«(|)» رد الجميل «(|)»
بقلمي : د/علوي القاضي.
..إزرع جميلا ولو في غير موضعه *** فلن يضيع جميل أينما زرع
... دخل الرجل العجوز المستشفي للعلاج ، وظل الشاب يزوره يوميا ، ويجلس معه أكثر وقت ممكن ، ليساعده في طعامه واغتساله ، ثم يأخذه في جولة بحديقة المستشفى ، ثم يساعده على الإستلقاء ويذهب بعد أن يطمئن عليه ، سألته الممرضة وهي تتفقد حاله ، وقالت : ماشاءالله ربنا يخلي لك إبنك ، يوميا يزورك ، فنظر إليها ولم ينطق وأغمض عينيه وقال : تمنيت أن يكون أحد أبنائي ! ، فهذا يتيم من الحي ، رأيته مرة يبكي ، فهدأته واشتريت له الحلوى ، ولم أحادثهُ من يومها ، وعندما علم بوحدتي أنا وزوجتي أصبح يزورني كل يوم ليساعدنا ، حتى ضعفت ، أخذ زوجتي إلى منزله وجاء بي إلى المستشفى للعلاج وعندما كنت أسأله : لماذا يتكبد هذا العناء معنا ؟! ، يبتسم ويقول : ما زال طعم الحلوى في فمي « رد الجميل »
... في أحد مستشفيات أستراليا ، عام 1951، صبي يُدعى (جيمس كريستوفر هاريسون) في الرابعة عشرة من عمره ، كانت حياته مهددة ، ظل ينزف بعد جراحة كبيرة ، واحتاج الصبي ، إلى أكثر من 13 وحدة دم بعد الجراحة ، وبعد شفاؤه ، كان أول ما قاله لوالده ، (لولا الناس التي تبرعت لي، لكنت متّ ، عندما أكبر ، سأتبرع ، طول حياتي)
... لم يكن يعلم أن وعده البسيط هذا ، سيكتب حياة لملايين الأطفال الذين لم يولدوا بعد
... كبر (جيمس) ، وعند الثامنة عشرة ، ذهب إلى بنك الدم ، للوفاء بوعده مئات المرات
... ومن المدهش إكتشاف أن بلازما دمه تحتوي على أجسامًا مضادة نادرة ، هذه الأجسام قادرة على منع حدوث مرض الريسوس (Rhesus disease) ، وهو مرض مناعي يُهدد حياة الأجنة داخل الأرحام ، ويؤدي بالجنين إلى تشوهات أو إجهاض أو وفاة ، هذه الأجسام تُسمى ( Anti-D immunoglobulin) ، وهذه المادة كانت تُستخلص من بلازما دم جيمس !
... جلس جيمس في نفس المقعد ، أكثر من 1000 مرة خلال حياته ، الذراع ممدودة ، والوجه هادئ ، والعينان كلها رضا ، كان يتبرع كل أسبوعين ، واستمر لعشرات السنين ، لا مال ، لا شهرة ، لا مقابل ، فقط وعد قطعه وهو طفل ، ووفي به
... إحصائيا ، دم جيمس ساعد في إنقاذ أكثر من 2.4 مليون طفل حول العالم
... بلغ جيمس 81 عامًا وهو الحد الأقصى للتبرع بالدم
... في آخر جلسة ، إزدحمت الغرفة بالأطباء والممرضين والأمهات والآباء الذين أنقذ دم جيمس أطفالهم ، وقفوا له جميعًا وصفقوا بعضهم يبكي ، والٱخر عجز عن الكلام ، كانت ابتسامته في ذلك اليوم أعظم من ألف وسام ، وقد حصل على وسام الشرف من الحكومة الأسترالية ، وأُطلق عليه لقب (الرجل صاحب الذراع الذهبية)
... لم يعتبر نفسه بطلًا ، بل كان يقول دومًا (أنا مجرد رجل أنقذني الدم ، فقررت أن أُنقذ به غيري)
... (رد الجميل) في عالم يركض وراء المال والشهرة ، نجد رجلا بصمتٍ تام ، وبذراع واحدة ، أنقذ أرواحًا لا تُعدّ ، وأسر لم تعرف الحزن ، كل ذلك لأن طفلًا صغيرًا شعر بالامتنان، ولم ينسَ
... تحياتي ...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق