بقلم: ماهر اللطيف 🇹🇳
لم تشأ تلك الصورة أن تنمحي من ذاكرتي، أن تهجر قلبي وعقلي. أمشي بها، أجلس بها، أنام بها، أحيى وأموت الموتة الصغرى بها. إنها تلازمني أكثر من ظلي في الحقيقة.
سنوات مرت، ويد شهناز اليمنى ما زالت تخترق نافذة السيارة تستنجد بي لأنقذها من خاطفيها. ما زال صوتها العالي، الذي استعمرته الجحرجة، يدق أذني ويزعزع كياني:
"النجدة! ساعدني يا غيلان! أنقذني من براثن هؤلاء الوحوش!"
دموعها بللت طلاء الباب الخلفي... لكنني كنت يومها مسمّرًا في مكاني، عاجزًا عن الحراك. كان مسدس أحدهم مغروسًا في رأسي من الخلف، وصوت صاحبه "ينهق" مقززًا:
ابقَ مكانك، لا تتهوّر، لا تلعب مع الكبار أيها القزم!
(مرتعشًا) من أنت؟ وماذا تريد مني؟
(ساخرًا) أعجبتني… أريد أن أتعرف إليك! (مقهقهًا) هل تقبل بصداقتي؟
(غاضبًا) أجبني من أنت!
ثم لم أشعر بشيء بعد أن ضربني بمؤخرة المسدس على رأسي، فسقطت مغشيًّا عليّ.
استفقت بعد مدة في المشفى، محاطًا بأصحاب الميدعات البيضاء، رحماء طيبين. وما إن غادرته حتى بدأت رحلة البحث عن شهناز، حبيبتي التي أهيم بها وأحلم بوصلها، وأسعى إلى فهم ما جرى وإنقاذها من براثن الوحوش الآدمية.
بحثت في كل مكان، لكن دون جدوى. فشلت فشلًا ذريعا، فلجأت إلى عائلتها. لم يفرحوا بي بدايةً، بل لاموني وعاتبوني، حتى إذا خمد الغضب وضعوا أيديهم في يدي من أجل هدف واحد: إنقاذ شهناز.
خلال جلسة البحث الأولى، صدمتنا سناء أختها بمعلومة خطيرة: فقد أجبرها رئيسها في العمل على مصادقته والخروج معه، حتى تعلق بها حدّ الهوس. وعندما علم بعلاقتنا هدّدها، ووصفني بـ"الخنزير"، ثم اختطفها حين قررت تركه.
لاحقًا تم القبض عليه وهو يحاول الفرار إلى دولة مجاورة رفقة عصابته وشهناز، بعد أن اكتُشف أنه يدير شبكة للإتجار بالأعضاء البشرية. حُكم عليه بأحكام قاسية، وعادت شهناز إلى الحياة بعد رحلة من الألم والخوف.
تزوجنا لاحقًا، واستعادت توازنها وثقتها في نفسها وفيَّ، لكنني بقيت أسير تلك الصورة: يدها الممتدة من النافذة، وصوتها المبحوح يطلب النجدة، وأنا ساكن كتمثال.
تعاتبني أحيانًا على تقصيري في ذلك اليوم، وأعاتب نفسي كل يوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق