بقلم/نشأت البسيوني
في عالم ازدحم بالألوان الصناعية وبعلب صغيرة تباع على أنها مفاتيح للثقة يبرز سؤال لم نتوقف عنده كثيرا ماذا لو اختفت أدوات التجميل فجأة كيف سيبدو وجه المجتمع قبل وجوه الأفراد وكيف سنرى أنفسنا حين تسدل الستارة على عالم اعتدنا فيه أن نخفي عيوبنا أكثر مما نظهر ملامحنا ليس الحديث هنا عن حرب على الجمال ولا عن دعوة للتقشف بل محاولة لفهم علاقتنا بما يبهج
العين ويطمئن النفس فالجمال في جوهره ليس ظلا نلحقه بفرشاة ولا لونا نضيفه إلى الشفاه بل حالة تصنعها الطمأنينة وتوقع يزرعه القلب قبل المرآة لو اختفت أدوات التجميل سيكتشف الكثيرون أن ملامحهم التي ظنوا أنها عادية تحمل قدرا من التفرد لم يلتفتوا إليه سنبدأ في رؤية الناس بملامحهم الحقيقية بضحكات لا يختبئ وراءها خط رفيع من الكحل وعيون لم تتأقلم على صبغة تعيد
رسمها وبشرة قالت أخيرا ما لم تستطع قوله تحت طبقات من المساحيق قد تقلق بعض الفتيات وقد يشعر البعض الآخر بالتحرر فمن اعتادت أن تخرج من منزلها وهي تخشى ألا تكون مكتملة ستجد فجأة أن الجميع يشبهون الجميع في الطبيعة وأن الاختلاف الحقيقي يبدأ حين نتصالح مع نقائصنا لا حين نخفيها ومن جهة أخرى سيعيد المجتمع تقييم مفاهيمه عن الجاذبية لن تكون
الجلسات الحوارية موجهة حول لون الروج المناسب بل حول العناية الصحية بالبشرة وحول الجمال الطبيعي الذي طالما تجاهلناه سترتفع قيمة البساطة وسنكتشف أن الثقة لا تصنع في المصانع وأن الانسجام مع الذات أهم من أي لمسة خارجية غياب أدوات التجميل سيجعل العلاقات أكثر صدقا النظرة الأولى لن تبنى على انطباع مهذب بالألوان بل على حضور الإنسان نفسه وحين يصف أحدهم
آخر بأنه جميل سيكون ذلك اعترافا صريحا غير مصطنع ربما يقل الحكم المسبق وربما تزداد مساحة التفهم والقبول لكن الحقيقة أن أدوات التجميل ليست عدوا فهي فن وصناعة ولغة تعبير لدى كثيرين المشكلة ليست فيها بل في الإفراط في استخدامها حتى صارت معيارا وليس خيارا وحين يغيب الشيء الذي اعتدنا الاعتماد عليه تنكشف هشاشة الفكرة التي بنيناها حوله المثير في هذا
التصور أنه يعيدنا إلى أصل الجمال أن نرى أنفسنا بعين أكثر لطفا وأن نتعامل مع ملامحنا كما نتعامل مع تفاصيل الحياة نقبلها كما هي ونسعى لتحسينها دون أن نفقد حقيقتها سواء بقيت أدوات التجميل أو اختفت يبقى السؤال الأهم هل نحتاج فعلا لمساحيق لنتذكر أننا جميلون أم أننا نحتاج فقط إلى أن نرى أنفسنا بصدق هذا السؤال وحده قد يكون بداية للعودة إلى جمال لا يشترى ولا يضيع بانقطاع منتج أو غياب علبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق