الثلاثاء، 18 نوفمبر 2025

قصة قصيرة( لقاء الأرواح ) بقلم نور شاكر

قصة قصيرة( لقاء الأرواح )
بقلم: نور شاكر 

لم يكن المرفأ كما تركاه يوم الوداع الأخير تغيرت الأرصفة، وتبدلت الأبواب الخشبية التي كانت تعصف بها الريح في المساء، لكن رائحة البحر بقيت كما هي؛ شاهدة على حكايةٍ طال عمرها أكثر مما ينبغي

جاءت هي أولًا، تتكئ على عكازٍ خشبي، تخطو ببطء، كأن كل خطوة هي محاولة لاسترجاع حياةٍ سُرقت منها 

كانت ملامحها تحملُ آثار الزمن، تجاعيد حفرها الحنين أكثر مما حفرها العمر، وصمتٌ طويل يسكن عينيها، كأنها تخشى أن ينبثق منها البكاء

وقفت أمام البحر

 كان ديسمبر قاسيًا، والبرد يتسلل عبر ثوبها الصوفي القديم، رفعت عينيها إلى الأفق، وكأنها تبحث في المدى عن ماضٍ مضى بلا رحمة

لم يمض طويلًا حتى ظهر هو

يمشي بخطواتٍ أثقلها الشوق، وكأنه يسير في اتجاه نفسه لا في اتجاه الطريق، الشيب اكتسح جانبي رأسه، وملامحه تشبه الشتاء، لكنها تحمل دفئًا خفيًا لم ينطفئ

حين تلاقت الأعين، تجمد الزمن

ثلاثون عامًا... اختُصرت في لحظة

تذكرت صوته القديم:

 "يا فتاتي... يا وطني... يا انتمائي"

فاهتزت الروح كما لو أن شيئًا من الحياة عادت إليها فجأة

وتذكر هو ضحكتها التي كانت تأتي خفيفة، كطفلةٍ تعلن للعالم أن الحب قادر على إنقاذ كل شيء، لكن العالم لم ينقذهما

اقترب منها، كانت المسافة بينهما أقصر من أن تُذكر، لكنها طويلة كعمر الانتظار، نظر إلى العكاز، فاغتاظ

 ليس من الوقت، ولا من المرض، بل من الفراق الفراق الذي أنهكها حتى قبل أن ينهكه هو

همس بصوتٍ مبحوح: 

"أهذا ما فعلناه بأنفسنا؟"

لم تجبه، كان الصمت بينهما أصدق من أي كلمة

في تلك السنوات الطويلة، لم تكن الحياة حياة كان كل منهما يعيش بظله فقط، ينسل الليل إليهما، فيلقي على قلبيهما ندبة لا تهدأ، كانوا يقولون إن الوقت كفيلٌ بأن يداوي، لكن الوقت كان يزيد الجرح رسوخًا

قالت أخيرًا، وكأن الكلام يخرج من قلبٍ ظل محبوسًا طويلاً: "لم أمت يوم افترقنا، لكني توقفت عن الحياة"

أغمض عينيه قليلًا، كأنه يخشى أن يسقط من ثقل الشعور: "وأنا... كنت أتنفس فقط، لا أكثر"

مد يده المرتجفة نحو يدها قبضت عليها كما لو أنها أخذت بيده من الغرق

 اصطلح الزمن بينهما فجأة، وأغمض البحر عينيه احترامًا

قال: "تعالي لم يعد في العمر ما نخسره"

ابتسمت، لكن الابتسامة كانت مرهقة:

 "بل ما بقي منه يكفينا إن كان معًا"

جلسا على رصيف المرفأ كعادتهما القديمة تذكرا الحديث الطويل والأمنيات الصغيرة التي كانا يخيطان بها أيامهما

 لم يعودا شابين، لم يعودا قادرين على الركض نحو الحياة... لكنهما أخيرًا لم يعودا يركضان منها

في تلك اللحظة، كانا يعلمان:

لم يكن اللقاء مصادفة ولا كان الفراق عبثًا

كان كل شيء يحدث ليعيدهما إلى هنا: إلى مرفأ الذكريات، حيث انتهت الحكاية مرة... وتبدأ الآن من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

إلى من سألني بقلم عبدالرحيم العسال

اخميمي ( إلى من سألني : هل انت اخميمي؟)  =========================== نعم يا عم أخميمي. وكم ازهو به وطنا لنا إرث وتاريخ. ونيل...