أنها نهاية النهار ، جلست على العشب بساط اخضر ، ومن فوقي نجوم السماء احصيها إلى ما لانهاية ومن حولي عشرة زجاجات فارغة اعددتها لجمع نجوم الأرض اليراعات فهذا هو فصل الصيف موسم تزاوج تلك الكائنات النجمية المضيئة !
طفقت الشمس للأفول فبدت السماء دامية تعلن نزفها الروحي على فراق فلذة كبدها كتلة النار المضيئة تلك !
لكنها اخيرًا استسلمت للمساء وعانقت حبيبها القمر وفترت مشاعرها الحارقة الجياشة ببرودة المساء ونسيمه الهادئ العليل !
بدأت اخيرا تلك المصابيح تشتعل واحدة تلو واحدة وإذا بي افتح الزجاجة الأولى واقترب من زاوية احدى الاشجار ، وصار اليراع يدخل زجاجتي وأنا سعيد بذلك المنظر حتى امتلأت الزجاجة الاولى بعدد جيد من اليراع فأحكمت غلقها !
وعلى غصن قريب كان يدنو من رأسي لمع جناحان يشبهان جناح الفراشة غير انهما مضيئان دققت متفحصًا وسط الظلام لأبصر كائنًا بجسد انسان فرد جناحيه المضيئتين رفعت اصبع السبابة فوقفت عليه تلك المخلوقة الضئيلة يكاد لا يتجاوز حجمها اصبع السبابة .
خفق قلبي بدهشة وسرور عندما عثرت على كائن فريد شعرت وكأني ظفرت بجوهره نادرة فكرت في طريقة لأكثر فيها هذا الجنس حتى احصل على المزيد من النسخ فلم اتردد في وضعها في زجاجة منفردة كسائر اليراعات ، وذهبت مسرعًا إلى البيت، دخلت إلى المطبخ وسحبت أحد الأدراج بلهفة بدأت اقلب الملاعق بحثًا عن سكين كان المطبخ معتمًا لذا أستعنت بحاسة اللمس وانا اقلب الملاعق بأناملي أخيرًا وجدت سكينًا قمت بعمل ثقب للتنفس في غطاء الزجاجة البلاستيكي وتلك المخلوقة كانت خائفة وبشدة اسمع صوت انفاسها اللاهثة خوفا تنظر من وراء الزجاجة وتجول بنظرها ارجاء المكان الغريب المبهم الفقير من النور سوى من ضوء قمر تسلل من النافذة المفتوحة في المنتصف قربت الزجاجة من وجهي وكشفت عن اسنان ناصعة البياض وإذا بها تعود خطوة إلى الوراء ثم تسقط على أرضية الزجاجة فزعة يبدو أنها رأت صورة مقربة من وجهي افزعها وظهر لها فجأة من عمق الظلام ههههه قلت لها حسنًا لا تخافي اتضح أنها تحمل نفس الغرائز البشرية كما تمتلك شكل اجسادهم، تناولت علبة الكبريت الموضوعة على الطاولة اشعلت واحدة لأوقد الفانوس الزيتي وامتلئ المطبخ المعتم بالضوء وضعت الزجاجة على الطاولة نهضت المخلوقة تنظر بدهشة إلى المكان وبدا عليها العطش اخرجتها من الزجاجة وامسكتها من جذعها ثم احكمت قبضة يدي كي لا تلوذ بالفرار فتحت صنبور الماء وملئت كفي الاخرى بماء يسير. قربتها من فمها بدأت ترتشف الماء بلذة وشوق حتى ارتوت ابتسمت وقلت بالعافية لم تكن تفهم لغتنا فهي بالأساس لا تملك لغة ، تمردت وصارت تدفع يدي وتصدر اصواتا تشبه صفارة خافتة يكاد صوتها لا يسمع شعرت وكأن ضربتها ريشة طائر تدغدغ يدي قلت لا تحاولي العبث ايتها المخلوقة واعدتها إلى زجاجتها واغلقتها مرة اخرى قطبت عن حاجبيها وصارت تتسلق جدران الزجاجة الملساء فتنزلق ثم تسقط كررت ذلك خمس مرات غير ان محاولاتها بائت بالفشل .
زقزقت عصافير بطني لم اكل غير شريحة لحم منذ الصباح اوقدت النار كي اعد حساء الفطر مع الحليب اعددت المواد اللازمة لصنع الحساء فرمت البصل وكذلك الفطر ووضعت التوابل ثم اذبت الدقيق في الزبدة النباتية واظفت المكونات مع اللحم المهروس والذي اعددته مسبقا وعندما تحمصت المكونات نصف تحميص اضفت مرق اللحم حتى بدأ يغلي ثم اضفت اليه الحليب بالتدريج وفي غضون نصف ساعة صار الحساء جاهزًا سكبت منه في أنائي وانطلقت صوب المائدة وضعت انائي بالقرب من تلك الزجاجة كانت تلك المخلوقة تغط في نوم عميق شعرت بالشفقة عليها وفكرت أن احررها لكن رغبة قوية داخلي تجعلني اتمسك بها اصبحت اتأملها وأنا انظر إلى جناحيها المضيئتان وعينياها البريئتان ووجهها الملائكي ورموشها الطويلة والكثيفة وفجأة فتحت عيناها ونظرت إلي وكأنها كانت يقظة عادت تخربش على الجدران الزجاجية محتجة علي ونظراتها متخومة بالعتب حاولت أن اظهر لها حسن نيتي رفعت ملعقتي وهي مملوءة بالحساء واشرت لها بها وكأني بذلك اقول تفضلي شاركيني الطعام تفهمت ما اعنيه رغم انها لا تملك لغة وليست كائنًا ناطقا كالإنسان الا أنها فهمت من الإشارة ظهرت عليها علامات الجوع لعقت فمها بطرف لسانها ثم بلعت ريقها علمت أنها جائعة قطعت كسرة صغيرة من الخبز وببلتها بالحساء ثم فتحت الغطاء البلاستيكي للزجاجة وقدمتها لها تناولتها مني بسرعة وصارت تأكل بشراهة وأنا انظر لها بسرور، وعندما اكملت الكسرة الاولى نهضت و اقتربت ثم وضعت يدها على الجدار تنظر إلى إناء الحساء من خلف الزجاج وكأنها تطلب المزيد قمت بتقديم قطعة اخرى من الخبز بعد أن غمستها في الحساء ثم تناولتها حتى شبعت.
وفي منتصف الليل بينما كنت نائماً اخترق طبلة اذني صوت حفز الخلايا العصبية المسؤولة عن اليقظة في دماغي فجاء الحافز إلى مقلتي لأفتح عيني مستيقظا .
كانت المخلوقة في منتصف الزجاجة تصفق بجناحيها ويديها وتقفز بسعادة ولهفة وتصدر صفيرا يشبه صفير الصفارة اقتربت منها وقلت ما خطبك كانت عيناها تنظر باتجاه نافذة حجرتي المفتوحة والهواء يحرك الاشجار وعلى طرف النافذة كان يقف مخلوق بجناحين مضيئتين اقتربت بحذر وقبل أن يطير امسكته جسمه يشبه جسم الانسان وجناحه جناح فراشة انه من نفس فصيلة المخلوقة تلك لكن يبدو ان جنسه يختلف لقد كان شعره اقصر وجسمه اضخم كان بحجم نصف كف ويشبه ذكر الانسان فرحت كثيراً وابتسمت ابتسامة ظفر واسرعت لأخرج زجاجة اخرى ثم وضعته بها ووضعت الزجاجتين بشكل متوازي وضل المخلوقان يتبادلان النظرات من خلف الجدران الزجاجية بحزن.
أما أنا فنمت تلك الليلة والسعادة تغمر قلبي وقلت في نفسي اخيرًا قد ابتسم لك الحظ يا يعقوب فالمشروع الذي سيجلب لك الثروة كان مقدرًا لك في سن الستين فكرت اني سوف ابيع المخلوقان في المزاد العلني واكسب من ورائهما ثروة طائلة .
جال في خلدي منام رأيت طيف مخلوق بحجم نصف كف له اجنحة مضيئة تشبه جناح الفراشات لكنه كان ضبابياً جدًا ويحوم حول رأسي بينما أنا راقد في سريري مستلقيا على ظهري بنفس الوضعية التي خلدت فيها للنوم رفعت يدي كي امسك بذلك المخلوق الجذاب لكني لم استطيع واخترقت يدي جسده الشفاف الضبابي واخذ ذلك المخلوق يعذبني بأن ينفث من فمه نار في وجهي ويصرخ قائلا (حررني إلى مثواي الأخير ....حررني إلى مثواي) سأموت بسببك، استيقظت مفزوعًا وركضت صوب الزجاجتين كانت المخلوقة تجلس بأعياء وقد ذوت عيناها بحزن وارهاق وبدا عليها الشحوب يبدوا انها لم تنام ظلت مستيقظة طوال الليل فالهالات السوداء تحيط بعينيها ، نقلت بصري إلى الزجاجة الثانية وجدت ذلك المخلوق الذي كنت قد اصطدته في الامس من قرب النافذة وكان في حالة يرثى لها لقد اغمي عليه في قاع الزجاجة وبدا ان وجهه مزرق وقد انطفئ ضوءَ جناحاه يبدوا أن حشرة سامة تسللت إليه من فتحة الغطاء التنفسية نظر إلى نظرة اخيرة بأسى ثم لفظ اخر انفاسه ومات يبدوا انه حاول الفرار لكن عبثا لأنه كان مسجونا حتى تمكنت منه الحشرة السامة !
موته عذب ضميري اكثر من انه خيب آمالي بالحصول على ثروة ، صرخت صرخة من اعماق قلبي شاعرًا بأنانيتي وقررت أن اتخلى عن ذلك الحلم الحقير الذي قتل مخلوقًا بريء حملت الزجاجة الثانية وقررت أن احرر تلك المخلوقة اخيرًا فتحت الغطاء واتجهت صوب النافذة والدموع لازالت تملأ عيناي وقفت المخلوقة على حاشية النافذة بذبول انتظرت منها ان تحرك جناحها فتطير لكنها لم تفعل حتى وكزتها بأصبعي واخيرا استعدت للتحليق وحلقت على مسافة متر مني لكنها قبل أم تحلق عاليا حانت منها التفاته نحوي نظرت إلي بامتنان وحلقت باتجاه اشعة الشمس وتتبعتها بنظرات مليئة بالسعادة ونشوة ارتياح الضمير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق