في هذه الشقة الكبيرة عاشت الأسرة من عام 1968عهدا جديدا ، لم يكن يتعلم فيه سوى ابنها محفوظ الذي بلغ عامه العاشر ، وهو الرابع في الترتيب بين أبنائها ، وكانت المصادفة الغريبة وقتها أنه كان أيضا في الصف الرابع الابتدائي ، وكان ترتيبه في فصله يتأرجح بين المركزين الثالث والرابع ، كانت سعادة عزيزة بتفوق ابنها محفوظ بالدراسة تساوي فرحتها بعودة ابنها وحيد سالما من الحرب وكذلك فرحتها بحصول ابنتها مَجيدة على دبلوم التجارة وأيضا فرحتها بانتقالها للعيش ببيت فيه الماء والكهرباء ويعرف لغة الزِّر، فقط كان الامر الموجع لها أن ابنها ( جَيِّد )الثاني في الترتيب لحق بأخيه الأكبر وحيد بالجيش وغاب عنها قرابة الشهرين لاتعرف عنه شيئا .
محفوظ أسمر اللون صغير الحجم خفيف الظل خُلقت كلمة الشقاوة من أجله ، أنجبته عزيزة في عامها الرابع والثلاثين في ظروف غريبة ، حيث حملت قبله ثلاث مرات ولم يكن يعيش من تلده ، أما في هذه المرة عاش الجنين حتى حانت لحظات الولادة ، قررت أن تلده بالمستشفى ، كانت تشعر بكثير من تحركاته في أحشائها طيلة فترة الحمل ، وكانت الجدة تقول لابنتها عزيزة :
_ واضح إنك هتجيبي حد شقي أوي
_ معقول يا أمي !؟ كل عيلتنا مفيش فيها حد شقي كده ولا عيلة أبوه
_ كل عيلة لازم يجي فيها عَيل شقي كده ، وعيلة أبوه لازم فيها حد كده
شعرت عزيزة أن القادم بحياتها سيكون صعبا إذا صدق حدث امها هذا بأن القادم ولد شقي بناءا على ماكانت تحسه في شهور حملها الاخيرة هذه
وبالفعل عاشت عزيزة الكثير من الأوجاع في حملها هذا حتى وضعته بأمان ، حين وضعته قررت مع زوجها زغلول أن يسمونه ( محفوظ ) ، ربما يكون له نصيب من اسمه
عاش محفوظ وكأنه جاء بكل الشقاوة للدنيا ، منذ منتصف عامه الثاني بدأت علامات تميزه عن إخوته ، حينها هبَّ واقفا على قدميه مُدهشا لأمه وخاله الكبير حيث كانا في بيته ، في عامه الثالث سقط من فوق سور سطح بيتهم خلف البيت ، هرولت عزيزة وهي تصرخ خوفا على محفوظ حين أبلغتها جارتها وحبيبتها سميرة المسيحية بسقوطه ، في هذا الحادث أدركت أن ابنها سيكون عمره طويلا كما يقولون ، فقد سقط على ذقنه من الدور الثالث على كومة من الرمال وبعض الحجارة الصغيرة ، يومها أعلنها خاله الكبير :
_ نجا بهلول .. نجا بهلول
فصار من يومها لايناديه خاله إلا ببهلول ، وفي أول إجازة لأخيه الأكبر وحيد من الجيش جاء لبيتهم معنفا إياه :
_ يعني أنت من دلوقتي بقى ناوي تقلقنا ولا إيه ؟
فردت عليه أمه عزيزة :
_ أنا كنت هموت فيها لو كان جراله حاجة ، وكمان كان ممكن يحبسوني عشان بهمل في رعايته
_ عجبك كده ، شايف خليت أمك حالها يبقى إزاي، المرة الجاية عاوز أسمع إنك بطلت شقاوتك دي
ولأن محفوظ يسكن بداخله ألف طفل ظل على نفس شقاوته هذه ، وكان يصمت حين يعنفونه وكأن الكلام ليس له ، فيستمر بشقاوته هذه بل واستطاع أن يجذب إليه ابن خالته الذي انتقلت أسرته للعيش بالقرب من بيتهم في حي المعادي ، بعد أن كانوا يعيشون بعيدا بحي شبرا
.. وغدا نعود مع ( أم محفوظ بهلول البربري 4 )
@إشارة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق