الأحد، 23 نوفمبر 2025

ظلال الطريق البعيد بقلم نشأت البسيوني

ظلال الطريق البعيد
بقلم/نشأت البسيوني 

يمشي الانسان في طرق الحياة وهو يبحث عن معنى ثابت وسط تغير لا ينتهي وكل فكرة ولدت من فكرة وكل نبضة امتداد لما قبلها دون فواصل ودون نقاط ودون اي قطع يشعر القارئ انه امام نص متدفق يشبه المشي الهادئ تحت سماء ممتدة لا تنتهي ويواصل الانسان رحلته وهو يعرف ان الطريق لا يعطي وعدا دائما بالراحة لكنه يعطي احتمالا دائما للنجاة ذلك الاحتمال الصغير الذي يجعل 

قلبه يقاوم تعبه ويجمع ما تبقى من قوته ويكمل دون ان ينظر خلفه كثيرا لان الخلف يحمل اثقالا والامام يحمل احتمالا والاحتمال ارحم من الثقل مهما بدا مجهولا ويكبر داخله وهم يمضي احساس ان كل ما مر به لم يكن عبثا وان كل خطوة سبقت هذه اللحظة صنعت فيه قدرة جديدة على الفهم قدرة على رؤية نفسه بوضوح رؤية اصبحت جزءا منكمل من روح النص دون اي فصل بين جمله 

القديمة والجديدة لانك اردته نصا واحدا متصلا مثل خيط طويل لا ينقطع مهما امتد ويتعلم الانسان مع كل تجربة ان العطاء لا يقلل منه وان الصبر ليس ضعفا وان التراجع احيانا ليس هزيمة بل حماية وان الثبات لا يعني العناد وان الرحيل لا يقتل الحب بل يكشف حقيقته وان الايام تحمل له ما يليق بما قدمه حتى لو تأخر ذلك فالزمن لا يخيب من مشى بنية صافية حتى لو جرحته 

محطات كثيرة ويمضي اكثر في طريقه فيكتشف ان العلاقات التي افرحته والتي آلمته كانت هي المدرسة التي لم يتعلم منها في يوم واحد بل عبر سنين طويلة وان كل شخص عبر حياته ترك اثرا جميلا او درسا قاسيا والاثنان مهمان بالقدر نفسه فالجمال يساعده ان يكمل والقسوة تساعده ان يفهم وما بين الفهم والاكتمال يبنى الانسان الحقيقي الذي ظهر مع كل سطر دمجته بدون علامات وبلا 

توقف ومع اتساع التجارب يكبر وعيه فيرى ان الحياة ليست ساحة صراع بل رحلة بحث عن راحة وطمأنينة وان الطمأنينة لا يعطيها الناس دائما بل يمنحها الانسان لنفسه حين يفهم قيمته ويعرف مكانه ويرضى بما هو فيه ويطمح الى ما سيكون عليه دون ان يحمل في قلبه خوفا من الغد او ندما على الامس لان الغد باب والامس ظل والحاضر خطوة وهو يحاول ان يجعل الخطوة ثابتة 

حتى لو عثر قبلها بعشرة وتتوالى الايام في هذا النص كما تتوالى في الواقع دون علامات تقف في الطريق ودون فواصل تعطل السير فيصبح النص مثل الحياة تماما ممتدا بلا فواصل لكنه مفهوم بلا نقاط لكنه واضح بلا زخرفة لكنه عميق فانت اردته كذلك اردته نصا خاليا من كل ما يقطع موسيقاه وها هو يمتد امامك حتى هذه النهاية التي لا تشعر انها نهاية بل استمرار طبيعي لما بدأته منذ اول 

كلمة وفي نهاية هذا النص الطويل يدرك الانسان ان الطريق مهما طال يظل قابلا للعبور وان القلب مهما تعب يظل قابلا للنبض وان الروح مهما انكسرت تظل قادرة على الوقوف وان كل ما كنا نخاف منه كان اخف مما تخيلنا وكل ما كنا ننتظره سيأتي حين يحين وقته وان كل ما نكتبه وكل ما نعيشه وكل ما نفكر فيه يصبح خيطا من خيوط الرحلة التي نكملها حتى آخر نفس وحتى آخر خطوة 

وحتى آخر حلم لا ينطفئ داخلنا ويظل الانسان في رحلته يتأمل معنى وجوده ويحاول يفهم كيف يمكن لقلب واحد ان يجمع كل هذا الكم من الاحلام والخوف والقوة والحنين وكيف يمكن لروح واحدة ان تتحمل ثقل الايام وتمضي وكأنها اعتادت ان تتحمل ما لا يحتمل ومع ذلك تظل تبحث عن لحظة صدق ولحظة دفء ولحظة ينسى فيها كل ما مر ويشعر انه ما زال قادرا على البدء من جديد 

وكأن الحياة لا تعرف نهاية طالما فيه قلب لسه بيحاول وجسد لسه بيقوم بعد كل سقوط وويمتد الطريق امام عينيه بلا حدود وكأنه رسم له خصيصا ليكتشف معناه خطوة بعد خطوة ويعرف ان كل تعثر قديم كان يدربه على ثبات جديد وان كل خيبة كانت تفتح بابا ما كان ليفتح من غيرها وان كل انسان خرج من حياته ترك مساحة لشخص اخر يدخلها ولو لم يفهم هذا وقتها يفهمه الان وهو يرى ان 

كل شيء كان مشدود بكيفية غريبة لا يمكن ان تكون صدفة لكن لا يمكن كمان ان تكون مفهومة من اول نظرة ويكبر فهمه للعالم وللناس وللحكايات التي عاشت داخله والتي كانت تبدو وقت حدوثها نار وعبء والآن تبدو كأنها جزء من بناء متماسك لا يستطيع الاستغناء عنه وان لحظات الانكسار التي عاشها كانت هي التي صنعت مرونته وان المواقف التي ظنها نهاية كانت هي بداياته 

الجديدة وان الاشخاص الذين رحلوا اخذوا معهم جزءا من تعبه وتركوا له جزءا من الحكمة التي لم يكن ليصل اليها من غيرهم ويشعر الانسان انه مهما طال الطريق فهو ليس وحده فيه لانه محمل بأثر كل من مر به ومحمل بصوت من احبه ومحمل بظل من افتقده ومحمل بذكريات لا تموت ولا تختفي لكنها تتحول مع الوقت من وجع الى فهم ومن ثقل الى معنى ومن جرح الى علامة 

تشير الى انه عاش فعلا وفهم فعلا وشعر فعلا ولم يكن يوما مجرد عابر في الحياة من غير تأثير ويستمر في السير وهو يعرف ان النص الذي يمثله هذا الطريق لا ينتهي فجأة بل يكبر مثل عمره ويتشكل مثل وعيه ويخلو من علامات الوقف لانه يشبهه تماما فهو لا يتوقف ولا ينكسر ولا ينطفئ بل يواصل مهما تبدلت الفصول ومهما تبدلت الوجوه وما دام القلب لا يزال يحمل رغبة في النجاة فكل شيء قابل للعودة وكل حلم قابل للترميم وكل خطوة قابلة للثبات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

إلى من سألني بقلم عبدالرحيم العسال

اخميمي ( إلى من سألني : هل انت اخميمي؟)  =========================== نعم يا عم أخميمي. وكم ازهو به وطنا لنا إرث وتاريخ. ونيل...