قصة قصيرة جدا ( الجرة الفخارية)
كنت طفلاً لم أتجاوز بعد عامي الرابع، أعدو في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين أنا و رفقة لي , و قد كنا نمر بالقرب من مجمَّع لصنابير المياه , الذي يستعمله أهل الحيّ للتزود بمياه الشرب و غيره , و كانت جارة لنا تحمل على رأسها جرَّة من فخَّار ممتلئة بالماء ، بعد ان عانت الأمرين , وبذلت الكثير من وقتها لمجرد الوصول الى الدور ، و ملء جرتها , و كانت في عجلة من امرها , خصوصاً و أن زوجها رأيتُه قبل قليل و قد عاد من عمله الشاق , الذي لا يكاد يفي باقل احتياجات اسرته . تعثرت قدمها , فسقطت على الأرض ، فحاوَلَتْ انقاذ جرتها بكل ثمن ، إلا أنها فشلت .تدفقت النسوة اليها ليرين ما حدث ، فوجدنها تبكي بشدة ، فقلن : لعل التواء في القدم قد ألمَّ بها ، أُخريات قلن : الامر على ما يبدو أشد ، يبدو أن الساق قد كسرت. سألت إحداهن المرأة ، و قالت: ما ألم بك يا ام يوسف ؟ قالت : كسرت جرتي ، قالت : الحمد لله على سلامتك ، كنا نخشى أن تكون ساقك قد أصابها مكروه ، قالت أم يوسف : لو أن ساقي كسرت أهون علي من أن تكسر جرتي ، فالساق يمكن جبرها في المستشفي , و بدون دفع اي قرش ، لكن الجرة من فخار و لا يمكن إصلاحها , و زوجي فقير لا يقوى على شراء غيرها . رغم صغر سني ذرفت عين دمعة ساخنة ، و لعلي سمعت صوت امراة بكت ايضا . قالت احدى الجارات : هذه جرتي خذيها , هي لك يا أم يوسف ، فتعلمين أن في بيتنا زير فخاري ايضاً و عندي جرة أخرى . تبسمت انا بعدها و لحقت باصحابي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق