الأحد، 20 سبتمبر 2020

حورية قصة قصيرة بقلم شباح نورة

 العنوان : حورية

من وقانع الثورة
‎إنها في ربيع شبابها فاتنة ؛ رغم الفقر والحرمان ،ولمسة الحزن البادية على ملامحها ،يكاد ينطق كل ملمح فيها بل ويصرخ من القهر . حورية تزوجت وعمرها لا يتجاوز خمسة عشر من عمرها . لا تفقه شيئا عن الحياة الزوجية
‎وزد على ذلك إنها ستصطدم مع حماتين…الاولى أم زوجها ، والثانية زوجة عمه لها سلطة كبيرة في البيت سمراء طويلة لها عينين سودوين ، تنم عن المكر والدهاء وإنها لا تستحي من قول أي كلمة مهما كان تأثيرها القاتل على العروس الساذجة…إن الدار تعج بساكنيها من إخوته وأبناء عمومته وجده …إنها ثكنة عسكرية ولكنها لعائلة واحدة …الخبز (الكسرة او المطلوع)يطهى كل يوم ثلاث مرات الصبح للفطور… وللغذاء للعشاء …
قد تعجن من عشرة الى العشرين خبزة حسب الحضور. يا لها من حياة متعبة !
‎هل صحتها تسمح لها بكل هذا الشغل !؟ من تنظيف وغسيل وكنس واهتمام بالكبار وحتى الصغار …وخاصة أن أهل البيت معظمهم رجال إلا من طفلتين والباقي معروف
ما عساها أن تفعل مع أسلافها ! عشرة وحماها و أخاه ووالدهما …والكل يطمع في خدمتها…ماذا ينتظرها !؟
ويوم زفافها طلبوا منهم أن يحضروا معها أمها وخالتها وعمتها فقط …إنها آية في الجمال الطبيعي…
وجيء بها في هودج ؛ لقد أفرغت ما بعيونها من دمع و كحل تلطخ على وجنتيها الورديتين … لا تعرف زوجها ولا يعرفها إنها الطامة الكبرى…! أن تتفجأ بشاب مكتنز وشديد وصعب العشرة فأول لقاء ستكون صفعة على خدها …حتى لا تشتكي ولا تتكلم عن أي شيء مهما كانت الإساءة حتى ولو كان خطيرا على صحتها…
مرت الأيام التعيسة ، لا تعرف طريقا للبسمة أو الضحكة…حتى عندما أحست أن شيء يتحرك في أحشائها لم تفهم !
‎طلبت منها حماتها أن ترخي حزامها حتى لا يشعر بها أهل البيت…
‎لم أتحدث عن حماتها إنها امرأة طيبة وهذا ما خفف عنها التعب عما تلاقيه من أهله… حورية متعبة حزينة واتعاب الحمل ومشاق البيت أهلكها…
لقد اقترب موعد نفاسها ،التحضيرات ممنوعة .إذا نفست وأنجبت مولودا فستمزق له ثوب قديم يكفي لقماطه…ولكن حورية كانت كلما تخيط ثوبا جديدا لأفراد الأسرة ؛ تحتفظ بالقطع المتبقية …لتخيط لولدها ما يناسبه من ثوب .
‎لقد تعلمت الخياطة من والدها لأنه كان خياطا محترفا ومن حماتها لأنها ماهرة في هذا المجال
‎وأنجبت ولدا ذكرا .سيفرحون به إنهم يمقتون البنات…اليوم الطبخ كان من الجيران ، من الأهل… أولاد أعمامهم وأولاد أعمام أعمامهم وعماتهم المتزوجات من أهلهم…
‎هذا الاسبوع الطبخ سيكون من القبيلة ، وينتهي بالأسبوع (العقيقة) الذي يقام على شرف المولود
تذبح الذبائح والكل سيحضر …تقدم الشخشوخة بالرقاق وباللحم والزبيب والحمص والمرق الدسم وتقدم الطمينة (قمح مقلي مع العدس والحمص والكليلة والتمر اليابس الكل يطحنون في المطحنة مع القليل من الملح والسكر)ثم يضاف السمن والعسل .
وتقدم مع القهوة إنها أجمل المناسبات في ذلك الوقت ، لمن أتيح لهم ذلك وهم قلائل
وكان لزوج حورية عبد القادر …أخ اسمه إبراهيم مغترب بفرنسا يشتغل هناك .وكل شهر يبعث بمرتبه لوالده ، ولا يحتفظ إلا بالقليل ما يسد حاجاته البيسطة …
والد إبراهيم يستغل النقود في شراء المواشي والتجارة فيها وشراء الإبل وبيعها… وصار من الأغنياء في قبيلته…بلدته
قررت العائلة كما تعودت من قبل أن تبحث له عن عروس صغيرة السن كالعادة …ولم تطل البحث وجدتها بالقرب منها من أهلهم(مريم)إنها بنت جميلة مكتنزة الصحة وطويلة …ومازالت في طور النمو …وتمت خطبتها وابنهم في الغربة، ينتظرون عودته في الصيف وقت الإجازة…واقترب الموعد ولم يبق إلا شهرين …
إن حورية سعيدة هذه الأيام رغم كثرة الأشغال عليها والاعتناء بولدها …ترضعه وتتركه في دوح معلق في وسط البيت ؛ تراقبه بين الحين والآخر .
لكن رغم ذلك إنها فرحة بالعرس والعروس التي ستقاسم معها الأعمال …وتنشغل عنها زوجة عمه …ستهتم بالعروس الجديدة…
وأقبلت أيام العرس وتهيأت الأسرة لهذه المناسبة…
سيشترون ثيابا جديدة …وسيحضرون ما أمكنهم من رفيس ومقروض وخبز الدار والكسكسي كلها أطعمة لذيذة…
وسيشبع الجميع…عاد إبراهيم إلى أسرته …وأخبروه بموعد العرس في الأسبوع القادم.
اجتمع بأسرته ، ثم اختلى بأخيه عبد القادر…وحدثه أنه رأى السفن الفرنسية تمتليء بالقمح والفواكه ، وبكل ما لذ وطاب وبالزيتون وزيت الزيتون…وبالمعادن الثمينة من الحديد والفحم الحجري وووووووووو …
كلها من خيرات الوطن تذهب أسبوعيا إلى فرنسا بدون نقود …والشعب يعيش في فقر مدقع من الحرمان والفقر والجوع …ثم حدثه عن الثوار والهدف من جهادهم…عارضه عبد القادر بشدة ، وطلب منه الصمت وأن يهتم بأمر العرس…
وتم العرس وبعد أسابيع ؛ أخبر إبراهيم أخاه أنه سيعود لعمله…
ولكن إبراهيم ؛ لم يعد لعمله التحق بصفوف الثوار وغاب خبره لكن السلطات الاستعمارية أخبرت أسرته أنه لم يعد لعمله .
وأن صاحب المصنع أخبرهم ، وبعث ببرقية يعلمهم بذلك…
شك عبد القادر في الأمر لكنه الآن تأكد …وحاول الإتصال بأخيه …عن طريق ابن خاله الذي عرف عنه أنه من الفدائيين ، وأن الاستعمار يبحث عنه…واتصل به …
ومن تلك اللحظة أصبح عبد القادر المنسق بين الثوار وأسرهم وينقل لهم المؤونة وما يحتاجونه بعدما اشترى شاحنة …للعمل عليها…وأصبح إبراهيم يأتي خفية لزوجته وأهله…
وحورية لا يهمها إلا الشغل الذي كسر ظهرها .
فأصبح قليلا وسلفتها مريم تساعدها قدر المستطاع…
الآن كلتاهما حاملتان في الأشهر الأولى …
والآن أخبار إبراهيم وأخيه ، بدت تتناقلها الألسن…وخاصة بعدما ألقي القبض على ابن خالهما الذي أوشي به من طرف حركي معروف في البلدة …ولقد حكم عليه من طرف الثوار بالإعدام…لذا قرر كلا الاخوين الصعود للجبل والاستشهاد في الميدان المعركة أفضل من القبض عليهما…ومرت الأيام والشهور على جمر وفي صباح يوم الجمعة من شهر اكتوبر من سنة 1958 عثروا على عدة شهداء مرميين في جنان الزيتون بعد تعذيبهم وقلع أظافرهم ونتف شعرهم وكوت مناطق من اجسادهم، وشوهت وجوههم، حتى معرفتهم كانت بصعوبة من طرف أهلهم …
علمت أسرة إبراهيم ، ما حدث في البلدة فكانوا على استعداد لمداهمة العدو لهم …وحصار البيت وطلبوا من حورية ومريم والبنتين بتلطيخ وجوههن بالسواد والاختفاء حتى لا يظهر جمالهن…
وفتش البيت ففر شباب العائلة عبر السطوح وقفزوا على الجدران للجيران والفرار …التفتيش كان تعسفي كل شيء كسر ورمي من قمح ودقيق وسكب الزيت وكسرت الجراري وزير كبير للزيتون ولم يبق شيء للاستفادة منه…
في تلك الليلة إزداد ألم المخاض على حورية…ونادوا للمرأة التي تشرف على توليد أهل البلدة …وأحضروها وبع سويعات ؛ ولدت حورية ابنها الثاني .لم تفرح به لأن والده لا تعلم هل يراه ولو مرة واحدة أم لا …
ولكن من ناحية أخرى…ستهتم بها سلفتها التي اقتربت هي الأخرى من الولادة كما سيهتم بها الأهل والجيران.
إنه شهر الشهداء في هذه البلدة كما هو شهر المعارك والعمليات الفدائية …وتكبدت فرنسا المستدمرة خسائرا في الأرواح والعتاد …كما عرف إبراهيم بشجاعته وقدرته على قيادة العمليات الناجحة.
ولكن الحركي لم يتمكنوا من إعدامه لإنه في أحضان العدو يحميه ويتجسس على أهل البلدة من طرف صبيانه وخدامه…وعلم بولادة ابن لعبد القادر فراقب بيتهم وترصد كل من يدخل إليهم ويخرج صغيرا أو كبيرا إلا ويخبر به العدو…
وذات يوم من ذلك الشهر أحس بحركة غير عادية وتتبع الأثر .
وعلم أنه عبد القادر متخفي في قشابية مصنوعة من وبر الإبل الخاصة بهم…
وأخبر العدو وطوقوا المكان وأقبل فيلق من العدو وحصر المكان .سلم عبد القادر على أهله وزوحته وأوصاهم بالوطن وبأولاده ، وودع أمه بقبلة على الجبين وخبرها بصوت خافت متقطع بألا تبكي عليه !.
لإنه شهيد الوطن ،وانطلق كالصاروخ مسرعا وانطلقت وراءه كمية هائلة من رصاص القناصين والمحاصرين وسقط بالقرب من الباب وهو يقول تحيا الجزائر الله أكبر تحيا الجزائر الله أكبر مدرجا بدمائه الطاهرة .
بقلمي:
الاستاذة شباح نورة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

‏بنك القلوب بقلم ليلا حيدر

‏بنك القلوب بقلمي ليلا حيدر  ‏رحت بنك القلوب اشتري قلب ‏بدل قلبي المصاب  ‏من الصدمات ولما وصلت على المستشفى  ‏رحت الاستعلامات ‏عطوني ورقة أم...