الإبداع ضرورة اقتصادية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المعروف أن تراث اليوم لم يخلق تراثا.. بل كان بلاشك إبداعا في أوله أصبح بمرور الزمن تراثا خالدا أكدته جودته وعمدته استمراريته .. لكن هذا التراث كان تراكما لتراث قبله وبالتالي ابتنى على أساس متين.. بيد أنه لو اعتبر هذا التراث تسفيها للذي قبله لما كان هناك تراث أصلا.. ولكانت العملية لا تعدو عن كونها صرخات مراهقة اعتمدت على اندفاع طاوعته رغبة في التمرد على النمط السائد شكلا قبل مضمونا.. أو كأنها سباحة في بحار ذات أمواج متلاطمة قبل الوصول إلى اليابسة.. والتي غالبا ماتكون ذات جنادل وتعاريج تناطح تلاطم الموج.. غير أن ما كان يحمل كل من يقدم على ذلك أنه يرى نفسه يتهادى على شاطئ وديع وأنسام لطيفة .. وهكذا كلما ازدادت ضراوة الإعصار كلما كان الصيد أوفر والمتعة أكبر.. أما إذا عدنا وربطنا ذلك بمسيرة الإبداع .. التجديد.. استطراد النمط.. فلن نكون ملزمين بطرح كل قضية على حدة وسبر طيات ملابساتها.. فالعمر كله قد لايتسع لتلك السفسطة.
فقبل أن يكتشف الإنسان القديم النار كان يأكل اللحم النيئ.. لكن ما إن اكتشف أن النار تنضج الطعام حتى تغير نمط حياته.. ترى ماذا كان سيحدث لو أن أحد حظر استعمال النار أو أبطل اكتشافها؟!
لربما فهم من ذلك ضرورة اقتصادية .. والنظرية الاقتصادية تتجه دائما صوب التطور والحركة.. والإنسان منذ الخليقة يسعى لتحسين وضعه الاقتصادي.. فالفكر التسويقي الحديث صار يتجاوز المفهوم الضيق الذي كان يرى أن التسويق يبدأ عند إنجاز المنتج وينتهي بمجرد بيعه في السوق.. الفكر التسويقي الحديث يبدأ قبل قبل وأثناء وبعد الإنتاج إلى حد معرفة الآثار المترتبة عنه.. ونظرية المنفعة ترى أن العائد النفعي هو الذي تشترك فيه جميع الأطراف.. وأبحاث وتجارب سميث واتيلور وفايول ومكدوجل ومكريجور تهدف للوصول إلى جدولة واضحة للمدخلات والمخرجات الأمر الذي أدى لظهور قوانين واستنباطات لتقييم ظواهر غير ملموسة.. فالأحداث والاحتمالات والتنبؤات والدوافع والانفعالات يبنى عليها مستقبل دول بأسرها .. وقد تكون النتائج عكسية أو سلبية آنيا.. لكن لا مندوحة من الاستمرار .. فالأزمات الاقتصادية رغم تفاقهما في البلدان المتقدمة.. إلا أنها أكثر تفاقما في البلدان النامية....وبالتالي كان الفكر هو أساس الخلق والابتكار.. بيد أن من وراء ذلك ثمة دافع داخلي نبع من أغوار ذلك الإنسان.. هذا الدافع حفزه إلى العمل بطريقة غير التي ألف.. وبالتالي كان في محاولته التي ربما تعرضت للفشل مرات ومرات الخير العميم.. بل ربما راح هو ضحية هذا العمل لكن بقيت آثاره الطيبة خالدة حتى سكنت متحف التراث.. ثم جاء من بعده ونقبوا عن هذا التراث واستفادوا منه وأفادوا بعد أن استكشفوا الفكرة وبلوروا المشروع لتكون إنجازا حديثا يضاف إلى ما حققه ذلك الإنسان.. وهكذا هي حركة الإبداع.. متوالية لا تنتهي حتى بانتهاء صاحبها.
.............................................
عمر عبود / ليبيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق