دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... وصلا بما سبق فإن فلسفة (اللذة والألم) وارتباطها بكل أفكارنا وحركاتنا وسلوكنا في الحياة وسيطرتها علي منهجنا وإختياراتنا قد إهتم بها العلماء في كل مناحي العلوم ، ولذلك فإن علم النفس الإنسانية قد اهتم بدراستها ، بل كان له باع كبير في تفسير كيفية تحكم (اللذة والألم) في النفس الإنسانية ، وما تخلفه من ٱثار (سلبية أو إيجابية) على النفس البشرية
... ويتجلى ذلك في تأكيد (علم النفس) أن هناك (مبدأ) داخل النفس البشرية يسمى (إجبار التكرار) وهذا المبدأ يجعل الإنسان يفضل تكرار نفس التجارب والمواقف القديمة التي مر بها ، حتى لوكانت دون فائدة ، وكأنه مبرمج عليها ، وفي نفس الوقت هناك (مبدأ ٱخر) إسمه مبدأ التكيف والتعود على (اللذة أو الألم) وهذا وظيفته أن يقلل التوتر النفسي عند الشخص ، ويجعله يشعر براحة أكبر ، والفرق بين الإثنين أن مبدأ التعود والتكيف على (اللذة أو الألم) يعمل كي يريح الإنسان من الضغوط التي يواجهها بسبب التغيرات التي تحدث حوله ، بمعني أنه يحاول تخليص نفسه من أي قلق جديد ، أما مبدأ (إجبار التكرار) فهو يعيد الإنسان لحالة قديمة كان يعيش فيها ، وكأن الإنسان لايريد تغيير أي شئ تعود عليه ، وهناك أشخاص يجمعون بين المبدأين (إجبار التكرار والتعود على اللذة والألم) ، لأنهم يحبون تفضيل المحافظة على وضعهم كما هو ، ولذلك فهم يقاومون أي تغيير أو شئ جديد ، ولكل واحد منهم طريقته الخاصة
... إستوقفني كتاب (الأسرار الثلاثة) ، للكاتب (فراس عبيد) ، الذي يتحدث عن (ثلاثة) مفاتيح للحياة الروحية ، التي من شأنها أن تنبه وتستنهض الطاقة الكونية الموجودة في داخلنا ، للإستعانة بها وللإستمرار في الحياة بشكل أفضل وأكثر هدوءا ، وذلك يتم عند تحقيق التوازن بينها
.. وأهم هذه الأسرار الثلاثة هو سر تحقيق (صفاء الباطن) وهو ذلك الشعور أو هو تلك الثمرة لحياة التوازن التي يعيشها الإنسان ويربط فيها بين (الإجبار المتكرر) و (التعود على اللذة أو الألم) ، فهذا (التوازن) وما يصحبه من وقوف في المنتصف أمر أساسي لإدراك الحياة بوعي أكبر وهنالك يحدث (الصفاء الداخلي) ، وهو الغاية التي نحتاجها ، وتتحقق بالتوازن ، وتولّد فينا تلك الطاقة الإيجابية الهائلة التي يشعر بها الإنسان وتصل إلى الآخرين ، وتؤثر فيهم بحيث يقتربون منا أكثر ونشعر بالإرتياح لهم
... ويؤكد إبن القيم في كتابه (روضة المحبين) أن (اللذة والألم) يتناسبان طرديا فكلما غرقنا ب (اللذات) كلما زاد (الألم) فأحسنوا (التوازن) واجعلوا ميثاقكم مع الروح قبل الجسد ، ولتحقيق التوازن بين اللذة والألم ، ف (اللذة والألم) لايمكن فصلهما تمامًا ، حيث أن كل لحظة (فرح) ممزوجة ب (الحزن) ، وكل (لذة) قد تكون مصحوبة ب (ألم) ، هذا التوازن يُعد ضروريًا لتربية وتوجيه النفس البشرية نحو الأفضل ، ولذلك فإن (إدراكُ) المُلائِم يُسببُ اللذَّة ، وإدراك المُنافِي يُسبب الألم ، فاللذَّة والألم يَنْشآن عن إدراك المُلائِم والمُنافِي ، والإدراك سببٌ لهما ، ولأن (اللذَّة) أظهر من كل ماتعرَّف به ، فإنها أمرٌ وجدانيٌّ ، ولا تعرف بظاهرها إنما تُعْرَف بأسبابها وأحكامها ، واللذَّة ، والبهجةُ ، والسرورُ ، وقُرَّة العين ، وطيب النَّفس ، والنَّعيمُ ألفاظٌ مُتقاربةُ وتعطي تقريبا نفس المعنى
