بحث وتعليق : د/علوي القاضي .
... حرص المستشرقون على مر العصور بمساعدة العملاء على السخرية والإستهزاء بالرموز الدينية والعلماء والقدوة في العالم الإسلامي ومهاجمتهم وبالذات في الأعمال الدرامية لإضعاف الروابط وإحداث فجوة بينهم وبين محبيهم ومريديهم
... هذه الجملة الساخرة قالها الفنان عبد المنعم إبراهيم في فيلم (إسماعيل يس في الأسطول) ، والتي أغضبت الشاويش عطية (رمز السلطة)
... ولغرابة اللفظ وجدتني أبحث عن أصل الكلمة ومعناها ، ما معنى كلمة (شنقيط) ؟! ، ومن هم (الشناقطة) ؟!
... يالك من (شنقيط) هي عبارة مصرية ساخرة ، تُقال لأي شخص كثير الكلام ،فى أو فصيح اللسان بشكل مبالغ فيه ، وتشير إلى أن هذا الشخص يمتلك فصاحة أو طلاقة
... كان الجندي يسخر من الشاويش عطية ، الذي كان يتحدث بلهجة مضحكة وغير مفهومة بالنسبة له ، مع كثرة كلامه وفصاحته المزعومة
... مدينة (شنقيط) التاريخية في موريتانيا ، وكانت مركزًا للعلم والثقافة الإسلامية في الماضي ، ولذلك أصبحت رمزًا للفصاحة والبيان
... فعندما تُقال هذه العبارة ، فهي تعني كثرة الكلام ، أو الفصاحة بشكل مبالغ فيه ، وأحيانا تستخدم للسخرية أو المداعبة
... واشتهرت مدينة (شنقيط) لأنها كانت عبر القرون منارة علم ومعرفة في الغرب الإسلامي
... وفي عام 1300 هـ ، وفد إلى الأزهر الشريف أحد علماء الشناقطة ، وهو الشيخ (محمود التركزي الشنقيطي) ، ليطلب الإجازة في الإمامة في اللغة العربية ، إذ كان يحفظ كتاب القاموس المحيط لـ (الفيروز آبادي) عن ظهر قلب !
... وعندما اختبروه في الأزهر ، وجدوا أنه يصحح لهم نسخهم من الكتب المعتمدة ، حتى إنهم صححوا نسخ (المخصص) (لابن سيده) وكتبًا أخرى على حفظه !
... وقد أعجب به الإمام محمد عبده حتى أنه رفض السماح له بمغادرة مصر قبل أن يراجع نسخ أمهات كتب اللغة بالأزهر ، ورتب له رزقًا (راتبا) يُصرف له
... وقد ذكره طه حسين في كتابه الأيام باسم (الشنقيطي)
... ويروي التاريخ كذلك قول العلامة ابن الحاج إبراهيم العلوي : (لو رُميت جميع كتب المذاهب الأربعة في البحر ، لتمكنت أنا وتلميذي الشيخ الديماني من إعادتها دون زيادة أو نقصان ، هو يحمل المتون وأنا أمسك الشروح)
... هكذا هم الشناقطة الذين يُسخر اليوم من لفظهم (شنقيط) ، بينما هم خزانة علوم المسلمين وذاكرتهم
... في تلك البلدة الصغيرة ، لا يبلغ الفتى ستة عشر عامًا حتى يكون قد حفظ : ألف بيت من الشعر من مختلف بحور العربية ، ستة كتب من علوم اللغة والأدب ، عشرة متون فقهية مع شروحها ،
وعددًا من كتب الحديث
... وهذا هو الطالب العادي ! أما الموهوب ، فيحفظ الكتب الستة في الحديث ، ومتون المذاهب الأربعة وشروحها ، وكتب الآداب ، والقاموس المحيط ولسان العرب ، أي ما يقارب مائة مجلد من العلم !
... إنها موهبة ربانية خصّ الله بها الشناقطة ، فجعلهم حماة الدين وكنوز المعرفة في الأمة الإسلامية
... رضي الله عن كل شنقيطي بما حفظ في صدره من علوم المسلمين ، ورضي الله عن أهل المغرب الإسلامي جميعًا ، وعن أهل موريتانيا الأشقاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق