(عاش ومات وحيداً)
بعد أكثر من عشرين عاماً من الغربة كنت قد قررت العيش في البلد الذي كنت اعيش فيه؛ فأنا لم أترك في بلادي إلا شقيقة هي كل ماتبقى لي كما تركت دستوراِ منتهكاً وقانونا ميزانه لا يُرجح إلا كفة السلطة والمال والمحسوبية؛ أتيت لزيارة شقيقتي وكنت لم أرها منذ أكثر من نصف المدة تقريبا؛ لم أحضر هدايا لشقيقتي لأنني كنت من أنصار طالما أن هناك فرصة لإعطاء هديتك نقوداِ لما لا تفعل ذلك؟ والشخص المهداة له يدبر أمره حسبما يتراءى له وخاصة ان شقيقتي لم تكن حالة زوجها المادية بخير فكنت ارسل مبلغاً من المال كل عام تقريبا على سبيل الدعم والمساعدة؛ كان العيد قد إقترب فقرر زوج شقيقتي وشقيقتي ان يأخذوا أولادهم لشراء ملابس للعيد وعرضوا عليَّ أن أكون معهم ففضلت البقاء وحدي والتفكير في كيفية مساعدتها بشكل عملي كأن افتح لهم حانوتاً بسيطاً؛ كنت مستلقياً وأنا أفكر عندما إشتممت رائحة دخان كثيفة نهضت مسرعاً لأستجلي الأمر فنظرت من النافذة فوجدت عاموداً من النار مشتعلاً في احد المنازل المجاورة؛ وإن لم يتم اللحاق به فقد يأتي على المنزل ومن بداخله وما هي إلا ثواني قليلة وتنامت إلى سمعي صرخات لفتاة ملتاعة؛ سحبت حذائي ونزلت مسرعاً وانا أكاد ان اقفز درجات السلم قفزاً وعندما وجدت أحدهم في طريقي صرخت فيه هيا لنطفئ النار فرمقني بنظرة ساخرة وانصرف وهكذا الثاني والثالث؛ فقلت لنفسي ليس هذا وقت الأسئلة بل هو وقت العمل ودفعت باب المنزل ودلفت للداخل فوجدت فتاة تبكي والدها والذي كادت النار ان تأتي عليه؛ فصرخت فيها لقد مات هيا ارشديني لمكان الماء لكي نطفئ النيران المشتعلة في المنزل؛ توقفت الفتاة عن الصراخ وهي تعلو وجهها علامات الدهشة والإستغراب؛ وبعد مجهود جبار تمكنت من أن إطفئ النيران؛ وفهمت أن والدها كان يشرب الشيشة ويبدو أنه ذهب في ثبات عميق وقد يكون ركلها بقدمه مما تسبب في إشتعال النيران؛ ولم أجد مفر من سوالها لماذا لم ياتِ أحد من الجيران لإطفاء النار فكانت الدهشة الثانية أشد وطأة على نفسي من الأولى؛ وبعد عودتي وجدت شقيقتي قد عادت وما أن قصصت عليهما قصة النيران؛ إلا وجدت كليهما قد فغرا فاهيهما هي وزوجها؛ وسرعان ما تبادلا الإتهام بأنه كان يجب على أحدهما أن يخبرني بالأمر وكل واحد يلقى اللوم على الأخر؛ فلم اجد نفسي إلا وأنا أصرخ فيهما أن يكفا عن العتاب وأن يخبراني بالأمر فعرفت منهما بأن الرجل احد عتاة المجرمين(بلطجي المنطقة) والكل لا يخشاه فقط بل يخشون مجرد المرور بجواره كما يعرفونه فيما بينهم بلقب (الحنش) وهي كلمة بالعامية تعني الأفعوان وانه خرج منذ عدة سنوات من السجن بعد قتله لزوجته وشق جسدها لنصفين وانه له منها بنتين متزوجتين من أبناء خال لهما وذلك بعد قتله لامهما قرر خالهما ان يفعل ذلك وفاءاً لشقيقته الراحلة وللحفاظ عليهما؛ إحداهما تبرات منه والثانية تأتي لزيارته كل عام او كل عام ونصف تقريباً؛؛؛
قصة قصيرة بقلم القاص والشاعر رشاد على محمود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق