الجمعة، 23 مايو 2025

الإيمان بالقضاء و القدر خيره و شره بقلم علوي القاضي

 «[®]» خواطر طبية «[®]»

  الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره 

من ذكرياتي : د/ علوي القاضي

... لاأنسى ذلك اليوم حينما كنت (نوبتجيا) في المستشفى ، ودخل علينا مسرعا الزميل (الجراح) ، فقد تم إستدعائه على عجل

، لاجراء جراحة فورية لأحد المرضى الأطفال الذي يعاني من (زائدة دودية منفجرة) أدت إلى التهاب بريتوني ، والزميل الهمام صاحب الضمير الحي ، لبى النداء بأسرع مايمكن ، وبدل ثيابه واغتسل (تعقم) إستعدادا لإجراء الجراحة (إستكشاف وإستئصال) ، ولكنه قبل الدخول إلى غرفة العمليات ، وجد والد الطفل المريض يذرع الممر أمام جناح العمليات جيئة وذهابا ، وعلامات الغضب والقلق بادية على وجهه ، وما أن رأى الطبيب حتى صرخ في وجهه ودار الحوار التالي :

★ علام كل التأخير يادكتور ؟! ، ألا تدرك أن حياة إبني في خطر ؟! ، أليس لديك أي إحساس بالمسؤولية ؟!

** ابتسم الطبيب برفق وقال : أنا ٱسف يا أخي فلم أكن في المستشفى ، وقد حضرت ، حالما تلقيت النداء ، وبأسرع مايمكنني ، والٱن أرجو أن تهدأ ، وتدعني أقوم بعملي ، وكن على ثقة أن إبنك سيكون في رعاية الله وأيدي أمينة 

★ لم تهدأ ثورة الأب : كيف أهدأ ؟! ، ما أبردك يا أخي ، لو كانت حياة إبنك على المحك هل كنت ستهدأ ؟! ، سامحك الله ، ماذا لو مات ولدك ماذا كنت ستفعل ؟!

** إبتسم الطبيب : أقول قول الله تعالى (الذِين إذا أصابتهم مصيبَة قالوا إِنا لِلّهِ وإِنَا إِليهِ راجعون) ، وهل للمؤمن غيرها ؟! ، يا أخي : الطبيب لايطيل عمرا ولايقصرها ، والأعمار بيد الله ، ونحن سنبذل كل جهدنا لأنقاذه ، واعلم أن الوضع خطير جدا ، وإن حصل شيئ فيجب أن تقول (إنا لله وإنا أليه راجعون) ، إتق الله وأذهب إلى مصلى المستشفى وصل وادع الله أن ينجي ولدك 

★ هز الأب رأسه ساخرا وقال : ما أسهل الموعظة عندما تمس شخصا ٱخر لايمت لك بصلة

... دخل الطبيب إلى غرفة العمليات واستغرقت العملية عدة ساعات 

** خرج الطبيب على عجل وقال لوالد المريض : أبشر يا أخي ، فقد نجحت العملية تماما والحمد لله وسيكون إبنك بخير ، والٱن أعذرني فيجب أن أسرع بالمغادرة فورا وستشرح لك الممرضة الحالة بالتفصيل 

... حاول الأب أن يستفسر من الجراح أكثر ولكنه إنصرف على عجل

... إنتظر الأب دقائق حتى خرج إبنه من غرفة العمليات ومعه الممرضة ، فقال لها الأب : ما بال هذا الطبيب المغرور ، لم ينتظر دقائق حتى أسأله عن تفاصيل حالة ولدي ؟!

... أدمعت عينها وقالت : لقد توفي إبن الدكتور اليوم ولم ينتظر مراسم الدفن عندما إتصلنا به للحضور فورا ، وقد ذهب مسرعا ليواري إبنه التراب ، وهو قد ترك حزنه على ولده ، كي ينقذ حياة ولدك 

... اللهم أرحم نفوسا تتألم ولا تتكلم ، وكفى بالموت واعظا

... فياأخي الكريم كن إيجابيا ، تعش سعيدا ، كن من أولائك الذين إتخذوا من القناعة شعارا ، ومن الرضا مشعلا ، ينير لهم دروب الحياة ، ومن الإيمان بالقضاء والقدر مبدأ ومنهاجا ، لا تكره أخاك بسبب الغيرة ولا تنظر بحسرة إلى ما وهب الله لجارك ، ولا بعين الحسد لصديقك ، فإنه سبحانه وتعالى أعلم بالخبايا ، وما تكنه الصدور ، ربما لم يعطك مالا أو يأخذ منك ولدك ، ولكن أنعم عليك بالصحة ورجاحة العقل ، ونقاء السريرة ، وحب البذل والعطاء ، والتفاني في خدمة البشر ، لم يهبك حسن الصورة ، ولكن وضع بداخلك قلبا جميلا يسع العالم ، لم يفرحك بذريتك ، ولكن أكرمك بمحبة الناس ، إذن لا تتذمر ، ولا تضجر من قضاء الله وقدره ، وقل الحمد والشكر لله دائما وأبدا ، فلله ماأعطى ولله ماأخذ وكل عنده بمقدار ، ولانقول إلا ما يرضي ربنا (إنا لله وإنا إليه راجعون) ، وابتسم للحياة ، أوصيك بالإبتسام مهما تكالبت عليك النوائب وأحاطت بك المآسي ، فالابتسامة تجعل منك إنسانا سعيدا ، قد يغبطك البعض لأنك دائم الإبتسام ، مهما أحسست بقساوة الظروف ، لأنه يبقى مجرد إحساس لا يحس به غيرك ، كن إيجابيا واجعل ثقتك بالله وبنفسك أكبر وأعمق ، وستدرك حق الإدراك أن سعادة المرء في بساطته ، في قناعته واقتناعه ، بأنه لن ينال إلا ما قدره الله له وماحصدت أنامله وما نتج عن تفكيره وما أملاه عليه عقله وضميره ، حينها تأكد بأنك سوف تحقق سعادتك

... تحياتي ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لِلَّهِ لَحْظُكِ ما أَشَدَّ لَو أَدْرَكَتْ بقلم جمال أسكندر

قصيدة (لِلَّهِ لَحْظُكِ ما أَشَدَّ لَو أَدْرَكَتْ)  بقلم / جمال أسكندر    يَا خَالِقِي إِنَّ عُرَى الهُمُومِ تَمَكَّنَتْ     سَلَّمْتُ أَمْر...