ممكن رأيكم
إلى_الهاوية
السماء مليئة بالغيوم والشمس دامعة من خلف تلك القضبان، والرعد يدوي عاليًا؛ يكاد يصم الآذان، والبرق يضئ بسنا نوره
وكأنه المنتظر من بين هذه الظلمات.
استيقظت شذى على صوت الرعد، حيث كانت كما اسُمها؛ جميلة، تحب الحياة والأمان، ولا ينبض قلبها إلا تحت سماء العدل، فهي صورة الحب والتسامح، شذّية بعطرها الفواح، فخرجت تتجول وتتفقد الأجواء حولها؛ فاليوم غائم ومرعد وهذا لا ينذر بالخير.
خرجت تقابل حسام حبيبها ومصدر قوتها، كان حسام قوياً وشجاعاً لا يخشي شيء..
حول الورد تنبت الأشواك، وأيدي الغدر طائلة، بينما يتجول العاشقان في أمان الله، اعترض طريقهما أحد اللصوص، محاولاً خطف شذي، فيدافع عنها الفارس المغوار، لكن ما الفائدة! حسام اعزل السلاح والغدر طاله دون سابق انذار، سقط صريعًا متأثراً بطعنات الغدر، بطعنات الحقد والمطامع؛ لتسقط شذى رهينة في أيدي اللصوص، وتُحتجز خلف الأسوار الشائكة والموت لمن يحاول الاقتراب.
أما شذي تنعي نفسها في موت فارسها وتنعي الأرض من بعدها فتحدث نفسها بدموع منهمرة قائلة:
• سيُعم الدمار في غيابي، الكل بعدي سيرتدي الوشاح الاسود.
الأشلاء في كل مكان وأدخنة اللهب تتصاعد والبيوت خاوية على عروشها وأصبح الأخضر كاحًلا، و الصراخ يدوي عالياً والدمار طال الجميع، فمن أشعل النار أول من بها احترق. الكل يبحث عن شذي، الكل يبحث عن الأمان، الكل يتمني أن يُفرج عن الشمس؛ ليسطع نورها وتحتضن الأرض بدفئها .
حاولت شذي الهرب مراراً وتكراراً، دون جدوى؛ ما أكثر القيود والسلاسل من حديد، دخل اللص ودفعها بقوة، حتى ارتطم وجهها بالأرض، سال دمها، فقالت غاضبة،
• حتماً سيجدونني، وستدفع الثمن غالياً
ضحك ساخراً
• من كان يبحث عنك قُتل أمام عينيكِ.
•إن مات حسام، فالمدينة ستنجب كل يوم ألف.
• لن يستطيعوا العثور عليكِ، فأنا وحدي من يملك العلم والقوة والمال.
• لا تستهن بهم
نظر متأملاً حديثها ثم قال:
• لا استهن بهم، حسناً، هل عليّ أن أخشى من ضعفاء، مرضى، جهلاء، جياع؟!
• إن كانوا كذلك فأنت من استبددتهم، وسرقت دوائهم وأقلامهم ولقمة عيشهم.
• إن كانوا كذلك فأنت من قتلت أحلامهم وروعت أمنهم، لقد خطفتني من بينهم مُدعياً تحقيق العدل و أنتَ أبعد ما يكون عن العدل، فأي عدل هذا الذي يُقام على جثث الشباب ودم الأطفال، أيّ عدل هذا الذي يقام على شرف النساء وسرقة الأوطان؟.
• فمن تكون أنتَ حتى تُقسم المدينة أجزاء متناثرة وتتحكم في مصائر أهلها ؟ يرد بغروره المتعجرف:
• ومن تكونِ أنتِ ؟
مظاهرات حاشدة هنا وهناك، الكل يندد ،الكل غاضب ،الضوضاء يجتاح المدينة ،لا يوجد مكان إلا وقد عمّه الحزن، لا يوجد مكان إلا وأعلن الحداد، ارتجف اللص خوفاً، إنهم حقها ليس ضعفاء، رغم كل ذاك الدمار ما زال صوتهم عالي، لن يهدأ اللص حتى يقضِ عليهم جميعاً، ويحقق مصالحه وأطماعه .
نقل اللص شذي إلى مكان أخر بعيد، وشدد عليها الحراسة وزود السلاسل والأقفال. فكلما زاد الخوف زادت الحراسة، فالحق لا يحتاج حراسة وأسوار .فالحق قوي بذاته، حامٍ لنفسه.
ضحكت شذي بشدة وقد تهلل وجهها، فالنهاية اوشكت على الاقتراب. استفزته ضحكاتها فصفعها صفعة قوية.
• افعل ما تشاء، اقتل واسرق واشعل النيران، فعاجلاً أم آجلاً ستزول وسيزول معك كل هذا الدمار
• وسأبقى أنا وأنا فقط
• سيأتي حسام ويحررني وستشرق الشمس من جديد.
لم يضع كلماتها في الاعتبار، اعتقد أنها اُصيبت بالجنون. خرج من زنزانتها ولم يبالي.
• سيأتي يوم تخُضر به الأرض وتجري الأنهار دون دماء، سيتبدل الأسود بكل الألوان، ستتوقف الشمس عن ذرف الدموع وتبث الضوء في كل مكان .(شذي تحدث نفسها)
المدينة برمتها، اجتمعت للبحث عن شذى، لم يخطط اللص لشيء مثل هذا، لم يضع في حسبانه أن من تحت الرماد ستشتعل الجمرات ، ذهب لشذي مهرولاً،
قد سألتك سابقاً، من أنِتِ، ومن أين تستمِدين قوتك ؟
اقتحم سكان المدينة الزنزانة وخلصوا شذي من تلك السلاسل وهدمت الأسوار، خرجت شذي للنور ثانية ،واحتضنت السماء بقلبها، حزنت لما رأت من دمار، لكنها قررت أنها لن تغيب مرة أخرى مهما كلفها الأمر.
ذهبت شذى في زيارة لقبر حسام تنثر عليه الورود متذكرة آخر أمنية له.
• تُرى متى ستنتهي الحروب، ومتى ستكف الشمس دموعها الحبيسة خلف سحابات القنابل، ومتى سيتوقف نحيب الأمهات ومتى تتباهي الأرض بثوبها الجديد الغير ملطخ بالدماء؟!!!!
فتدمع عيناها مرددة
• ها قد تحققت أمنياتك.
سهام_رمضان