نحو سمو إنساني
الانسانية جدلية قائمة تثير التناقض بين اصناف البشر المتعددة..فالشعور الانساني هو الذي يقرب بين الاطوار المتباعدة من الناس والذين تجمعهم وتفرقهم أحداث وأحوال متنوعة..فحين ينساق البشر لتحقيق مآرب مادية أو أقرب إلى ظاهر الفرد البشر سيجعل الجميع يتطاحن ويتناحر نحو هذا المأرب..لأن كل البشر يشتركون في هذه العوامل والتي ستجعل كل منهم ينصرف إلى نفسه ويسخر الآخرين لتحقيق أطماعه وشهواته..ومن هنا تنشأ الأنانية المقيتة..فهي تودي بالفرد إلى أن يكون شهوانيا لا يرى في الآخرين إلا مطية للوصول إلى اغراضه الوقتية..وهو في الحقيقة اسير وطوع لنفسه الدنيئة التي تقوده إلى حب الذات المفرط دون أن يكون لهذه الذات ما تقدمه للآخرين أو تشعرهم بالمشاركة في كل ما يعتريهم أو مواساتهم همومهم أو محاولة التخفيف من المعاناة أو إزاحة ثقلها عن كاهلهم.
إن ما نريد أن نصل إليه هو خلاف ذلك تماما..كيف يكون ذلك؟ أيكون بأن يذوب الفرد في الآخرين وينسى نفسه وبالتالي قد يفقد القدرة على العطاء والمواساة والمشاركة؟
الفرد الإنسان الذي يسعى لتحقيق إنسانيته لا يشعر بوصوله إلى ذلك الشعور إلى من خلال الآخرين..فهذا الشخص يكرس نفسه وجهده لتحقيق اسمى شعور إنساني..وهو أن هؤلاء البشر يجب أن يكونوا سعداء..وكيف تكون سعادتهم؟ بل ما هو السبب الذي يجعلهم غير سعداء؟ بل نقول ما هي السعادة اصلا؟
السعادة شعور يفوق كل التعابير الأخرى مثل الابتهاج..السرور ..الفرح...الغبطة..فهذه السعادة تنبع من نفس تفيض بالصفاء..والخلو من الضغائن والأحقاد والفتن والشرور..فقد يكون الإنسان سعيدا لأن الآخرين سعداء..ومن خلالهم استشف هذه السعادة ونسي كل همومه..وتغاضى عن مشاغله ومشاكله الخاصة..بل ويزيده سرورا وشعورا بأقصى درجات السعادة عندما يكون قد ساهم في تحقيق تلك السعادة حتى لو كان ذلك على حساب نفسه وراحته ووقته..هذا الإنسان استحق أن يكون إنسانا بهذه المشاعر والأحاسيس التي امتلكها وبهذا الكم من البذل والعطاء الذي تمتع به حتى وصل إلى هذا المستوى من الرقي الإنساني.
ولكن هل معنى ذلك أن يتخلى ذلك الإنسان عن بعض من الكيد والمكر كي يكون إنسانا صافيا؟ .. لو كان ذلك فلن يقوى على مجابهة تيار الشر الذي يأتي على الأخضر قبل اليابس.. حينذاك ستنتهي المعركة بانتصار الطرف الأسوأ على الطرف الأحسن..وهذه لن تخدم الجميع ولن تعمم الفائدة التي تعود بالسعادة والأمن والطمأنينة على النفوس..وفي حالة ما إذا تمت المجابهة قد يسقط الضحايا من الطرفين..وتكون هناك معركة لامناص منها..أي أنه لابد أن يقع ما ليس منه بد..وكل يرى بأن الحق إلى جانبه..وفق ما يفسره أو ما تقود إليه معتقداته..إذن فالمعركة لابد منها..هذه المعركة ليس لها مكان أو زمان..ليس لديها شعارات..ليس لديها أسلحة محددة..الفيصل في هذه المعارك هو ما يحمله الفرد بداخله..وقد تكون النتيجة لأحد الطرفين الذي قد يخرج منتصرا ..إلا أن ذلك لا يعني الانتصار الباهر..فالنصر الحقيقي هو الذي تظهر نتائجه على المدى الأبعد..ومعركة العمل هي المعركة الحقيقية..معركة البناء والتأسيس..معركة تحديات المستقبل هي الأصعب ..هي المعركة التي لا تتوقف ابدا..فالأيدي التي تشد للخلف موجودة في كل زمان ومكان..هذه الأيدي لابد من إنزال العصا الغليظة باتجاهها دائما..فإما أن تختفي وتنجو بنفسها قبل نزول العصا..أو أن تسحق بهذه العصا..عصا الحق واليقين..لكن الأفضل طبعا أن تتحول إلى أياد بيضاء مع باقي الأيادي المساهمة في البناء لتدعم الصفوف المجاهدة بكلمة الحق والخير وتكون معا البنيان المرصوص..حينئذ لن تكون هناك هموم..لن يكون هناك قلق واستياء وتوتر وتذمر ..ربما ذلك حلما صعب المنال او أقرب إلى المحال..لا ضير في ذلك..فالسعي نحو الحلم الجميل لا يختلف كثيرا عن تحقيقه..أو كما يقال: ليس مهما أن تحقق الهدف .. لكن المهم أن تسير في طريقه..والطريق هنا شاق وطويل..وقد لا يكفي الزاد..بيد أن الأهم من كل ذلك الزاد الحقيقي.. زاد الإيمان..وهذا ليس له إلا مكان واحد هو القلب..فإن كان عامرا به أمكن التغلب على كل الصعاب..وإن ضعف أدى إلى تهاوي باقي العوامل ومن ثم الانحدار فالسقوط..والإيمان هنا يشمل العزيمة والصبر الإرادة والإدارة..
فالإيمان بالقضية التي يحملها الفرد على عاتقه وإيمانه بالجدوى مما يقدم والرؤيا البعيدة ..كل ذلك يقوي النفس ويحثها على المثابرة دون الاكتراث بكل ما يؤدي للإحباط والنكوص..
إن الإرادة القوية تنتج عنها إدارة فعالة تقوم بجميع وظائفها على الوجه الأكمل وتحقق المنشود وتترك الأثر الطيب في النفوس وتضع بصمتها الناصعة أينما حلت..ويخلد ذكرها على مر الزمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمر عبود ليبيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق