاء لذيذة حول صاحبها ، لكنها تفقده التوازن أحياناً إذا لم تكن مصحوبة بأخلاقياتها ، هي قيمة لصاحبها ، وتقدير ، وإنجذاب من الكثيرين ، لكن أن تصبح هذه الشهرة هوس ، والنجومية مرض ، والأضواء هدف ، فيصبح من الصعب أن نصدق بأن هناك من يريد أن يعيش بعيدا عن تلك الأجواء !
... والحقيقة التي لايشوبها شك أن من ضلال (الداعية) أيا كانت سمات دعوته ، وأخص بالذكر (الداعية الإسلامي) أن يطلب الشهرة قبل أوانها ، وهذا مرض عضال ، قَلَّ أن ينجو منه أحد في عصر وسائل التواصل الإجتماعي المنحوس ، فلا تبحث عن وسائل الشهرة وتركض خلفها قبل أن تتمكن من (علوم دعوتك) ، فإن سلكت هذا الطريق وأنت فارغ الفكر والعقل والقلب ، فلن تمضي عليك سنوات إلا وتلوم نفسك على العجلة ، وتتمنى إصلاح أخطائك ، ولكن أنى لك هذا وقد خرجت من يديك وبُثَّت في العالمين ، وانكشف أمر ضعفك ، وهوان دعوتك ، وضعف حجتك
... وقد سمعنا عن دعاة كثر قد ندموا على العجلة في طبع مؤلفاتهم الخاوية التي لاتحمل أي مضمون مفيد أومجدد ، وندموا كذلك على ظهورهم على الشاشات ، بعد أن عرفوا أخطاءهم ، ونَقَدَها الصغير والكبير
... وهذه الظاهرة تفشت في مجتمع القُرَّاء (القرٱن الكريم) أيضًا ، يُعجبُ الرجلُ بصوته والناسُ تُعجبُ به ، فيتعجل التسجيل والنشر قبل إتقان أحكام التلاوة ، بل ويطالب بحق الأداء العلني مثل المطربين ، وسرعان مايندم على العجلة ، ويضطر إلى (الإعتذار) عن أخطائه السابقة و (ما يغني عنه) أو (يمضي) في أخطائه ويؤولها بحجج واهية ، والعاقل من أعتبر بغيره ولم يكن ضحيَّةً له
... فإن أردت تقديم الفائدة ونفع الناس فتدارس العلم في مسجدك ومع جيرانك وطلابك ، حتى إذا طال باعك في العلم تصدرت المجلس بحق ، وما كان لله دام وإتصل ، وماكان لغير الله إنقطع وانفصل
... ومرض هوس الشهرة من الشهوة الخفية ، وحب النجومية والشهرة والصيت مرض موجودٌ في النفوس ومركون فيها ، وهو ينافي الإخلاص ويفسد العمل ، كما أنه أمر دقيق يلتبس أحياناً على صاحبه بين (إظهار العمل بحجة نشر الخير والفائدة) و (بين إخفاء العمل الذي هو الأصل فيه)
... ومن كتاب (سير أعلام النبلاء) يقول الذهبي (رحمه الله) في صاحب العلم المعجب بنفسه ، و (الذي تعجبه مسألة من علمه) ناصحا له ، (فليتكتم بها ولايتراءى بفعله ، فربما أعجبته نفسه وأحب الظهور فيعاقب ، ويدخل عليه الداخل من نفسه ، فكم من رجلٍ نطق بالحق وأمر بالمعروف فيسلط الله عليه من يؤذيه لسوء قصده وحبه للرئاسة الدينية)
... وأمراض هوس الشهرة ، أمراض تفشت في مجتمعاتنا ، تفتك بصاحبها ، ويصعب الشفاء منها ، (حب المال ، وحب الشهرة والظهور)
... أما من إبتلاه الله بمرض (حب المال) ، فهو يسعى ليل نهار ويلهث خلف جمع الأموال من حل ومن حرام ، المهم أن تتكاثر وتزيد ثروته بأي شكل من الأشكال ، ولايدري أنه سيأتي يوم يترك ماجمع لغيره ، ويغادر هذه الدنيا كما أتى إليها ، ولاحرج أن تترك لأبنائك مالا وفيرا يستعينون به على أمور حياتهم ، ولكن دون أن يكون جمع المال هو هدفك الأول في الحياة وعلى حساب العبادة وطاعة الرحمن ، ويشترط أن يكون من كسب حلال ومزكى بالقدر الشرعي الكامل
... أما من إبتلاه الله بمرض (حب الشهرة والظهور) بين الخلق ، فليعلم أنه سيأتي عليه يوم يبتعد عنه الجميع ليجد نفسه غريباً بين مجتمعه وعزوته وناسه ، بعد أن يتقدم به العمر ، وبعد ظهور من يستطيع تمثيل الدور ببراعة أكثر منه ، وهكذا هي الأيام والأحوال