... والصدق في المشاعر قد يسبب لك (ألما) شديدا ولكنه أقل تأثيرا من كتم المشاعر ، فأصعب ألم في الحياة :
.. أن تحاول رسم الإبتسامة على وجهك في حين ينوح قلبك
.. أو أن تحاول إسعاد غيرك وأنت فيك حزن دفين يكفي لإغراق أصدقاءك
.. أو أن تحاول نشر روح التّفاؤل في أحبابك وأنت خزّان من التشاؤم في فؤادك
.. أو أن تحاول العيش بقلب حيّ في حين أنّ قلبك رحل منذ غادرك حبّ عمرك
.. أو أن تحاول نثر الورود على كلّ من حولك في حين تشمّ في داخلك رائحة إحتراق روحك
.. أو أن تجبر قلبك في محيطك على تمثيل دور العاشقين وهو في الحقيقة أقرب إلى دور أشباح ظلّك ،
.. أو أن تكتب قصائد عن الحبّ والمحبين وأنت غارق في جليد جسدك
.. أو أن ترى من تحبّ أمامك ولا تستطيع إخباره أنّه وطن روحك
.. أو أن تحاول بعث الأمل في غيرك وأنت والموت أصدقاء منذ أوّل زمانك
.. أو أن تحاول تخفيف الألم عن أهلك وقد إستوطن الألم في كيانك
.. أو أن تحاول ألاّ يرى أحدا دمعتك بينما أثقلت العبرات جفونك فانهمرت الدّموع من عيونك
.. أو أن تحاول الحياة كالبشر فتأكل وتشرب بينما أنت ميت فلا الأكل يشبعك ولا الماء يرويك
.. أو أن تحاول إجادة الفروسيّة وأنت سجين همّك
.. واعلم أخي الكريم أن أصعب ألم في الحياة أن يتساوى عندك الليل والنهار ، واللّذّة والألم ، والنّور والظلمة ، والخير والشرّ ، بل إلى حدّ أن يتساوى عندك الموت والحياة ، وحتى البيت والقبر ، أصعب ألم أن تفقد الإحساس بالألم وأن يموت الأمل بك وفيك ومعك وعليك
... والحكم على (الفعل) إن كان خيراً أم شراً نسبي تماما ، لأنه من المنظور السلوكي فإن (الخير) و (الشر) يعتبران توصيفاً للتناقض الكوني بناء على موقع قياسك للأمر ومقدار النفعية التي يحققها لك هذا (الفعل) في لحظة ما ، كيف ذلك؟! ، لأنك أحيانا كثيرة تجد أن تبنيك للفعل أنه (خيرا) عندما يكون نافعا لك ، وفي وقت آخر قد يتحول نفس الفعل (شرا) لو حدث منه الضرر في موقف آخر ، ناهيك أصلا أن منفعته لك قد تكون ضررا لغيرك فيصبح شرا له ، ومنفعته لغيرك وضرره لك حينها يتحول شراً لك ، إذاً الخير والشر هو وضعك بالنسبة للفعل ومقدار تحقيق المنفعة أو الضرر بالنسبة لك ، وبسبب نقص وجودنا ، وعدم مقدرتنا على التواجد اللحظي الشامل في كل شئ في نفس الوقت ، لكننا محكومين بحتمية الزمان والمكان ، لذلك النسبية هي التي تحكم رؤيتنا ورد فعلنا للأفعال
... وإلى لقاء في الجزء الرابع إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق