الجمعة، 11 أكتوبر 2024

جلست كعادتي في نفس المكان بقلم محمد أبو ياسين

 جلست كعادتي في نفس المكان ،كما كنت أفعل كل مساء أحتسي كأس الشّاي في نفس المقهى ، يأتي به النادل كما تعوّد كل يومٍ بدون أن يسأل ماذا أريد أن أشرب ، بعيدا عن صخب رواد المقهى و رائحة دخان سجائرهم ، أجلس وحيدًا في مكانٍ هادئٍ أحرِِّك قطعة السُّكرِ لتذوبَ فيهِ  فأذوبُ معهَا في سُهَامِي و تستحيل مخيِْلتِي كَكِتابٍ صفحاتُهُ من ماءٍ أُُبحِرُ في أعماقِ أعماقِي ، و أبتسم أحيانًا بدونِ أن أشعرَ  فَتُوقِظنِي من غفوتي همساتُ بعضِ الجالسينَ قُبالَتِي و كأنَّنِي أسمعُ وَشْوَشَاتِهِمْ و ألاحظ إبتساماتِ سخريةِ أحدِهم ، فلا أهتم و لا أبالي ، لأنني عندما أكون خاليًا مع نفسي  أحذِفُ وجودَ كلِّ الحاضرينَ ، فيصبحُ لا فرق بينه و بين العدَمِ ، ثم أرتشِف الشاي الدافئ رشفات قد أضافت إليها حباتُ السّكر طعمًا جميلاً و رونقًا ، فأُسافرُ من جديدٍ .. بعيدًا و كأنني أمتطي قطارًا قديمًا يشقُْ غبارَ الطريقِ و في كل رحلةٍ يتوقف قليلاً في محطة من محطاتِ الذكرياتِ ،فتصعدُ أشخاصًا تحيِي ذاكرةً جديدةً و تنزلُ أشخاصًا لتدخلَ طيَّ النسيانِ من مخيلتِي تمحوها الأيامُ و هكذا ... إلى آخر رشفةٍ من كأسي أستفيق و أنظر حولي فأجمعُ ما تبقّى مني من شَتَاتٍ كطفلٍ صغيرٍ يجمع أدباشه بعد نهاية كل حصةِ درس و أخرج و قد  زالت كل شواغلي كما يخرج هذا  الطفل من المدرسة  .

✍️ محمد آبو ياسين /  تونس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ما ضرّ عيناكِ تُسقِي القلبَ ما يرِدا بقلم عبد العزيز دغيش

ما ضرّ عيناكِ تُسقِي القلبَ ما يرِدا أما يُرى أن الروح فيك قد شردا غاب عني وبات نهباً لأساهُ وللردى يقضي نهارَه في العراء دون شربٍ ودون زادٍ...