وماأجمل أن نسعى بهدوء ونقنع بما يتفضل به الخالق علينا
... ومرض (جنون الشهرة) مرض غريب وخطير ظهر في الٱونة الأخيرة على السوشيال ميديا ، فالكل يحرص على المشاركة ، ليصبح مشهورا ويظهر أمام الناس أنه يعمل الخير لله وأنه يهتم بالمشاريع الخيريه في مجتمعه ، لكن الحقيقة الصادمة أن هؤلاء يسعون للشهرة على حساب الفقراء الغلابة والمساكين ، ومن الأخلاق الحميدة أنه يفترض فيمن يعمل الخير لايلزم أن يتباهى ويفتخر ويقول (أنا عملت وأنا سويت) بل لاتعلم يمينه مافعلت يساره ، وللأسف يجد الكثير من يشجعوه على ذلك ، بالرغم من ذلك فهناك الكثير من يساعد ويقدم خدمات ، ولاأحد يعرف عنهم شئ ولاحتى إسماءهم لانهم يفعلون ذلك لوجه الله وبصدق وإخلاص نية وليس من أجل النجومية والشهرة أو مصلحه أخرى يخطط لها للمستقبل ، مثل الترشح لمجلس النواب ، أو إشباع رغبته وشعوره النفسي بقيمته عند الناس ، وهو أصلا يشعر بالدونية والتهميش وبلا قيمة مجتمعية ، وعلى ذلك ينكشف أمرهم سريعا وتتراجع شهرتهم ونجوميتهم ، هؤلاء المنافقون أصحاب المصالح يجيدون إستغلال أى ظروف تمر بها مجتمعاتهم ليحققوا مايريدوه من شهرة ونجومية حينما يلجأ إليهم الناس ، وهم بذلك يحسبونها خطأ ، لأه يفترض فيمن يفعل الخير تكن نيته لله ورضا الله ليكسب ٱخرته وليس أكثر ، وأنصح هؤلاء وأقول لهم إن كنتم تروا أنفسكم رجال بمعنى الكلمة ومحبوبون في مجتمعاتكم فلا تستغلوا الناس الفقراء الغلابه والمساكين والتشهير بهم ، إبعدوا عنهم وابحثوا عن مجالات أخرى للشهرة ، ورغم ذلك وتفشي هذه الصورة المشينة فهناك أناس على النقيض يفعلون الخير ولانعرف حتى أسماؤهم وليسوا مشهورين في الأرض ولكنهم مشهورون في السماء وتتباهى بهم الملائكة
... في الٱونة الأخيرة تزايدت ظاهرة الإستقطاب بين الفكر (الديني واللاديني) على السوشيال ميديا العربية بشكل متسارع خلال العقد الأخير مع توسع الإنترنت وتوفر مساحات أكثر حرية للكلام ، وخاصة بين الإسلامي واللاديني (الملحد) ، نلاحظ من تاريخ الأمم أن المقموعين والمضطهدين إجتماعيا وسياسيا عبر عقود وقرون ، هم المختلفون دينيا وفكريا وهم يشكلون غالبا الأقلية ، فكيف الحال مع من تركوا الدين أصلا وألحدوا وسيطر عليهم الفكر البشري ؟!
... ولكن مع تزايد مساحات السوشيال ميديا ، وخضوعها لمبدأ التسوق والشهرة ، ومع تصاعد موجة الإسلاموفوبيا ، التي بسببها تزايدت ، وبسبب تصلب وتطرف غالبية الطرح الإسلامي عند مختلف المذاهب إزداد معها تطرف (الطرف اللاديني) ، ولاحظنا أن (عند كثير من المشهورين منهم) كان تطرفهم ناتجا عن مرض الشهرة وتوجه سوق الإعلام والإنتقال لمساحة العداء للدين ، هذا الإستقطاب وإدعاء أن (اللادينية) تمثل تنويرا للمجتمع ، هو إدعاء شعبوي إعلامي ووهمي يزيد من مشاكل مجتمعاتنا
... والدخول بلعبة الإستقطاب والصراع بدون ضبط أخلاقي وعقلاني لايحمل أي تنوير ولا أي أفضلية ، خاصة مع إعتماد أسلوب الإزدراء الأديان والأنتي (إسلام) ، وهذا يعني أن هؤلاء يكفرون ويحلون دماء من يخالفهم ، وأولئك يزدرون ويبررون محاربتهم بأي وسيلة ، بحجة أنهم إرهابيون ، وكأن مجتمعاتنا كانت بحاجة لتطرف جديد يدعى (التطرف اللاديني)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق