انطلقت سرية العمليات صوب /تل أصفر/ - هي منطقة صحراوية جرداء في بادية الشام - للقيام بمشروع تكتيكي يراد به رفع سوية و كفاءة عناصر فوج الإشارة في استخدامهم الأجهزة اللاسلكية، و لتدريبهم على ضبط سجلات المحطات التي يعملون عليها
كنت أحد أفراد تلك السرية المتوجهة نحو تل أصفر، و لم أكن قد استوعبت بعد ترتيبات الخروج إلى مشاريع كهذه، و لم أكن على استعداد نفسي و معنوي لمهام من هذا القبيل
فعناصر السرية كافة قد أخذوا احتياطاتهم للخروج لهذا المشروع، و أما أنا فلا خبرة لي في ذلك، فمسألة الطعام و المنامة و غير ذلك لم تكن لتخطر ببالي، فلا أنا في بيت أهلي كنت أفكر في تلك المسائل و لا حتى أثناء دورة الأغرار و الفنية الاختصاص يوم كنت في مدرسة الإشارة كنت أفكر في هذا الأمر
و أيضا فمسألة الصحراء و الغبار و ظلمة الليل و قضاء الحاجة، فهذه كلها لا عهد لي بها أنا ابن المدينة التي طالما كانت دائما تعج بالأنوار و الأضواء، و تضج بدبيب الناس في شوارعها و أزقتها و حاراتها
وصلنا أرض المشروع و بدا الواحد منا و كأنه مستحاثة خرجت لتوها من قبر، فوجوهنا قد علتها الأتربة و الغبار، و ملابسنا كأنها قطعة من تلك الأرض الجرداء،
لأول مرة عرفت قيمة النعمة التي كنت عليها إذ ربيت في بيت أهلي و لم أكن أنتبه إليها
بمجرد وصولنا أرض المشروع صدرت إلينا تعليمات قائد السرية بضرورة نشر عقدة لاسلكية [ هي عبارة عن مجموعة محطات تتوزع في المكان على شكل نصف دائرة يفصل بين المحطة و المحطة ما يقرب من خمسمائة متر ] و كانت التعليمات أيضا أن نسارع إلى نصب الهوائيات و تثبيتها بشكل جيد، و أن نباشر بحفر خندق الدفاع السلبي [ هو أن نحفر في الأرض متر × متر على شكل زاوية قائمة و بعمق ما يقرب من نصف متر ] و كان علينا أيضا أن نسارع إلى مد كبل القيادة عن بعد [ هو أن تقوم كل محطة من تلك العقدة المنتشرة على شكل نصف دائرة بمد كبل إلى مركز الدائرة حيث يجلس قائد العمليات في خيمته و يتمكن من خلال تلك الكبال من إدارة كافة المحطات اللاسلكية عن بعد، بحيث إذا اكتشف العدو مواقع المحطات و قام بضربها فإن قائد العمليات لا يصيبه شيء بحكم بعده عن مكان تمركز المحطة ]
- وكتب: يحيى محمد سمونة - حلب.سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق